26 أبريل 2016

كارم يحيى يكتب: بعد السيسي وأبعد منه

نقلا عن البداية
الكتابة فجر يوم الإثنين 25 ابريل 2016 بالنسبة لي هي بطعم الثورة ، وبالنسبة للبعض بطعم المجهول أيضا . وفي الاجابة على السؤال : هل ينزل الناس ؟ عندي كغيري تفاؤل متين. يتأسس على شواهد كسر حاجز الخوف ومولد شباب تتوالى أجياله بسرعة غير مسبوقة .شباب خارج عن سيطرة الإعلام التقليدي وأقفاص السياسة الحديدية و الخطابات الخشبية . أجيال شابة مطلعة على عالم يتغير وتطلب المستقبل لها ولوطنها . وفوق هذا وذاك فان نظام 3 يوليو 2013 قد سقط بالمعني الرمزي والمعنوي بعدما استولي على الدولة وصادر حق التظاهر وقمع الحريات وقتل وعذب ونهب وحول معيشة الناس الى جحيم وداس على كرامتهم .وانتهك الدستور الذي وضعه ومعه حقوق الانسان و سلامة التراب الوطني . ووضع برلمانه بصمته في منح الثقة لحكومة وقعت صك التفريط في جزيرتي "تيران" وصنافير " للسعودية . وفوق هذا وذاك صادر حق الأجيال الشابه في الوطن والمستقبل وقطف ثمار تضحياتهم .تماما كما تنكر لتضحيات الماضي .
ولأن أسباب الغضب أصبحت لا تتوقف عند سبب واحد حتى ولو كان بجسامة و بخطورة التفريط في الأرض وتهديد الأمن القومي لمصر فإن مطلب "الشعب يريد اسقاط النظام" قد تجدد وتجذر شعبيا . ومع انه من العبث الزعم بأن شعبا ما ينزل لاسقاط النظام ومعه خريطة طريق واضحة المعالم عليها ضمانات التنفيذ فإن تساؤل قطاعات من المصريين الرافضين لاستمرار الأحوال / الأهوال : ماذا بعد السيسي؟ يظل مشروعا ؟ . ويستحق محاولة الاجابة . وهذا بصرف النظر عن استغلال الثورة المضادة لهذا السؤال الهاجس لتخويف الناس من التغيير والنزول للشارع . وهي لعبة تقليدية قديمة بلا أي ابداع .و ببساطة انها طرح الخيار في لحظات طلب التغيير بين النظام الاستبدادي الفاسد المتخلف وبين المجهول والفوضى .وعلى طريقة إما .. أو .وتماما كما يجرى الآن اصطناع فزاعة عودة الإخوان الى الحكم ؟ . وقيادة الإخوان بالأصل اما في السجون أو المنافي .وفوق هذا وذاك تواجه حرجا ومحاسبة من قواعد الجماعة .وقد أصبحت تعاني من خلافات داخلية غير خافية . وفوق كل هذا فهي لديها ميراث ثقيل من الأخطاء والخطايا ضد الثورة والعقل والحداثة والديموقراطية . وهي أخطاء وعواقبها لاينجو منها ـ بحق أيضا ـ خصوم للإخوان، وبخاصة أصحاب النزعة الاستئصالية المحتقرة للشعب والفقراء ولحقوق الانسان والديموقراطية .
اجابتي المتواضعة على سؤال: ماذا بعد السيسي ؟ تبدأ أولا بأن مايجرى أبعد من السيسي ويجب أن يكون أبعد منه . لأنه لا يليق بالعصر الذي نعيش ولا بانتفاضات متوالية في سياق ثورة 25 يناير وبتضحياتها أن تنتهى الى اعادة انتاج شخصنة السلطة والحاكم الفرد ( الفرعون ) واسع السلطات أو تجعلنا نقع رهينة هذا التصور . ولو كنا مازلنا رهن لحظة السيسي التي سيطر فيها التخلف والاستبداد والقهر والفساد والفشل على نظام الحكم والدولة واختصرت نفسها جميعا في الترويج " للقائد المخلص الملهم ". ويحق لنا هنا في هذا التوقيت وبعده ان ندرك الحلقة الجديدة من ثورتنا المصرية مع إبريل 2016 في السياق الضد لكل هذه المعاني . وفي المقدمة منها اعادة انتاج حكم الفرد . ولذا فإن مايجرى أبعد من ازاحة السيسي كحاكم الى تغيير النظام وتغيير في الدولة ذاتها وفي علاقتها بالمجتمع .
ولكن كيف سيكون المستقبل بعد السيسي وأبعد منه ؟..
واجابتي المتواضعة كذلك تتجاوز الاشارة الى شخص أو أشخاص لادارة أمور البلاد خلال مرحلة انتقالة تضعها على طريق دولة المؤسسية والعدالة الاجتماعية والحريات والديموقراطية واحترام حقوق الانسان وكرامته بما في ذلك الحق في العمل والأجر العادل الكريم. وبالطبع لن أطرح اسماءا أو مجموعة أسماء .ولا يعنيني هذا كثيرا وإلا كنت اعيد انتاج ظاهرة السيسي من جديد. وكل ما استطيع ان أنبه اليه ان هناك بدائل وصياغات عدة لهذه المرحلة الانتقالية .
واننا يجب ان ندفع لأن تظل من سماتها :إبعاد الجيش عن السياسة والحكم والتوغل في الاقتصاد المدني وعودته مقدرا محترما الى مهمته في حماية تراب الوطن وحدوده . وأيضا ان ندفع نحو انتاج نظام برلماني حقيقي كفء يمثل الشعب ويتقوى بنظام أوسع من الهيئات الشعبية المنتخبة ديموقراطيا والفاعلة جغرافيا وقطاعيا .
إلا ان جوهر اجابتي المتواضعة على سؤال المستقبل بعد السيسي وأبعد منه تتلخص قبل طرح أي تصورات في أن شوارع الثورة وميادينها وشبابها هم أصحاب الكلمة الفصل في تحديد ملامح المستقبل . وبلا وصاية من حزب او قوى سياسية أو نخبة . وإذ انه من الطبيعي والتلقائي ان تولد صيغ الانتقال الثوري القادم من تطورات وتفاعلات هائلة ستولدها حركة الشباب وابداعاتهم على الارض . ولعله من المثالية الساذجة تصور ان الانتقال سيكون يسيرا سهلا بحلول جاهزة مريحة . فتاريخ الشعوب والتحولات الكبرى حافل بالصراعات والمزيد من التضحيات . لكنها صراعات وتضحيات يستحق ان نخوضها من أجل مستقبل أفضل للانسان في بلادنا وللوطن . إنها من قبيل الصراعات والتضحيات المجدية .لا تلك العبثية والمبددة للطاقة والأمل التي نتكبدها مع تكلفة بقاء نظام يمثله الآن السيسي . لأنها صراعات وتضحيات لاتدفع الى الأمام.
ورهاني أن مصر ومعها المنطقة اليوم على موعد مع بداية عملية ثورية سيكون لها ما بعدها من تغييرات .ودعونا نعمل من أجل التغيير . وقد تسلحنا عبر تجاربنا و اخطائنا وفشلنا بمزيد من الوعي والخبرات دفعنا ثمنها دماءا وأعمارا وتضحيات من أجل تحقيق أهداف العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والوطنية، وبالطبع من أجل أنظمة حكم ديموقراطية مؤسسية لاتنهض على سلطان الفرد وسطوة عصابته .أنظمة حكم رشيدة بحق وديموقراطية بحق وتمارس الشفافية ومكافحة الفساد بحق .ومدنية عصرية بحق ومؤسسية بحق.. وهي يقينا على خلاف أنظمة يمثلها السيسي ومن سبقوه.
وحتى لانكون كأهل بيزنطة ..دعونا من كل جدل الآن .. فأمامنا النزول الى الشارع.
أمر لايحتمل أي تأجيل أو سفسطة.
ولنصنع المستقبل هناك.

22 أبريل 2016

ريجيني لأمه: بلاد ليست كبلادي .. بقلم سيد أمين

أمي الغالية: تحياتى القلبية وأشواقي
أرسل إليك رسالتي هذه من أبعد مكان في الكون، حيث لا وسائل اتصال، وهو المكان الذي يذهب كل واحد إليه بسر يخفيه، ولا يستطيع أبداً أن يعود ليبوح به، ليجلي به الحقائق، ويطلق صرخة الحرية للعابرين عبر التاريخ، لكنني الآن جربت ونجحت، وها هي رسالتي بين أيديكم.
أعتذر لك، والدتي العزيزة، أنني رحلت من دون أن أودعك، وكم كنت أود أن أعود لأودعك، وأن ألقي نفسي بين حنان أحضانك، لكنهم أبدا لم يمهلوني، فرحلت مجبرا إلى هذا المكان البعيد جداً، ومعي آلاف غيري، ممن لم يودعوا أمهاتهم وآبائهم وأحبابهم.
أنا الآن في مكان لا يكذب فيه أحد، ولا يتحدثون فيه إلا الصدق، ولا أخفيك سراً أنني أعيش سعيدا بالمكان الذي وصلت إليه، وأرسل رسالتي تلك، عسى أن توقظ أصحاب التوافقات والمصالح في عالمكم الفاني، بأن الانتصار للإنسانية أفضل، وخير وأبقى من الانتصار للأحزاب والمصالح التي يطلقون عليها "قومية"، وهي في الواقع انتصارات لمصالح ضيقة.
سامحيني، لأنني لم أستمع إليك، وإلى كثيرين من أصدقائي الذين حذروني من الذهاب إلى مصر، فقد أخبرونى بأن فيها ملكا جبارا، يقتل وهو يبتسم، يحرق وهو يضحك، يغتصب وهو يتحدث عن الإنسانية، ثم بعد ذلك يجهر بالشكوى من ضحاياه لكثرة صرخاتهم، وأنهم لا يموتون في هدوء وسكينة.
لم أستمع لهذا كله، اعتقدت أن هذا الملك الجبار قد يستمع لكتاباتي، فيكون مداد كل حرف كتبته مفتاح نجاة تنقذ روحا جديدة أوشكت أن تزهق، وأن نحمي طفلا جديدا من أن يقضي بقية حياته من دون أب أو عائلة. كنت على يقين من أنهم لن يؤذيني فأنا مواطن أوروبي، من بلاد يحج إليها الملك الجبارلأخذ التعليمات الجديدة، فيستقبلونه استقبال الفاتحين، ويعود محملا بالإعجابات والكاميرات والتعهدات بدوام الدعم والمؤازرة والحماية.
لكن رشاش الفاشية لا يفرق بين خصم وصديق، بين مواطن مصري يسقط ويوارى الثرى، من دون كلمة رثاء أو عزاء، ومواطن أوروبي اعتبرت حكوماته أن هذا النوع من الحكام هو النموذج الأمثل لحكم تلك البلاد.
هذه بلاد جئت إليها متصوّرا أنها كبلادي، بل آمنت بأنها مهد الحضارات وهبة النيل، حيث جئت إلى بلاد قال فيها الرب: "مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (سفر إشعياء 19: 25)، وكنت واثق أن بركته التي أصابت شعب مصر ستصيبني.
جئت إليها، وكلي أمل أن أساعد هذا الشعب العريق، وهذه البلاد المقدسة العجيبة في نقل صوتهم إلى العالم، ليعلم العالم الغربي المرفه أن هناك شعبا "باركه الرب" يعانى قيود السجان، والحاكم الفرد المنزه عن كل خطأ، ولم أنتبه إلى أنه قال مبارك "شعبي" مصر، ولم يقل مبارك "حاكم" مصر، الحاكم الذي اضطهد وقتل وسبى وذبح، "فيكون إذا رأك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك".
والدتي العزيزة: أبلغي روما أنه جراء تأييدها مثل هذا النظام، ثمة طوابير من الوافدين إلينا من عالمكم لا تنتهي، وكل يوم يأتي إلينا مزيد من الأبرياء الذين عانوا مثلما عانيت، بل أنهم حرموا حتى من أن يدافع عن ماضيهم أحد، وأبلغيهم أنهم قتلوني كي لا تصل مثل تلك الرسالة إليكم، وكيلا تعرفون أن الحمل الذي تؤيدونه ما هو إلا ذئب.
اعتقلوني حتى لا أنبه العمال إلى حقوقهم، اعتقدت أنها مجرد أسئلة قصيرة، وسأعود إلى مسكني، لأني أعلم أنهم يكنون كل الحب، وإن شئت الخوف من الغرباء، ولا يعاملونهم كما يعاملون أهل بلادهم. لكن، طال الوقت، فطلبت منهم إحضار سفير بلادي، فرفضوا، ووضعوا جبيرة على عيني، حتى لا أتعرف عليهم إن قدر لي النجاة، ورويدا رويدا بدأوا يتعاملون معي بقسوة وعنف كما يعاملون أهل بلادهم، كانوا يسألونني حول الجهة التى أعمل معها، وكانوا يظنون أني أعمل جاسوسا لتركيا. ألقوا بي موثوق الأيدى والأرجل في دورة مياة قذرة، دخل أشخاص منهم وأخذوا يركلونني بالأيدى والأرجل، وبعصا خشبية على أجزاء متفرقة من جسدي.
كنت، يا أماه، محروما من الطعام والماء، بل والنوم عدة أيام لا أعرف عددها، وكنت أود لو أعود إلى بلادي، وحينما أبلغتهم بذلك كانوا يسخرون بشدة ويقهقهون، ثم بعد فترة هدوء ظننت أنهم سيتركونني أرحل، لكنني بعدها فوجئت بهم ينقلونني إلى مكان جديد، ثم أعادوا تعذيبي مجددا بشكل أبشع وأكثر إيلاما، ولست أدري لماذا يفعلون بي ذلك، حيث تم إيهامي بالغرق، ومنذ ذلك الحين، لا أدري ما حدث لي، سوى أني جئت لهذا المكان البعيد.
أمى الغالية: قولي لحكام بلادي، هناك آلاف مثلي لم يسأل عنهم أحد، ولم تهتز روما أو يهتز الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة من أجل حياتهم، قولي لهم إن هؤلاء يحتاجون أن ننظر إليهم بنظرة إنسانية كالتي ننظرها إلى أنفسنا، قولي لهم إن لهم أصدقاء كأصدقائي، وآباء وأبناء وزوجات وأحباب، كانت لديهم أحلام وطموحات في بناء أوطانهم العادلة الحرة، لكن انتهازيتنا تآمرت عليهم.
قولي لهم أن ابنك دفع ثمن انتهازيتكم.
جوليو ريجينى

16 أبريل 2016

هل يستطيع الملحق العسكري السابق في الرياض أن يقول لها لا؟

بقلم: زهير كمال
يتفق الجميع على أن دول العالم كافة ، صغر شأنها أم كبر، تحاول تجميع نقاط القوة لحماية مصالحها أو لتدخل في روع الآخرين وحساباتهم مدى قدرتها على التأثير. 
هل ينكر أحد أن جبل طارق هو أرض إسبانية ؟ ومع هذا تحتفظ به بريطانيا منذ قرون؟ ورغم مطالبات إسبانيا المتكررة ووصول العلاقات بين الدولتين الى حد الأزمة في الماضي القريب، إلا أن بريطانيا لن تعيده الى إسبانيا، فالمضيق له أهمية استراتيجية كبرى وصانع القرار يفكر بأنه يوماً ما ستتم الحاجة اليه. 
وفي العصر الحديث، احتلت إيران الجزر الإماراتية الثلاث دون وجه حق وادعت أنها إيرانية، وهذه الجزر ليست بأهمية تيران وصنافير في فم خليج العقبة.
وكثيراً ما نوقش موضوع التخلي عن الجزر من الناحية الشرعية وهل تتبع الحجاز أم مصر، وهي دوامة ليس لها آخر، فمصر والحجاز ومنذ ألف وأربعمائة عام كانتا ضمن دولة واحدة، ولكن في العصر الحديث خضعت الجزر للسيادة المصرية ودفع جنود وضباط مصر ثمناً غالياً فيها ومن أجلها.
ومن يطرح مسألة الشرعية والقوانين، عليه أن لا يكيل بمكيالين. على النظام السعودي مثلاً إعادة نجران وعسير الى السيادة اليمنية ، وعلى الكويت أن تعترف بأنها المحافظة العراقية التاسعة عشرة وأن تتصرف على هذا الأساس.
هذه الشرعية هي آخر ما يفكر فيه المخططون الإستراتيجيون عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي وإنما يناقش الموضوع من ناحية الأهمية والميزات العسكرية . ولا شك أن العسكرية المصرية الحقة ، رغم رئيسها، قد أصيبت بصدمة كبرى وهي تراه يتخلى عن موقع هام وورقة ضغط بيدها، هذا التخلي الذي يؤدي الى الإخلال بموازين القوى والإضرار بالأمن القومي المصري، ومن ثم بالأمن القومي العربي ، إذاً فلماذا قام السيسي بهذا العمل المستغرب؟
قيل على ألسنة الكثير إن الوضع الاقتصادي السيء هو السبب ، ويقوم الإعلام التافه بتضخيم هذا السوء ويصور مصر وكأنها على شفا الإفلاس حتى يدخل في روع الجماهير بأن السيسي على حق وأن هناك إنقاذاً لمصر ومنفعة مادية عظيمة ستعود على مصر واقتصادها.
وفي هذا المجال لا بد من التذكير بقضية إقالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة بسبب تصريحه الشهير عن الفساد وحجمه الأسطوري في مصر والبالغ ستمائة مليار جنيه في العام الواحد، ولو كانت هناك نية صادقة من قبل رئيس النظام في إصلاح الوضع الاقتصادي ووضعه على قدميه لقضى على الفساد المستشري في كل مرافق الدولة، كيف لا وهو العسكري المحترف كما يدعي.
أما بالنسبة للمنفعة الاقتصادية المرجوة فستظل حبراً على ورق ، فالنظام السعودي غير قادر على تنفيذ تعهداته ، فهو يعاني من صعوبات اقتصادية جمة بسبب سياساته البترولية الحمقاء والإنفاق الهائل على الحروب وشراء الأسلحة، وأفضل مثل على عدم قدرة النظام على توفير رأس المال هو وقف المعونة العسكرية للبنان والبالغة 3 مليارات دولار ، ولحفظ ماء الوجه وجد النظام ذريعة حزب الله وضرب بعرض الحائط بكل أصدقائه في لبنان.
وربما يجب التذكير بموقف السادات الذي سوّق السلام مع إسرائيل أنه سيجلب الرخاء لمصر وسينعم المصريين بعدهابالراحة والعيش المريح. أما اليوم فيتم تصوير الوضع بأن مصر فقيرة ومحتاجة وأن النظام السعودي هو المنقذ من الإفلاس والغرق. ويسوّق الإعلام التافه هذه الإسطوانة عن تنمية سيناء.
ويقول المثل الأمريكي الشهير: ليس هناك وجبة غذاء مجانية.
ولكن لن يلدغ الشعب المصري من نفس الجحر مرة أخرى. إذاً ما هي الأسباب الحقيقية التي أجبرت السيسي على إهداء الجزيرتين الى النظام السعودي؟
بداية لا بد من التنويه أن مكانة مصر الدولية وتأثيرها في الأحداث الدولية قد تدهور فوصل الى الحضيض بفضل جهود حسني مبارك ، فأصبحت مصر في الشرق الأوسط مثل نيجيريا في جنوب غرب إفريقيا، دولة ذات مساحة كبرى وعدد سكان ضخم إنما مجرد دولة من العالم الثالث تطحنها الأمية والتخلف المصاحب للفقر والمرض والفساد. وهكذا فقدت أهميتها في نظر الولايات المتحدة خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وقد سمح هذا الانحسار للاعب إقليمي يعمل تحت المظلة الامريكية، مثل النظام السعودي بمحاولة شراء النفوذ في مصر وغيرها خلال عدة أساليب من بينها:
الأسلوب الأول : الإعلام إما مباشرة بشراء والصحف والقنوات التلفزيونية أو شراء الصحفيين وحملة الأقلام.
الأسلوب الثاني: إغداق المال على السياسيين وصانعي القرار ورجال الجيش سواء من يملكون النفوذ أو من يتوقع لهم مستقبل في صنع السياسة المصرية.
أما مبارك فلم يمانع أبداً في تخريب الذمم والأخلاق كونه عسكري فاسد.
وضمن هؤلاء الذين تم شراؤهم كان عبد الفتاح السيسي الملحق العسكري في السفارة المصرية في الرياض. وقد تم الدفع به الى الأمام حتى يصبح وزيراً للدفاع في حكومة مرسي. ومن أجل الدفع به أكثر ليصبح رئيساً للجمهورية ضحى النظام السعودي بصداقته مع الإخوان المسلمين التي طالت لأكثر من ستين عاماً ، بل وصل الأمر الى اعتبارها جماعة إرهابية.
كل الدلائل كانت تشير الى تبعية السيسي للنظام السعودي ، ولعل ذهاب رئيس مصر الى طائرة الملك عبدالله في مطار القاهرة دون اعتبار لمكانة مصر وقيمتها كان عملاً تخطى الأعراف والتقاليد الدبلوماسية بين الدول.
ولو اقتصر الأمر على ذلك لهان الأمر ، ولكن التأييد الأعمى لعبث النظام بأمن الدول العربية وتدميرها وتهجير أبناءها وتجويعهم إنما ضريبة يدفعها السيسي ومصر لأخطاء الماضي. وقد وصلت هذه الضريبة اليوم الى إهداء الجزيرتين للنظام السعودي ومن يعلم بعد ذلك ما هي الهدايا الأخرى التي سيقدمها على هذا الطريق.
ما العمل:
لم يعد الأمر يتعلق بتغيير رئيس عميل أو فاسد أو خائن ، فطبيعة نظام الحكم الفرعوني ستولد أمثال هؤلاء دائماً، وإنما لا بد من التغيير الى النظام البرلماني حيث يملك الرئيس ولا يحكم ويكون رئيس الوزراء مسؤول أمام مجلس النواب، ولن يكون هناك خلاص لمصر أو للدول العربية إلا بتبني هذا الأسلوب في الحكم

14 أبريل 2016

لا تنتظروا خيرا من برلمان او استفتاء .. أنسيتم ما حدث فى كامب ديفيد؟

بقلم محمد سيف الدولة
أكدنا من قبل ان التنازل عن ارض الوطن محظور دستوريا ومجرم جنائيا، وانه ليس لرئيس الجمهورية ولا السلطة التنفيذية ولا البرلمان ولا السلطة القضائية ولا الاستفتاءات الشعبية، أى حق أو صلاحية للتنازل عن أراضى الوطن.
ولكننا نسمع اليوم دعوات من بعض المعارضين للتفريط فى جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، يطالبون فيها البرلمان برفضها، والبعض الآخر يطالب بعرضها على استفتاء شعبى، متجاهلين انه لا يجوز، اصلا، مناقشة اتفاقية باطلة وفقا لمواد وقواعد الدستور ناهيك على مناهضتها للثوابت والمصالح الوطنية.
ولكن مع ذلك رأيت ان أُذَّكر حَسِنى النية منهم بما حدث لنا من كوارث، على امتداد عقود طويلة، حين سلمنا مصائرنا لبرلمانات مصنعة فى مؤسسات السلطة التنفيذية وأجهزتها الامنية، أو لاستفتاءات مزورة وسابقة التجهيز.
ولنا فى حكايه البرلمان مع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، المشهورة باسم كامب ديفيد، عبرة لا تنسى.
***
قلبت كامب ديفيد حياتنا رأسا على عقب
خطفوا مصر و باعوها للأمريكان
وجعلوا من العدو الصهيوني ، قطر شقيق
وقبل أن نستوعب الموقف ، كانت الطبخة قد استوت ، والمؤامرة قد اكتملت ، والإجراءات قد استوفيت .
وعلى رأس هذه الإجراءات، أتت موافقة مجلس الشعب على المعاهدة المشئومة، وما تلاها من مهزلة الاستفتاء الشعبى.
فى معظم بلدان العالم تأخذ مثل هذه القضايا المصيرية جهودا شاقا ومناقشات حامية و حقيقية، أما عندنا، فكل شىء مضمون وسهل ، فيمكن ان تباع مصر كلها فى غمضة عين بمبايعة "الشعب" ومباركة البرلمان.
والى حضراتكم القصة الكاملة كما حدثت منذ 37 عاما :
***
الحكاية
· 26/3/1979 تم توقيع اتفاقية الصلح بين مصر وإسرائيل في واشنطن.
· 4/4/1979 وافق مجلس الوزراء بالإجماع في جلسة واحدة على الاتفاق .
· 5/4/1979 أحيلت الاتفاقية الى لجان العلاقات الخارجية والشئون العربية والأمن القومي والتعبئة القومية بمجلس الشعب لإعداد تقرير عنها.
· فى 7/4/1979 اجتمعت اللجنة ودرست و اطلعت على 31 وثيقة تتضمن مئات الأوراق والمستندات والخرائط ، وفيها ما ينص على نزع سلاح ثلثى سيناء .
· 8/4/1979 أصدرت اللجنة تقريرها بالموافقة على الاتفاق .
· 9/4/1979 إنعقد مجلس الشعب برئاسة سيد مرعى لمناقشة الاتفاقية وتقرير اللجنة و قرر إعطاء 10 دقائق فقط لكل متحدث من الأعضاء .
· 10/4/1979 أغلق باب المناقشة بعد إعطاء الكلمة لـ 30عضو فقط
· 10/4/1979 وفى نفس الجلسة اخذ التصويت على الاتفاقية وكانت نتيجته : 
o 329 عضو موافق
o 15 عضو معترض
o واحد امتنع
o 13 تغيبوا
· 11/4/1979 أصدر الرئيس السادات قرارا بحل مجلس الشعب ، وبإجراء استفتاء على الاتفاقية وعلى حل المجلس وعلى عشرة موضوعات مختلفة حزمة واحدة .
· 19/4/1979 تم استفتاء الشعب على المعاهدة بدون أن تنشر وثائقها ، وبدون أن يتعرف على خباياها .
· 20/4/1979 أعلنت وزارة الداخلية ان نتيجة الاستفتاء كانت كما يلى :
o وافق الشعب على المعاهدة التى لم يقرأها ولم يتعرف على بنودها .
o ووافق فى نفس الوقت على حل مجلس الشعب الذي كان قد وافق هو الآخر على ذات المعاهدة .
o وجاءت نسبة الموافقة 99,5 %
· و منذ تلك اللحظة ، أصبحت مصر الرسمية ملتزمة بالمعاهدة.
***
مر على هذه الأحداث ، أكثر من 37 عاما،
ناضلت خلالها ، ولا تزال ، كل قوى مصر الوطنية ضد هذه المعاهدة وضد قيودها وآثارها ، وطالبت بإلغائها او بتجميدها او بتعديلها .
وبذلت فى سبيل ذلك جهودا هائلة ، ودفعت أثمانا فادحة .
ولكن بلا طائل ، فالمعاهدة باقية و مُفَعَّلة على قدم وساق .
وبالطبع لم يعد أحد يتذكر الآن تزوير انتخابات برلمان 1976-1979 ولا تزوير استفتاء كامب ديفيد.
ولم يعد أحد يطرح بطلان المعاهدة لفساد الإجراءات وتزويرها .
فالأمر الواقع الحالي ان المعاهدة قائمة وسارية و مؤبدة، ممنوع الاقتراب منها او لمسها، بل اصبحت هى دستور مصر الفعلى والمصدر الرئيسى للتشريع.
هذا نموذج واحد فقط من آلاف التشريعات والاتفاقيات والقرارات، التى دمرت بلادنا، وأفسدت حياتنا رغم أنفنا.
***
فهل يعقل بعد كل هذه الكوارث، أن نظل نراهن على برلمان صنعوه بأيديهم، أو على استفتاء، نتيجته مُعَّدة ومعلومة مسبقا ؟!
وهل الخلاف بيننا وبين بائعى "الجُزُر" يقتصر على شكل واخراج واجراءات صفقة البيع ؟
هذا كلام لا يعقل ولا يليق.
*****
القاهرة فى 14 ابريل 2016
موضوعات مرتبطة:

13 أبريل 2016

ردا على السيسى ..لن نسكت ولن نفرط فى أرض مصرية

بقلم : محمد سيف الدولة
طالب السيسى فى كلمته اليوم، المصريين بالثقة فيه وقبول القرار المصرى الرسمى بالتنازل عن جزيرتى تيران و صنافير للملكة العربية السعودية، والكف عن معارضته واغلاق باب النقاش فيه.
ونحن نقول له عفوا لن نسكت ولن نقبل التفريط فى ارض مصرية، فالشعوب لا تفرط فى ترابها الوطنى لمجرد سماعها لكلمتين ناعمتين من رؤسائها، يزكون فيها أنفسهم ويقسمون بأغلظ الايمان انهم وطنيون. فكل أوطاننا وحقوقنا التى ضاعت، أضاعها ملوك ورؤساء.
من الذى اضاع فلسطين وتصالح مع العدو الصهيونى واعترف بشرعية اسرائيل وطبع معها؟ ومن الذى ينسق أمنيا وعسكريا معها ليل نهار؟ ومن الذى وقع على معاهدة تجرد مصر من حقها فى نشر قواتها وسلاحها فى سيناء؟ ومن الذى باع مصر للامريكان، وأعطاهم ٩٩٪ من أوراق اللعبة ؟ ومن الذى يقدم التسهيلات والتشهيلات اللوجيستية لقواتهم فى قناة السويس ومجالنا الجوى فى عغزوها للمنطقة وعدوانها على العراق؟ ومن الذى فكك وضرب الاقتصاد الوطنى وباع القطاع العام تنفيذا لروشتات صندوق النقد والبنك الدوليين ولصالح المنتجات والشركات الرأسمالية الأجنبية؟
أنكم انت رؤساء وملوك وحكام الدول العربية، انه نظام مبارك الذى جئت انت لإعادة إنتاجه وإحيائه من جديد. ان إسطوانة أنكم وطنيون وان مؤسسات الدولة كلها وطنية لا يمكن ان تقبل بالتفريط فى ارض الوطن، هو كلام لم يعد يقنع احدا، فلا تراهنوا عليه، واعلموا ان الغضب عارم، وان الناس لن تسكت هذه المرة.
*****
القاهرة فى 13 ابريل 2016

11 أبريل 2016

المفكر القومى محمد سيف الدولة: التنازل عن الأرض محظور دستوريا ومُجَرَّم جنائيا

تنص المادة 151 من الدستور على ((يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة))
***
وتنص المادة 77 من قانون العقوبات على أنه ((يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدى الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها))
***
وتنص المادة 77 (هـ) على أنه (( يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية فى شأن من شئون الدولة فتعمد اجراءها ضد مصلحتها ))
وهنا تجدر الاشارة الى أن نص المادة 77 هـ ، تناول مصلحة البلاد، بصرف النظر عن طبيعة القضية المثارة، وبصرف النظر، فى قضية مثل الجزر المثارة حاليا، عن هويتها والسيادة عليها، مصرية كانت أو سعودية. فالضرر بمصالح البلاد هو الشرط الوحيد الذى اشترطه المشرع لاعتبار الجريمة متحققة.
وبتطبيق ذلك على حالتنا سنجد أن فى التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، اضرارا بالغا بالمصالح العليا للبلاد وبأمنها القومى، اذن انها تؤدى الى تجريد مصر من سلاح فعال ومهم وخطير فى مواجهة اسرائيل فيما لو تجددت الحرب بيننا، اذ تجردها من قدرتها على إغلاق الملاحة فى وجه السفن الاسرائيلية، وتجعل منه قرارا سعوديا، بل تجردها منه، فى غير حالة الحرب، كسلاح ردع محتمل، تحسب له اسرائيل ألف حساب قبل أن تقدم على أى مغامرات عدوانية جديدة. وهو ما يمثل ثغرة إضافية فى جدار الأمن القومي فى مواجهة هذا الكيان الصهيونى العدوانى غير المؤتمن، تضاف الى الثغرات بل الفجوات الأخرى التى وردت فى معاهدة السلام، وقيدت وجردت غالبية ارض سيناء من السلاح والقوات الا بموافقة اسرائيل، وأخضعتها لمراقبة قوات اجنبية تحت ادارة امريكية لا تخضع للأمم المتحدة.
*****
القاهرة فى 11 ابريل 2016

10 أبريل 2016

ليس لرئيس الجمهورية ولا للبرلمان ولا للاستفتاء الشعبى أن يتنازل عن أرض الوطن

بقلم : محمد سيف الدولة
تيران و صنافير ارض مصرية، آلت الينا بالاختصاص التاريخى، وأصبحت جزءً لا يتجزأ من أرض الوطن. ولا تخضع للقواعد المنظمة لترسيم الحدود البحرية.
والأوطان، لا يحق لكائن من كان ان يتنازل عنها للغير، سواء كان رئيس الجمهورية او البرلمان المصرى او السلطة القضائية، او كلهم مجتمعين، كما لا يحق التنازل عنها ولو باستفتاء شعبى.
لان الارض هى ملكية تاريخية مشتركة بين كل الاجيال؛ الحالية والماضية والقادمة، فلا يحق لجيل واحد ان يتنازل عنها.
ولو افترضنا جدلا أن كل الشعب المصرى قد أجمع على التفريط فيها أو التنازل عنها، لكان هذا تصرفا باطلا، لانه بذلك يعتدى على ملكية الاجيال القادمة لها. فليس له سوى الانتفاع بهذه الارض التى ورثها عن آبائه وأجداده الذين ناضلوا لعشرات القرون لكى يستقروا عليها ويختصوا بها ويدافعوا عنها ويسلموها له كأمانة، ليقوم بدوره بحمايتها والحفاظ عليها والاحتفاظ بها كعهدة وأمانة غالية ومقدسة الى ان يسلمها هو الآخر الى الجيل التالى حرة ومستقلة وآمنة وهكذا.
ولذلك نقول ان الاوطان لا تباع ولا تشترى ولا تستبدل.
وبناء عليه، فان الاتفاقية التى تم بموجبها تنازل مصر عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، هى اتفاقية باطلة. وكل من يوقعها او يوافق عليها يستوجب المسائلة والمحاسبة.
*****
القاهرة فى 10 ابريل 2016

06 أبريل 2016

سيد أمين يكتب: سقطة اليوبيل الماسي للصحفيين

اقرأ المقالعلى  الجزيرة مباشر من هنا
آخر تحديث : الأربعاء 06 أبريل 2016   12:39 مكة المكرمة
"سقطة" كبيرة لنقابة الصحفيين المصريين حينما "تفرد" مجلسها بدعوة رئيس السلطة التنفيذىة عبد الفتاح السيسي لرعاية اليوبيل الماسي لها بمناسبة مرور  75 عاماً على إنشائها ،في سابقة تاريخية لم تشهدها النقابة من قبل حتى في أعتى عصور "الزعيم العسكري" في الستينيات.
وهى دعوة عجيبة وغير مفهومة وتأتى خارج السياق لأسباب كثيرة ،أهمها أن من دعته النقابة لرعاية اليوبيل الماسي لها "تفرد" عصره عن أقرانه من  الحكام العسكريين في مصر  بأكبر عدد من الصحفيين المقتولين، الذين قتل بعضهم بطريقة يمكن "تلبيسها" لغير عناصر الشرطة، ومنهم من قتل بشكل واضح برصاص الشرطة وبتغطية الكاميرات، وذلك دون أن تقدم السلطة قاتلاً واحداً حقيقياً للمحاكمة.
كما شهد عصره أكبر عدد من الصحفيين المعتقلين والذين استكثروا عليهم صفة "الاعتقال" فَلُفْقَتْ لهم "القضايا الجنائية " ليصبحو مساجين "جنائيين" مع تجار الكيف وبغاة الدعارة.
وأيضا "تفرد" عهده بأكبر عدد من الصحفيين الفارين لخارج البلاد من جحيم التربص والمداهمات والمطاردات، وأكبر عدد من الصحفيين المفصولين، وأكبر عدد من الصحفيين الذين منعوا من الكتابة ، وأكبر عدد من الصحفيين الذين غُلقت في وجوههم أبواب العمل بأمر من "اللهو الخفي" المتحكم في كل ما ينشر أو يكتب داخل هذا البلد.
يأتى ذلك رغم أن النقابات هى مؤسسات غير خاضعة لسلطة الحكومة، وأن عمل الصحفيين يأتى على طرفي النقيض من السلطة التنفيذية التى يترأسها من دعته لرعاية احتفالها، وبالتالي فهذه الدعوة سياسية بحتة.
ورغم ذلك فأنا لست مقتنعاً بتاتاً بأن قريحة بعض أعضاء مجلس النقابة تفتقت عن هذا الاقتراح العبقري من تلقاء نفسها، واعذرونى إن كنت أشك، بل أجزم، أنه قد طلب منهم طرح تلك الدعوى،خاصة لأنهم يعلمون جميعا  حجم الاستهجان والمعارضة التى سيلاقيها هذا الطرح، ليس من مجموعة الصحفيين النشطاء نقابيا فحسب، ولكن أيضا من قطاع عريض من الصحفيين الذين يخشون الجهر بالاعتراض.

التحول إلى العنصرية
السقطة تلك سببها أن النقابة ومَن أوعزَ لها بالسقوط ،حاولت التواطؤ على دماء وآلام أعضائها ، وأن تقدم بشكل بائس شهادة زور ، تزين وجه الحقيقة القبيح للعالم عن واقع هو يراه ويلم بتفاصيله أكثر منها ، وحَزم وجَزم بأن "المحروسة" ثانى أكبر دولة في العالم تنتهك حقوق الصحفيين ، وأنها على شفا أن نكون "كوريا شمالية" أخرى في العالم.
وما يحز في نفوس كثير من الصحفيين المنتهكة حقوقهم ، أنهم رأوا نقابتهم التى كانوا يعتبرونها بيتا من بيوتهم ، تتنكر لهم وتتعامل معهم بسياسة الفصل العنصري التى انقرضت حتى في أوطانها، في لحظات هم يعانون فيها الويلات في السجون الانفرادية من المرض والجوع والنوم على الأرض فضلا عن شتات أسرهم وفقدانهم عائلهم ، فتقلص حلمهم إزاء كل هذا الغبن في مجرد زنزانة بها تهوية وبها "حصيرة" ينامون عليها، خاصة أنها هى ذاتها نقابتهم تلك التى كانت تنتفض في الأيام الخوالى ليلا ونهارا وفي الأبكار والأسحار  لو "عثرت" قدم صحفي "مختوم" أمنيا في الطريق، وعلى أساس أن مرسي لم يُعَبْدها له.

دليل التواطؤ
وكشف مجلس نقابة الصحفيين عن عظيم تواطئه وانحيازاته السياسية، حينما قام بإعداد فيلم وثائقي عن النقابة ،دارت به شاشات العرض في كل الأدوار إحياء لليوبيل الماسي ، قاموا من خلاله بممارسة الدعاية السياسية الخرقاء لنظم الحكم العسكرية ، وبدلا من أن يتم استعراض أوضاع النقابة في كل العهود ، راحوا ينهون الفيلم فقط حتى العام اليتيم للدكتور "محمد مرسي" الذى استعرضوه بشكل تحريضى فيه قدر من السخرية والإساءة للرجل ، ناهيك عن وصف عام حكمه بحكم "الإخوان"، ومع ظهور صورة "مرسي" ظهرت الدماء على الأرض تسيل بغزارة ، وعناوين "المقاومة" في الصحف لهذا النظام "الفاشي" وصور الشهيد الحسينى أبو ضيف تم استدعاؤها بكثافة مع التلميح بأن "الإخوان"هم من قتلوه ، ولا نعرف كيف أثبتوا ما لم تثبته حتى تحقيقات النيابة أو القضاء.
وبدلا من أن يكملوا العرض إلى عام 2016 تجنبوا الخوض في ينابيع الدم التى تفجرت في ربوع مصر بعد ذلك.
الغريب أنه رغم وجود 15 صحفيا استشهدوا منذ يوليو 2013 ، إلا أن "الزهايمر" أصاب ذاكرة معدى الفيلم ولم يتذكروا منهم إلا ثلاثة فقط ،لقطة عابرة عن الشهيد محمد محمود في أحداث ثورة يناير، والحسينى أبو ضيف صاحب نصيب الأسد من التغطية كما هو الحال على الجدران الخارجية والداخلية للنقابة، وميادة أشرف التى استشهدت في عهد السيسي لكن التقرير راح يزج بها وكأنها استشهدت في عام حكم مرسى، أو كأنها كانت ضحية له .

العمل بالسياسة
ورغم دعوة السيسي لرعاية اليوبيل الماسي ، ورغم  أن الفيلم تباهى بخروج 11 مسيرة من النقابة مناوئة لحكم"الإخوان"، إلا أن النقابة راحت تتهم الصحفيين الرافضين لدعوة السيسي لرعاية اليوبيل الماسي بأنهم من ذوى المواقف السياسية ، وهو قول هزل في موضع الجد ، لأن من دعا رئيس السلطة التنفيذية ورئيس البلاد هو مَن يمارس السياسة ، ومن أنتج فيلما بمثل كل هذا القبح هو من يمارس السياسة على حساب دماء زملائه.
والأهم  القول إنه من حق الصحفي أن يعبر عن رأيه السياسي، فهو محلل وكاتب وناقد ومواطن، وليس حمارا يحمل أاسفارا، لكن ما لا يحق أبدا هو أن تعبر نقابة الصحفيين عن السياسة، فهى كيان اعتباري يضم كل الناس من شتى التيارات، ومواقفها السياسية يجب أن تكون بالإجماع وليس حتى بالأغلبية.

مجدى حسين
فى الحقيقة يظهر غبن مجلس نقابة الصحفيين جليا في تعاملها مع الكاتب الصحفي مجدى أحمد حسين أحد أعضاء مجلسها السابقين ، فالرجل صدرت ضده أحكام مغلظة بالحبس ثماني سنوات في قضايا نشر وتعبير ، ولكن لم تكلف النقابة نفسها حتى بإصدار بيان لدعمه كذلك الذى أصدرته لـ"اسلام بحيري" أو"فاطمة ناعوت" وهما ليسا أعضاء بها.
بل أن الغبن لم يلحق بالرجل المعتقل فقط في حاضره ومستقبله، بل امتد  ليلحق بماضيه وماضى الزملاء "محمد عبد القدوس" و"صلاح عبد المقصود"، فلم يظهر أحدهم في أى لقطة من لقطات الفيلم المؤامرة ، رغم أن بعضهم أمضى نصف عمره عضوا بمجلس النقابة أو وكيلا لها، كل هذا فقط لأنهم رفضوا الدخول في بيت الطاعة الذى ضم المجالس الحالية.

05 أبريل 2016

زهير كمال يكتب:نصرالله وحمل الراية ضد الرجعية

هذا المقال لايعبر بالضرورة عن رأى المدونة .. وان كان المدون يتفق مع الكاتب الكبير زهير كمال في كثير من التفاصيل حول الشيخ حسن نصر الله وحزب الله .. لكن لنا موقف رافض أيضا للزج بالحزب في سوريا وللمسحة المذهبية التى اتشح بها فانتقصت منه بهائه كمشروع مقاومة

«ابكِ مثل النساء ملكاَ مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال»
أم محمد أبو عبدالله المعروف بعبدالله الصغير.
في عام 1489 استدعاه فرناندو وإيزابيلا لتسليم غرناطة، ولدى رفضه ضربا حصاراً على المدينة. فقام عبد الله الصغير بتوقيع اتفاق ينص على تسليم غرناطة، على الرغم من رفض المسلمين لهذه الاتفاقية. وبسبب رفض أهل غرناطة هذه الاتفاقية، اضطر المسلمون الى الخروج في جيش عظيم للدفاع عن المدينة ، ولأن أبا عبد الله الصغير لم يستطع الإفصاح عن نيته في تسليم المدينة، قام بدب اليأس في نفوس الشعب من جهات خفية الى أن توقفت حملات القتال وتم توقيع اتفاقية عام 1491م التي تنص على تسليم المدينة, وتسريح الجيش .
المصدر ويكيبيديا
ماذا خطر ببال من بقي من الأمراء العرب الذين حكموا الأندلس وهم يعيشون في المنافي بعد أن فقدوا عزهم وسطوتهم ونفوذهم ؟ ألم يفكروا بأنه لو عاد التاريخ الى الوراء لكانت أفعالهم مختلفة ؟ هل كانوا مثلاً تآمروا وكاد بعضهم الدسائس ضد بعضهم الآخر ؟ هل كانوا تحالفوا مع أعدائهم سراً وعلانية ليحققوا بعض الانتصارات الصغيرة ؟ حتى كانت النهاية المحتومة خسارة فادحة للجميع.
ما أشبه اليوم بالبارحة ، ولكننا نبالغ إن قلنا إن بلادنا اليوم ستلقى نفس المصير ، فالأراضي العربية ليست بخصوبة وجمال بساتين غرناطة ، فمن يرغب في احتلال أراض عربية معظمها صحاري قاحلة؟ أليس أسهل وأرخص كثيراً توظيف الأمراء ليقدموا المواد الخام بسعر بخس ثم استرداد هذه الأموال ببيعهم أسلحة يقتل بها بعضهم بعضاً؟
هذا ما نراه اليوم والأمراء يتحالفون سراً وعلانية مع العدو ويختلقون أعداءً بهدف إشعال الحروب الأهلية في الوطن العربي. 
كان اعتقادي أن محمود عباس هو الوحيد بين حكام العرب الذي يؤمن بأن الاستسلام هو خير طريقة لتحصيل الحقوق المسلوبة. ولكن يثبت لنا كل يوم أنه ليس فريداً من نوعه أو فصيلته ، بل تفوق عليه أمراؤنا الذين لا يعترفون أصلاً بوجود حقوق للفلسطينيين في أرضهم، وينكشف كل يوم رياؤهم ونفاقهم.
ما زاد الطين بلة اعتقادهم أن حماية العدو لهم أفضل وأبقى من حماية شعوبهم ، وبالتالي فمقاومة الشعوب للعدو هي إرهاب في عرفهم ، وفي اعتقادهم أيضاً أن شعوبهم نفسها إرهابية ينبغي التخلص منها ، وهو ما نراه في ممارسات الخنق والتخويف والسجون والاعتقالات التي تحدث كل يوم في هذا الوطن العربي الكبير المبتلى بمرض اسمه نظام الحكم المتخلف.
في ثلاث مناسبات أجمعت الجامعة العربية عبر وزراء الداخلية والإعلام ثم الخارجية على أن حزب الله إرهابي. وكنت أبحث عن رجل من بين هؤلاء الوزراء يقول لا، عن رجل يستعمل المنطق، ويغار على المصلحة العربية العامة، لكنهم كما وصفتهم في مقال سابق إنما خدم في قصور الأمراء ، ومعيار كفاءتهم الوحيد هو الطاعة العمياء للأمير.
كان الرئيس عبد الناصر أول من أطلق تسمية الرجعية العربية على الأمراء العرب ( ملوكاً ورؤساء )، أمثال هؤلاء الذين ضيعوا الأندلس، ووضعهم في سلة واحدة مع أعوان الاستعمار وإسرائيل ومعه كل الحق في ذلك .
في زمن عبد الناصر كانت الرجعية العربية مختبئة في جحورها لا تستطيع ولا تقوى على المواجهة وإن واجهت فمن خلف ستار، تكيد وتصنع الدسائس والمؤامرات للقضاء على القوى الناهضة في مجتمعاتنا العربية ، ونجحت في ذلك بمعاونة إسرائيل عبر هدية كبيرة هي الهزيمة الماحقة للجيش المصري في حرب 1967، مما اضطر الرجل لمهادنة الرجعية على مضض.
بعد هذه الهدنة الاضطرارية لم يستعمل أحد هذه الكلمة ، وغابت الكلمة ( أو تم تغييبها )عن القاموس السياسي العربي ولم يكن هذا محض صدفة ، كان المطلوب تغيير وعي الجماهير ، فالأنظمة العربية لا غبار عليها أو على سياساتها. وإنما هناك بعض من الأقلية الرافضة التي تغرد خارج السرب.
بعد وفاته ، صالت الرجعية العربية وجالت ولم يكن هناك أحد لردعها والوقوف ضدها. وما نشاهده اليوم من الدمار والتخريب الذي حاق بمعظم دول هذا الوطن الكبير إنما نتيجة منطقية ، فالرجعية العربية ليس لها برنامج ولا طموحات ، فهي لا تواكب العصر لاتسامها بضيق الأفق والجهل المطبق ، وكل هدفها الحفاظ على الوضع الراهن الذي يتيح لها المزيد من نهب الثروات العربية وتضييعها أو بعثرتها في الهواء.
خلت الساحة لفترة طويلة ، اللهم إلا من أقلام بعض المثقفين الذين كانوا ينبهون الى خطورة الوضع العربي ، أما الدول وحركات المقاومة المناهضة للتيار الجارف فقد تدرجت من وصفها بجبهة الصمود والتصدي الى معسكر الممانعة ، على ما في هذه الكلمة من ميوعة . وواكب هذا التدرج نقص هذه الدول إما بالاحتلال المباشر كما العراق أو الانشغال بالمشاكل الداخلية كما الجزائر. 
ضمن معسكر الممانعة كان حزب الله على رأس هذا المعسكر. كيف لا وهو الفاعل الوحيد الذي واجه إسرائيل وانتصر عليها. وكون الحزب مقاومة شعبية فقد كان تركيزه على إسرائيل فقط ، أما الموقف من الرجعية فكان محايداً ، وربما لعب الانتماء المذهبي -كونه أقلية في بحر سني كبير- موقفاً في النأي بالنفس عن اتخاذ موقف واضح وصريح من هذه الأنظمة . وعلى سبيل المثال كان موقف الحزب باهتاً بعد أن انكشف تأييدها الواضح والصريح لإسرائيل في حربها على لبنان في تموز 2006.
كان رد الفعل الوحيد لنصرالله : نحن نعرف.
وكأنّ لسان حاله يقول:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
وخلال السنوات الخمس الأخيرة تطورت نظرة نصرالله الى الرجعية من الوقوف على الحياد في البداية الى الوقوف ضدها مضطراً ، فهو يجدها تشمر عن سواعدها وتضرب في كل مكان وتعيث في الأرض قتلاً وتدميراً على امتداد الوطن العربي.
وهكذا حمل نصر الله الراية من جديد بعد أن تركت لفترة طويلة مهملة وملقاة على الأرض.
ولعل الفرق واضح بين مواجهة عبد الناصر للرجعية ومواجهة نصرالله لها ، بين حسابات الدولة ومصالحها وبين رأس حربة لشعوب مقهورة ، آن الأوان لاسترداد حقوقها.
وهكذا تعود المعادلة من جديد الى حيث بدأنا:
الرجعية وأعوان الاستعمار الجديد وإسرائيل من جهة ، وقوى التقدم والتغيير في المنطقة من الجهة الأخرى .
يعرف نصرالله جيداً أن المواجهة مع الرجعية العربية وإسرائيل لا رحمة فيها ، فهناك منتصر واحد في هذا الصراع ، وينتظر العدو فرصة للانقضاض والتدمير مستعملاً كافة الأسلحة التي في جعبته ، ولا توجد لديه ضوابط أو محرمات ، فمن كان يتوقع قتل وتهجير الملايين من العراقيين والسوريين وتجويع الملايين من اليمنيين؟
ولكن مهما فعلوا فلن يستطيعوا وقف هزيمتهم المؤكدة، ففي عصرنا هذا، عصر الإنترنت والاتصالات ووصول الخبر الى الجميع ، وعصر معرفة الحقيقة ، حقيقتهم المخزية، فسينضم الى ركب المقاومة المزيد من القوى الحية في المجتمعات العربية ، فالعصر الحديث هو عصر الشعوب بلا جدال أو شك.

27 مارس 2016

سيد أمين يكتب: سوق الكلام


يُحْكَى أن امرأً عُرِف عنه الاتزان والثقة في النفس، اتفق بعض أصدقائه المقامرين على أن يُفْقِدُوه ثقته تلك.. فعزموا جميعًا أن يتناثروا على طول الشارع الذي سيسير فيه، وأن يسألوه سؤالًا واحدًا "عن كيفية سيره برأسه المقطوعة".
التقاه الأول فسأله هذا السؤال مبديًا تعجبًا، فاندهش صاحبنا أشد اندهاش واعتبرها مزحةً من صديق مازح ، فما أن سار عدة أمتار حتى وجد آخر يسأله ذات السؤال فلم يُعِرْه انتباهًا بوصفها مزحة بدت مُمِلّة، وطرح عليه السؤال ثالث فبدأ صاحبنا يتململ من تلك التساؤلات السخيفة.. فكرره عليه رابع فنهَره, ثم مرَّ بجوار سيدتين لا يعرفهما فوجدهما يبديان تعجبًا لسيره بدون رأس.. هنا اعتقد صاحبنا أنَّ الأمر فيه شيء من الجِدّ، وهو ما تأكَّد حينما فرّ طفل من جواره خائفًا وهو يتطلع إلى رأسه، هنا اهتزت ثقة صاحبنا وفقد صوابه وراح يبحث عن مرآةٍ ليرى فيها ما جري لوجهه، حدث ذلك رغم أنه كان يسير بنور عينين ويسمع بأذنين ويتحدث بلسان, وكل تلك الأجزاء كانت من مكونات رأسه، وتشملها من كل الجهات تقريبًا.

تكلم حتى أراك..

وفي أثر الكلام قال الله تعالي {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ" وقوله للرسول {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} وغير ذلك من آيات تؤكِّد مدى تأثير الكلام.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام)).. فيما يعرف جميعنا الظروف التي قيلت فيها رواية "آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجليه" وقبل ذلك كله قول سقراط الحكيم لتلميذ جديد حل على مجلسه "تكلم حتى أراك".
ويعتبر الشيخ في منبره والصحفي في صحيفته والإعلامي عبر فضائيته هم أبرز روَّاد سوق الكلام.

سوق السحر..

وإذا كان "الزّنّ على الودان آَمَرّ من السحر" كما يقول المثل الشعبي فانَّ "الإعلام" يعتبر هو السوق الأوسع لبضاعة "السحر" لذلك فنُظُم الحكم على تنوعها- على ما يبدو- تعنى دائمًا بالاستحواذ على هذا المجال كل بطريقته، فالنظم الشمولية والعسكرية – طبقًا لما ألفناه منها في مصرنا المقهورة على سبيل المثال- لا تدع أحدًا يتكلم غيرها وإذا سمحت للآخرين بالكلام فلا كلام مسموحا به أن يتردد إلا كلامها، وعلى الجميع أن يتحولوا إلى صدى صوت لها. 
أما النظم الرأسمالية والليبرالية فهي تتحكم بهذا السوق أيضًا ولكن من خلال سيطرة رجال أعمالها على سوق المال لأنه متى توافر ذلك المال سيصبح بإمكانك أن ترفع صوتك أكثر وأن تسمعك آذان أكثر، وهذا النوع من التسلط يبدو ذهبيًا مقارنة بسابقه لأنه لا يحرمك من حقك في الكلام، ولا يحرمك أيضا من حقك في استخدام مهاراتك الخاصة في توصيل صوتك للناس دون خوف أو وجل.

لسان الحقيقة أم النظام؟

ووصل الغبن في التعامل مع الإعلام والاعلاميين في النظم العسكرية التي حكمت مصر في العقود الماضية على سبيل المثال أن جعلت في بعض الأوقات من يترأس منظومة الإعلام قائدًا عسكريًا، ومن يحرر الصحف ويرأس تحريرها قائدًا عسكريًا أيضًا، وجعلت من يراقبها رقابة سابقة رجلاً عسكريًا، فضلا عن طبيعة الحال بأن من يراقبها رقابة لاحقة رجلًا عسكريًا.
وكما تطورت فنون "سوق الكلام" و"الإعلام" نظرًا لكوننا جزءًا من هذا العالم، تطورت أيضا فنون الرقابة عليه في مصر ووطننا العربي، فاختفى الرقيب الذى يرتدى بدلة عسكرية وجاء النقيب الذى يرتدى لباسًا مدنيًا, وكلاهما يتصرفان نفس التصرف ويوجهان بنفس التوجيهات ويرسلان تقاريرهما لذات الجهة الأمنية الواحدة التي عينتهما أو وجهت باختيارهما في منصبيهما.
وبدلاً من أن يتلقى المخبر الصحفي تعليماته من مخبر المباحث راح الأخير بنفسه يرتدى ثوب الصحفي ويحلّ محله, محاولاً أن يتصرف كما يتصرف الصحفي, إلا أنَّ تقمُّصه هذا أبدًا لا ينطلي على النابهين الذين أدركوا للحظة الأولى أنه لا يكتب إلا كما يكتب مخبر المباحث، ولا يرى إلا بعين مخبر المباحث. 
ولأنَّ النظم الديمقراطية دأبت على الاحتفاء بالإعلام والإعلاميين بوصفهم عيون الحقيقة وضمير الشعب وجعلت من حريتهم وحرية الناس في "الكلام والتعبير" بشكل عام, برهانًا على بُعْد المدى الذى وصلت إليه ديمقراطيتها، نجد أن النظم الشمولية القمعية تحتفي أيضا بهم، ولكن الاحتفاء هنا لكونهم هم من يطمسون عيون الشعب ويزيفون وَعْيَه, ويفعلون فيه ما لم تفعله أشد القنابل فتكًا وتطويعًا, ويضمنون لاستبدادهم أن يبقي ويستمر.

خطاب الاستبداد

والخطاب الإعلامي في النظم الاستبدادية هو نص واحد منسوخ من أقصى الكرة الأرضية شرقًا إلى أقصاها غربًا, فإعجازات الزعيم هي محور أي نشرة أخبار, كما أن أي خير يصيب البلاد فهو قطعًا منه وأي شرّ يضربها فهو بلا شك من الشعب، وهو المُوحَى إليه الذى لا يخطئ، هو من يصنع معجزة يومية ليطعم شعبه الكسول الذى يتكاثر ولا يعمل.
فمن يجرؤ أن ينكر أن الزعيم لا ينام الليالي سهرًا على راحة وأمن السيد "المواطن" وأنه صنيع العناية الإلهية ومبعوثها, وهو من بحكمته دائمًا ما يختال علينا وهو "القلب الكبير" كما قالت صدفة هانم في المسرحية الشهيرة. 
لذلك أنا لا أستبعد مطلقًا أن تكون جيوش المستقبل لدى النظم الاستبدادية من أولئك المخبرين الذين تقمصوا أدوار الإعلاميين.

23 مارس 2016

محمود السقا يروي تفاصيل الخطف والتعذيب والاعتقال: هكذا تم القبض عليَّ واستجوابي !



كتب فارس العربي 
كشف “محمود السقا”، صحفي بوابة يناير، الذي تم إخلاء سبيله في 5 مارس الجاري، على ذمة القضية رقم 796 حصر أمن الدولة، المتهم فيها بالانتماء لجماعة 25 يناير، كواليس القبض عليه يوم 31 ديسمبر الماضي، من منطقة المهندسين، وتفاصيل استجوابه،والفظائع التى واجهها على يد زبانية امن الدولة فى مقال من جزئين بعنوان "وطن امن الدولة" على موقع “بوابة يناير” ويأتى ذلك ذلك المقال بعدما كشف في فيديو ما قال انه استمع لصراخ سيده من شدة التعذيب اثناء اعتقاله وكان يتخيل انه صوت مسجل لارهابه لكنه وعندما سئل المتواجدين معه قال له احدهم ان التى تصرخ هى والدته لاجبارها على الاعتراف باشياء لم ترتكبها وبالفعل اعترف على نفسه لانقاذ والدته المسنة من التعذيب. 

وقال السقا في المقال تفصيليا في المقال : 
تفاصيل ليلة القبض عليا: 
 هذا اليوم لا أستطيع أن انساه أو أمحوه من ذاكرتي، فهو يوم تسبب في تغيير مسار حياتي وترك أكبر أثر في نفسي، سأظل أتذكره إلي يوم أن تفارقني الحياة وهنا أريد أن أصور لكم المشهد كما عشته وأيضا أريد أن أفضح هذا النظام كي يعلم الجميع أن من يحكمونا مجرد عصابة باغية وأنهم هم من يصنعون الإرهاب بجرائمهم ضد البشر وضد الأبرياء … 
يوم 29 ديسمبر تم القبض علي صديقي شريف دياب ومن قبله مجموعة من أصدقائي في حركة 6 ابريل، ولذلك انتاب القلق أسرتي وأصدقائي وأرغموني علي ترك منزلي والذهاب لشقة تمتلكها أسرتي في المهندسين، وكنت في حالة حزن واكتئاب شديدة لانني لم أتعود علي الهروب، ولأنني مؤمن بأننا لم نفعل أي شيء خطأ كي نهرب خوفا من بطش سلطة قمعية ظالمة، تريد الانتقام من كل من له صلة او علاقة بثورة يناير حتي ولو كان يدافع عنها بمجرد كلمة ، خرجت من منزلي ووصلت هذه الشقة في الفجر ومن الاكتئاب والقلق والحزن لم أنم وظللت مستيقظا حتي الساعة الثانية عشرة ظهرا من يوم الأربعاء 30 يونيو ثم استغرقت في النوم من التعب والتفكير وكم الحزن علي أصدقائي الذين تم القبض عليهم . 
قام أحد أصدقائي بالاتصال بي في تمام الثامنة مساء وطلب مني أن نتقابل سويا في كافيه في محاولة منه أن يخفف عني قليلاً ، صديقي يسكن في العجوزة في شارع المتحف الزراعي وبالفعل ذهبت له وتقابلنا في كافيه في العجوزة، وانتهت مقابلتنا وذهب صديقي ، وقمت أنا لأعود لشقتي، فخرجت كي أمشي قليلا وحينما خرجت من شارع البطل أحمد عبد العزيز شاهدت مدرعات وقوات أمن كثيفة في المكان فقلت في نفسي أنهم قد يكونوا أتوا من أجلي ، فرجعت إلي نفس الشارع كي استقل تاكسي وأذهب من شارع خلفي ، فرأيتهم يأتون خلفي و رأيت مخبراً يبتسم لي في الشارع وبالصدفه أن هذا المخبر كان دائما يقف تحت مقر عملي في موقع” بوابة يناير ” وأراه يوميا ولم أعلم أنه مخبر أو شخص يراقبني .. 
من حظي السيء أن هاتفي المحمول كان علي وشك أن يفصل لأن البطارية فارغة ، لم أستطيع أن أجري أي اتصال بأي شخص كي أخبره ، دخلت كشك بقالة كي أحاول أن أبكهم حتي ينصرفوا وأذهب بعدها ولكني لم أستطع فكل هذا المشهد لم يأخذ سوي ثواني معدودة . 
.دخلوا عليا بشكل هيستيري وكانوا مجموعة من الأشخاص جميعهم يرتدون ملابس مدنية ، ضباط أمن دولة ، دخلوا عليا وكأنهم يحاصرون مجرماً أو رئيس عصابة اثبت مكانك لم أحاول الهرب فسلمت أمري لله ، وحينما نظرت حولي رأيت القوي عبارة عن سياريتين ميكروباص وثلاث سيارات ملاكي ومدرعة وسيارتين بوكس وفي لمح البصر نزلت قوات كثيفة من هذه السيارات وأشخاص مقنعين ورتب عديدة ما بين عميد وعقيد فضلا عن الشخصيات التي لم ألمح رتبها وبدأوا في شد أجزاء الأسلحة عليا أرعبني صوت شد الأجزاء .. اركب اركب .. 
رفع عميد كان معهم الاسلكي الخاص به وقال “خلاص ياباشا جيبنا الواد” ، ركبت معهم السيارة وخرجوا إلي شارع جامعة الدول وعند خروجهم قاموا بإنزالي من السيارة التي كنت أركبها وهي سيارة ملاكي مع اربعة ضباط وركبوني سيارة ميكروباص مع قوات شرطية ترتدي زي القوات الخاصة ثم انطلقت السيارات وعندما وصلنا إلي شارع مصدق في الدقي في بداية الشارع أمام بنزينة هناك قامت سيارتين ميكروباص آخرتين بقطع الطريق علينا في شكل غريب وكأنهم ينقلون شخصاً شديد الخطورة وقاموا بإنزالي مره أخري من السيارة التي كنت فيها وركبوني سيارة ميكروباص أخري ، كل هذا والأسلحة مرفوعه في رأسي والعديد من المواطنين في الشارع يشاهدون هذا المشهد .. 
انطلقت السيارة إلي قسم الدقي وحينما وصلنا رأيت هناك في انتظارنا قوات عديدة وقال لي عميد كان هناك في انتظاري أمام باب القسم “حمدالله علي السلامة مستنينك من زمان ” ، وأدخلوني غرفة رئيس المباحث وكان هناك شخص بالداخل مع رئيس المباحث ومعه فتاة في الثلاثينات لا أعلم من هذه ولماذا كانت هناك في هذا الوقت وقاموا بأخذ البيانات الخاصة بي كالأسم والعنوان وتاريخ الميلاد وهكذا وقام رئيس المباحث بتدوين هذه البيانات وأعطي الورقة لهذه الفتاة وخرجت هي والشخص الذي كان معها وعرفت أنه ضابط من جهاز الأمن الوطني ، ودخل ضابط أخر وهو الذي قام بالقبض علي في الشارع وقال ليه ” دا جزاة اللي يتمرد علي التمرد يامحمود ” قولي اسمك ولا تنظر لي فلا إراديا نظرت له فقال لي مره أخري لا تنظر لي فنظرت مره أخري فقام بوضع عصابة علي عيني وأمر أحد أمناء الشرطة أن يضع الكلبشات في يدي بوضع خلفي وقال لي ” عايز تصورني ولا ايه ” فرد رئيس المباحث عليه ” انت تاعب نفسك ليه يافندم احنا نقتله ونخلص ” .. 
ابتسمت من كلامهم فقام بصفعي أكثر من مره وفي كل مره كنت أبتسم وسألني ساخرا : أنت وطني يامحمود ؟ ، رديت عليه بشكل عصب : ” أنا وطني أكتر منك ومن إللي مشغلينك ” فقاموا بتناوب الضرب علي ثم نقلوني إلي غرفة مظلمة لأكثر من ساعة ثم أتي شخص وقال لي ” قوم عشان هنمشي ” ثم سحبوني في يدهم وركبوني سيارة غريبة، من طريقة ركوبي أحسست انها ميكروباص ولكن الكراسي متراصة بشكل غريب لانها غير ظاهرة من الزجاج لأنهم قالوا لي لا تجلس ونم علي المقعدة حتي لا أحاول أن أري شيئاً رغم أنني معصوب العينين وحينما رفضت قام أحد امناء الشرطة بضربي بظهر البندقية علي رأسي ففقدت الوعي ونمت بالفعل .. 
انطلقت السيارة وظلت مدة طويلة لا أعلم أين نحن ذاهبين ولم أشعر بأي شيء سوي أن السيارة تتحرك وأنا رأسي مصاب من الضربة ولكن كان الوقت الذي أخذته السيارة حوالي ساعة ونصف ، ووصلنا إلي مكان وما زلت معصوب العينين والكلبشات في يدي ثم قال لي أحد الأشخاص انزل ولم أستطع فقام بسحبي بشدة من السيارة وسمعت صوت شخص يقول لي ” نورت يامحمود ” الحفلة مستنياك .. كان لازم تعمل بطل وتتمرد علي التمرد” لم أرد حتي الآن حتي سمعت أصوات لأشخاص كثيرين يقولون تمام يا فندم وتقدم شخص وقال لي ” لف يامحمود وخلي وشك للحيطة وفعلت ذلك وبدأوا بتفتيشي مره أخري بعد أن قاموا بذلك في القسم ثم قال لي أنت منين يلا فرديت وقولت أنا من شبين القناطر قليوبية فسب شبين وقال بلد بنت ….. هي واللي بيجي منها .. ثم قال خذوه ” فأخذني مجموعة من الأشخاص وكان الوقت قد اقترب من الفجر وقالوا لي أمشي زي ما هنقولك وكان ما يقولوه كالاتي ” امشي في وشك وبعد ثواني انزل السلم دا .. لف يمين انزل تاني لف انزل تاني وظللت انزل تحت الأرض كثيرا وقالوا لشخص أخر استلم الريس بيقولك سكنه ” فاخذني هذا الشخص وفك الكلابشات من يدي من الوضع الخلفي وقام بوضع الكلابشات بوضع أمامي وبدا يسألني نفس الأسئلة ثم قال لي ” هندخلك مكان هتقف وأنت ساكت لا تتكلم مع حد ولا تحاول تنزل الغمامة من علي عينيك عشان لو عملت غير كدا هنموتك “ 
أدخلني هذا المكان وقال لي قف ولا تجلس مهما حصل ثم انطلق ظللت لأكثر من ساعة واقف علي قدماي وبداخلي هاجس يقول لي إنهم يراقبوني وإنهم أمامي وإذا أنزلت الغمامة من علي عيني سوف يقومون بضربي وتعذيبي ، ثم جاء شخص وأنزل الغمامة من علي عيني وقال لي لا تخف انا معتقل معاك فنظرت في وجهه وكانت صدمة بالنسبة لي فقد كان هذا الدكتور محمد دسوقي وهو شاب كان مختفي قسريا لأكثر من شهرين وكان الجميع يبحث عنه وهو لا يعرفني وأنا لا أعرفه ولكني كنت متضامن معه بالخارج وكنت أكتب عنه كثيرا فكانت صدمه بالنسبة لي وقلت له انت محمد دسوقي فقال لي أنت تعرفني منين قولتله أنا صحفي وكنت أكتب عنك في الخارج كثيرا فابتسم وقال الحمد لله .. 
قال لي دسوقي بصوت هامس لا تعلي صوتك لأن هنا ممنوع الكلام اهمس فقط واحنا هنسمعك ، أنت عارف أنت فين قولتله لا قال انت في جهاز الأمن الوطني في 6 اكتوبر ، أنت بتشتغل إيه قولتله أنا صحفي قال وجاي في ايه قولتله مش عارف فقال كل اللي هنا تنظيم الدولة الاسلامية أنت تبع تنظيم الدولة قلت لا قال طيب ربنا يستر عليك استريح ، قلت له لكن الشخص الذي ادخلني قالي لي لو جلست هنموتك قالي ما تخفش هو خرج خلاص وقفل الباب لما يفتح الباب من برا بنسمع صوت السلسلة فبنزل الغمامة علي عيوننا وكمان بنسكت وأنت اعمل زينا وعرفني علي اخواننا في هذه الغرفةوكانت غرفة كبيرة جدا حوالي 50 متر بها حمام كبير وكنا ثمانية أشخاص فقط في الغرفة كل شخص تحته بطانية ميري يضع نصفها فوقه ونصفها يفردها تحته كي ينام عليها وبدأوا يتحدثون .. 
جميعهم مختفون قسريا منذ أكثر من شهر ومنهم من قتل أخيه علي يد الشرطة في رابعة العدوية ومنهم من سافر أخيه إلي سوريا وقتل هناك وجميعهم جاء في قضايا غريبه وبدأوا يحدثوني عن ما سوف يحدث معي من تعذيب وهكذا وكيف سيتم إجراء التحقيق معي مثلما حدث معهم وسألتهم كم عدد الأشخاص في هذا المكان قالوا لي إن هناك حوالي 80 فردا جميعهم مختفين قسريا في هذا المكان موزعين علي الغرف .. وأنا الشخص رقم 81 . 
ما حدث بيني وبينهم سوف أتناوله في مقال آخر .. 
جلست أول يوم بدون نوم من شدة القلق والتفكير في ما سوف يحدث لي خاصة أن زملائي هؤلاء قالوا لي أن هذا غريب أن يأتوا بشخص خارج التيار الاسلامي في هذا المكان فمنذ أن دخلوا هذا المكان لم يأت يوم شخص صحفي أو ينتمي للتيار الثوري المدني بأي شكل من الأشكال ، وظللت أفكر في مصيري وكان حاضراً في ذهني شخصين هم خالد السيد لأنهم قاموا بتلفيق تهمة له مع جماعة الإخوان بانه قتل رئيس مباحث المطرية وجاء في ذهني أنهم بما أنهم وضعوني في هذا المكان فسوف يقومون بتلفيق تهمة مثل تهمة خالد السيد ، والشخص الآخر هو الشهيد محمد الجندي وانهم سوف يقتلوني ويرموني في أي مكان . 
توقف تفكيري وقال الشباب هيا بنا كي نصلي الفجر وبالفعل قام كل شخص في هدوء بالوضوء ثم صلينا وكل شخص في مكانه وجاء اليوم التاني ولم أنم من التفكير في أهلي وقلقهم علي.. هل والدتي ووالدي علموا بما حدث؟ هل اخوتي عرفوا انني تم القاء القبض علي ؟ ماذا حدث لهم بعد سماع الخبر وظلت هذه الاسئلة تحاصرني ، وجاء العساكر ومعهم ضابط لتوزيع ” الجراية” وهي تعني وجبة الطعام ” وهي عبارة عن رغيف خبر يضعه العسكري في يديك ويصب عليه ملعقتين من الفول ، منظر هذا الطعام تقشعر له الأبدان رفضت أن أستلمه فاعطاني إياه بالقوة وخرج ورفضت أن اكله ووضعته بجانبي فأكله زملائي وقالوا لي لازم تاكل أنت هتطول هنا وهتتعذب ولازم يكون جسمك مستعد للي هيحصلك عشان ما تموتش ولكني اخذت القرار بانني لن اكل اي شيء في هذا المكان وسوف ادخل في اضراب عن الطعام !! 
جاءت وجبة الغداء وكانت عبارة عن رغيف من الخبز يضعه العسكري في يديك ويضع عليه ملعقتين من الأرز ورفضت ان آكل ونزل أحد الضباط وقال لي أنت هتعمل بطل هنا و” تعلم العيال تعمل إضراب كل يابن “الو..ة” احسنلك ” رفضت بشدة فركلني بقدمه وظل يضربني لكني تمسكت بموقفي بعدم تناول الطعام . 
ومر اليوم الثاني وجاء اليوم الثالث وهو الجمعة، بعد الظهر نادي أحد العساكر اسمي وأخذني وسلمني لمجموعة من الضباط وقالولي مبروك حفلتك النهارده ” انت متوصي عليك من فوق عشان تبقي تتمرد علي التمرد كويس ” ، وسحبوني من يدي بعد أن تأكدوا من ربط العصابة جيدا علي عيني وقالولي اطلع معانا وظللنا نطلع سلالم إلي أن وصلنا إلي الدور الثالث وسلموني لضابط آخر وأخذني من يدي ومشي بي بعض الخطوات ثم فتح باب وقال اتفضل يافندم واغلق الباب وأنا اقف ظهري للباب سمعت صوت موسيقي هادئة ورائحة بخور وصوت ولاعة أحد يقوم بفتحها وغلقها وكأن هذا فيلم للبوليس السياسي في الثلاثينيات. 
وبدأ التحقيق وكان كالآتي : 
الضابط : إيه يامحمود السجن عجبك .. أنت مش عامل نفسك بطل برة إيه ياتري السجن طلع حلو 
انا : السجن عمره ما كان حلو لأي حر يافندم وانا مش عامل نفسي بطل أنا صحفي بعبر عن رايي بحرية لو دي بطولة من وجهة نظركم ماشي لكن من وجهة نظري إن ده واجبي . 
الضابط : أنت هنا ياروح أمك تحط الجزمة في بقك وترد علي السؤال وفتحة الصدر دي تعملها برة مش هنا أنت وقعتك سودة ومتوصي عليك من فوق .. 
الضابط : أنت وطني يامحمود ؟ 
انا : صمت . 
الضابط : انا بسألك ياروح امك يابن الو…ة ووصلة من الألفاظ الخارجة .. ولما اسأل تجاوب .. انت وطني 
انا : بغضب شديد انا وطني اكتر منك ومن الي مشغلينك ومن الرئيس بتاعك . 
الضابط : بصوت عالي وقسوة شديدة يافرج . ” وفرج هنا هو أي أمين شرطة أو عسكري داخل جهاز أمن الدولة ولا أعلم هل هم أخذوا الاسم من فيلم الكرنك أم الفيلم هو من استعار منهم الاسم ” وبعد أن نادي علي فرج دخل أربعة أشخاص وانهالوا عليا بالضرب بكل ما استطاعوا من قوة وعصيان خشبية في أيديهم ظلوا يضربوني في كل مكان في جسدي . 
الضابط : كفاية .. فتركونا وخرجوا ، وبدأ يسال من جديد انت ايه علاقتك بحركة 6 ابريل ؟ 
انا بتحدي : للأسف لم انل الشرف وأنضم لهذه الحركة 
الضابط : شرف ايه يابن الم….ة دانتوا شوية عملاء وكلاب 
الضابط : تعرف أحمد ماهر منين وبترتب معاهم لايه 
انا : حضرتك انا صحفي وطبيعي إني أبقي عارف أي شخصية عامة لكن أحمد شخصيا أنا ما اعرفهوش ولا ليا علاقة بيه أنا أعرفه كمعتقل وكمنسق لحركة 6 ابريل سابقاً .. غير كدا لا 
الضابط : مين بيرتب معاك للخروج في 25 يناير 
انا : مفيش حد بيرتب معايا ولا أعرف حاجة عن اللي بتقوله 
الضابط بجدية شديدة : أحكيلي كل حاجة عن نفسك من يوم ما بدأت تمارس سياسة .. بس خلي بالك احنا عارفين كل حاجة لو كدبت يا ابن ال …. هصفيك في الحال .. 
انا : طالما حضرتك عارف كل حاجة بتسألني ليه وعاملين اللي انتم عاملينه دا ليه وكأني إرهابي وباعتين ليا مدرعات وقوات خاصة الموضوع أبسط من كدا بكتير 
الضابط : أنت هنا تجاوب وبس اتكلم من غير ما تسأل ولو سألت تاني اقسم بالله ما هرحمك يلا قولي كنت بتخرج مع مين مظاهرات قبل الثورة ؟ وكنت بتعمل إيه وبتروح فين ؟ وازاي بدأت نشاطك السياسي وفي أي حزب ؟ 
انا : عمري ما اشتركت في أحزاب ولكني انضميت لحركة كفاية وكنت بشارك في المظاهرات اللي بتدعو ليها ثم الجمعية الوطنية للتغيير وشاركت في الحملة الشعبية لدعم الدكتور محمد البرادعي وكنت بشارك في المظاهرات علي سلالم نقابة الصحفيين أو نقابة المحامين وأي دعوة أو ندوة كانت تدعوا لها هذه النقابات كنت أشارك فيها وكنت ممن شاركوا وحشدوا للثورة في 25 يناير 
الضابط : ثورة ايه يلا يابن الو ….ة انتوا شوية عيال بوظتوا البلد .. ثم نادي يافررررج .. فدخل نفس الأربعة أشخاص وانهالوا عليا بالضرب مره أخري دون رحمة ولا ضمير وكنت بداخلي أقسمت بالله أنني لن أضعف ولن أنكسر أو اقول كلمة واحدة تشعرهم بضعفي ولكن كل ماكنت أفعله أن أبتسم وأقول يااااارب 
الضابط : كفاية .. فخرجوا ، هسألك عن شوية أسماء وتقولي تعرفهم منين ، تعرف غادة نجيب ؟ لا 
تعرف محمد فياض ؟ لا ،، تعرف محب دوس ؟ لا … تعرف إبراهيم الشيخ ؟ لا ،، تعرف أحمد المصري ؟ لا ،، تعرف إياد المصري ؟ لا ،، تعرف خالد الانصاري ؟ لا ،،، تعرف شريف دياب؟ لا 
فرد عليا في آخر اسم انت هتستعبط يابن “وصلة من سب الدين والشتيمة” أنتم أصحاب وما بتسيبوش بعض وحملة البداية كنتم عملينها مع بعض ثم قال لي تقدم للأمام تقدمت إلي أن اصبحت امام الحيطة مباشرة فوقف خلفي ورفع الغمامة من علي عيني فرأيت شاشة عرض كبيرة أمامي وقام بتشغيل مقطع صغير لحلقة صديقي شريف دياب مع وائل الإبراشي يتحدث عن حركة البداية وقال لي تعرفه دلوقتي ولا لا ؟ فصمت ثم عرض عليا بعض الصور لي أيام الثورة مع بعض الشخصيات لا أعلم كيف جاء بهذه الصور لأنني لم ارها في حياتي وبدأ يسألني عن مدي علاقتي بهؤلاء الأشخاص أمثال زياد العليمي، وأحمد ماهر وعمرو علي ومحمد نبيل أعضاء حركة 6 ابريل وغيرهم .. أكدت أنه لا توجد علاقة تربطني بهؤلاء ووجودي في هذه الصور بالصدفة الباحتة .ثم رفع الغمامة علي عيني مرة اخرة وقال لي ارجع مكانك .. 
الضابط : إيه موضوع حركة البداية بقي ؟ 
أنا : مفيش يافندم ديه حركة شبابية كان غرضنا نعدل مسار الثورة ونطالب بالإفراج عن المعتقلين وبعض المطالب الأخري لكن أنتم حظرتوها بأمر قضائي فوقفنا شغل وما عملناش حاجة تاني ولا حتي مظاهرة واحدة باسمها لان رجالتكم من أول يوم بيحاربونا ويهاجمونا بشكل شرس ويهددونا بالقتل . 
الضابط : بس المعتقلين دول خونة يامحمود وضيعوا نفسهم وضيعوا البلد .. وبعدين أنت عايز تقولي أنكم مكنتوش عايزين تعملوا انقلاب علي الحكم ؟ 
أنا بسخرية : إنقلاب علي الحكم أيه بس يافندم دا إحنا كنا عايزين نعدله وابتسمت بعدها . 
الضابط : تقدم وصفعني علي وجهي ثم بدأ هو في ضربي وركلي بشكل مجنون مليء بالغل وظللت طوال الوقت ابتسم ولم أضعف لحظة رغم أن الألم دمر جسدي وبالفعل لم أستطع أن أصمد أكتر من هذا . 
الضابط : أنت اتمردت علي التمرد ليه يامحمود ؟ 
انا : مافيش حاجة اسمها اتمردت علي التمرد يافندم ، أنا شاركت في حركة تمرد وفي 30 يونيو عشان انتخابات رئاسية مبكرة وعشان نعدل مسار 25 يناير اللي اتسرق مش عشان العسكر يركبها ، وبمجرد إنتهاء 30 يونيو تمرد انتهت بالنسبة لي وخرجت منها وقررت أن أستمر في عملي الصحفي وأخدم الثورة من خلال الصحافة . 
الضابط : كان بيجيلكم تمويل يامحمود ؟ 
انا : اسأل محمود بدر أنا ماعرفش وما شوفتش أنا كنت بصرف عليها من جيبي أنا وأخويا وطلع عيني مصاريف وبهدله ومجهود علي الحركة دي .. 
الضابط : أنا بسألك أنت تعرف إيه عن التمويل اللي بييجي لتمرد ؟ 
أنا : معرفش غير التسريب اللي مصر كلها سمعته من فترة للواء عباس كامل وهو بيقول لأحد الأشخاص عايزين 200 الف جنيه من الـ 5 مليون بتوع تمرد اللي في البنك … 
الضابط : يعني مكانش بيجي تمويل من برا وأنت بتشوفه أو أي حد تاني بيشوفه ممكن تقولنا عليه؟ 
انا : والله يافندم كلهم رجالتكم ولو حاجة زي كدا عايزين تعرفوها فأكيد أنتم عارفينها لأن لو فيه تمويل فأكيد برضه ان اللي هيمول هيبقي من رجالتكم من رجال الأعمال … 
الضابط : أنا صبري نفذ معاك ثم اكمل : طيب مين معاك في حركة البداية غير الأسماء إللي أنتم اعلنتوها ؟ 
انا : مفيش يافندم هما الأسماء اللي تم الإعلان عنها في الصحف والمواقع فقط .. 
الضابط : عمرو بدر دوره إيه في الموضوع ؟ 
انا : دا رئيس تحرير بوابة يناير الي أنا بشتغل فيها 
الضابط : مين شغال معاكم تاني في بوابة يناير ؟ 
انا : قولت له بعض أسماء المحررين الذين يتم وضع أسماؤهم علي الموضوعات الصحفية وكلهم مجرد شباب متدرب وطلاب وليس لهم نشاط سياسي هم فقط يعملون أجل العمل الصحفي فقط .. 
الضابط : طيب وليه بوابة يناير بتشتم الرئيس وبتنشر أخبار للإخوان ؟ 
انا : الكلام دا مش حقيقي بوابة يناير بتقوم بعمل مهني وهي صحافة مستقلة ، وبتقدم الأخبار زي ما هي وملناش انحياز لحد ولا مصلحة مع حد انحيازنا الوحيد للعمل الصحفي ولضمائرنا ولثورة يناير .. 
الضابط : إيه موضوع الدعوة اللي انت عاملها للخروج في 25 يناير الجاي ؟ 
انا : مفيش دعوات وما اعرفش حاجة عن اللي بتقوله ولو عايز تلبسني تهمة فكفاية ضرب وتعذيب وتقدر تلفقلي اي حاجة بما انك كدا كدا هتلفقلي .. 
الضابط : أنت طيب اوي يامحمود طيب وابن “و…..ة” عشان تليفونك معانا وفي دعوة معمولة باسمك وبيتنشر عليها كلام بيحرض علي التظاهر في 25 يناير واحنا مش هنسيبك .. 
الضابط : قولي يامحمود أنت بتنكر معرفتك بالناس المشاهير ديه ليه رغم إن كل الناس عارفاهم ورغم إنك عامل تنظيم سياسي هما منضمين ليه اسمه تنظيم 25 يناير .. 
انا : بسخرية بالغة يعني يافندم حضرتك بتقول علي ناس زي ديه مشاهير وفي نفس الوقت بتقول علي حتة شاب مسكين زيي انا انا اللي مؤسس التنظيم ؟ 
الضابط : ماهو عشان أنت عاملي نفسك بطل وعاملي نفسك بتفكر بس انا هربيك دلوقتي .. يافررررج ودخل نفس الأشخاص ولكن هذه المره معم اسلاك حديدة وأشياء بلاستيكية “خراطيم” وظلوا يضربوني بها وكانهم يجلدوني وانهالوا عليا دهس وسحل في المكتب وظللت اقول يااااااارب ياااارب … 
الضابط : كفاية فخرج هؤلاء الاشخاص ، ثم قال ليه بص يامحمود انت مش عايز تتكلم ؟ وأنا مش فارق معايا هنقضيها مع بعض “اختفاء قسري” بقي ويوم ما أحب أخرجك هاوديك النيابة وأجيبك هنا تاني شهرين ولا حاجة ومش هغلب عندي ليك مليون تهمة ، وانا جايلي أوامر من فوق أتعامل معاك براحتي وانت عارف النيابة بتاعتنا والقانون بتاعنا وماحدش هيقدر يقول كلمة غير الاي إحنا عايزينه . 
انا : إيه ده حضرتك عارف يعني اختفاء قسري يعني الكلمة دارجة عندكم وعارفين معناها امال وزير الداخلية كل يوم يطلع يقول أنا ما عنديش اختفاء قسري ليه ؟ 
الضابط : انت مافيش فيك فايدة يامحمود وقام باخراج صاعق كهربائي ثم بدأ في تشغيله وظل يلف حواليا وكلما سمعت صوت الصاعق أحسست بانه سوف يقوم بصعقي به .. 
الضابط : ايه مش هتتكلم يامحمود ؟ مش خايف ؟ 
انا : انا مش خايف يافندم ما بخافش غير من ربنا .. والعمر واحد والرب واحد والي مكتوبلي هشوفه .. 
الضابط : يابن الو..ة انت جايب الكلا م دا منين انت مش خايف من ربنا وخايف مني ؟ 
انا : اقسم بالله انا ما خايف منك ومش بخاف غير من ربنا … 
الضابط : انا هصفيك وابقي وريني بطولتك ديه بقي فين لانك مافيش فيك فايدة ، ثم قام بوضع مسدس في رأسي وقال لي هصفيك يامحمود والله لصفيك ، وقام بشد الأجزاء علي ووضع المسدس ملامساً لرأسي .. 
انا : برعب مبالغ فيه وشدة أعصاب وبنظرة أخيرة للحياة ، نطقت الشهادة ” أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد رسول الله “ 
الضابط : ضغط علي الزناد كما يحدث في الأفلام بالضبط وفجأة بعد أن كاد أن يخرج قلبي من جسدي وجدت صوت الزناد يضرب علي الفاضي ووجدته يضحك ويقول إنه اعطاني فرصه أخيره لعلي أنطق … 
الضابط : ها يامحمود قولت يمكن تطلع راجل وتتكلم واديتك فرصه أخيرة هتنطق ولا إيه ؟ 
انا: انا مش عارف انت عايز ايه بالضبط لكن أنا قولت كل اللي أعرفه .. 
الضابط : يامحمود اتكلم وإحنا هنخليك تبقي راجل محترم وإذا كنت بتعمل كدا عشان مرتب في شغلك فاحنا هنخليك تاخد عشرات الأضعاف لو بقيت راجل جدع معانا .. 
انا : يافندم لو كنت عايز اللي أنت بتقوله دا ما كنتش جيت هنا وكان زماني أخدت اللي أنت بتقول عليه دا من زمان .. يافندم انتم ليه مش عايزين تقتنعوا اننا ناس وطنين وبنخاف علي البلد زيكم وأكتر منكم وعايزينها تتقدم وتبقي أحسن بلد في العالم وعلي فكرة يافندم أنا أهلي مش مخليني محتاج حاجة ومستورين الحمد لله مش أنا بس أنا وكل الشباب اللي زيي وأكيد انت عارف إن اللي كانوا محتاجين خلاص باعوا من زمان وبقوا من رجالتكم لكن احنا عمرنا ما هنبقي كدا ، يافندم الشباب اللي أنتم بتسجنوهم دول البلد مش هتتقدم اإا بيهم ولا عمر الوضع هيستقر غير بيهم .. 
الضابط : انت بتهددني يابن ” الو…..ة” أنا هصفيك ثم قام مرة أخري بنفس ما فعله ووضع المسدس في رأسي وقام بشد الأجزاء وقال لي مره أخيرة مش هتتكلم يامحمود ؟ 
انا : بصوت عالي جدا وقهر بالغ ” اشهد أن لا إله الا الله وان محمدا رسول الله “ 
الضابط : يقوم بالضغط علي الزناد مره أخري وكانه فيلم بالفعل ثم ينفطر قلبي من الخوف والرعب وضربات قلبي في زيادة رهيبة وكدت أن أفارق الحياة بالفعل من الخوف ولكنه ضحك مره أخري وضغط فشنك .. 
وبدأت قدماي ترتعش من شدة الألم والتعذيب وفي نفس الوقت من الانهيار العصبي الذي حدث لي وقد سمعت صراخ انثي تعذب بجانبي عرفت فيما بع أنها سيدة أم لشباب معتقلين معنا وقاموا بالقبض علي والدتهم وتعذيبها أمامهم كي يقروا ويعترفوا بأفعال لم يرتكبوها في هذه اللحظة كنت قد انهرت تماما لأن صراخ السيدة تعبني وآلمني أكثر من التعذيب الذي وقع علي ثم قلت حسبي الله ونعم الوكيل … 
الضابط : أنت بتدعي عليا يا بن الكلب ثم رفع المسدس للمره الثالثة ووضعه علي رأسي ولكني هذه المرة لم أخاف لأنني عرفت وفهمت أنه يلعب بأعصابي فابتسمت ابتسامة كلها سخرية فانفعل بشكل هستيري وقام بضربي بالسلاح خلف راسي فوقعت علي الارض مباشرة وظل يضربني بشكل مليء بالغل من كل من ثار ضدهم وظللت اردد كلمات من نوعية اننا مسيرنا نخليكم تيجوا تبوسوا رجلينا زي الكلاب ومش هنسيبكم وبكره نعلقلكم المشانق . ومسير يناير تنتصر ونسجنك انت ورئيسك كل هذه جمل خرجت من غضبي وقهري وحزني علي ما يحدث لي وظل هو يزداد غلا ويزداد عنفا في ضربي وكنت بالفعل قد انهارت قواي ولم استطع الوقوف مره أخري ثم رن جرس هاتفه فرد قائلا يانهار اسود يانهار اسود ديه كارثة وبدا صوته يتغير لنبرة اخري وفهمت انه كان يغير صوته طول هذه الفترة من التحقيق 
ثم دخل مره اخري وقالي خلاص يامحمود انت هتنورنا هنا شوية ومش هتخرج وبكره هنكمل معاك احتفلوا بيه شوية يارجالة وبعدين نزلوه 
انا : ممكن سؤال يافندم 
الضابط : هطلع جدع معاك يابن ” الو …..ة ” اسأل 
انا : ليه لما احنا عملنا تمرد ما عملتوش معانا كدا ليه لما كنا أيام مرسي كنا بنخرج ضده كل يوم في مظاهرات وكنا بنعمل كل حاجة نعارضه ونسقطه بيه وآخرها كانت تمرد سيبتونا وما عملتوش معانا كل دا 
الضابط : إحنا كنا عايزين كده ياروح أمك ، إحنا كان مزاجنا كده .. 
ظللت اناجي الله حتي انني فقدت الوعي بالفعل فقاموا بافاقتي ثم قال لهم نزلوه كانت المدة التي اخذها التحقيق حوالي 7 ساعات أو اكثر ضرب وإهانة وتعذيب بلا رحمة ، فقاموا بحملي واخرجوني ونزلوني بالفعل ولكن الغريب في الأمر أن هؤلاء العساكر أو الأفراد الذين قاموا بتعذيبي حينما خرجنا ظلوا يتأسفون لي قائلين شكلك ابن ناس مش حمل بهدله كنت قول اللي تعرفه ما يحصلكش كدا معلش إحنا مالناش ذنب .. 
ونزلت بالفعل وقال لي زملاء الاحتجاز أن العشاء اقتربت ما يعني أنني طلعت للتحقيق بعد الظهر ونزلت قبل العشاء ، ونزل ورائي هذا الضابط وعزلني في غرفة لمدة ساعة ثم قام بوضع شخص آخر معي ولاحظ أن جسمي يرتعد من البرد والالم وبدا جسمي يتورم من الكدمات فقال لي بنبرة صوت مغايرة ولكني عرفته مالك يابني هو حد كلمك فوق ولا ضربك قولتله لا يافندم ماحدش عملي حاجة لأن زملائي كانوا اعلموني أن الضابط اللي بيعذب أي شخص بينزل وراه ويسأله السؤال دا ولو أقر التعذيب بينهال عليه بالضرب مره أخري فانكرت فقال ليه خلاص أنت هتاخد رقم ننادي عليك بيه لما نقوله تقوم علطول رقم هو “41 ” فجأة أحسست أن حياتنا بالنسبة لهم مجرد رقم لا يوجد قيمة لنا عندهم ولكني قررت أنني لن اتحول إلي رقم ولن أطيعهم ومهما طالني من أذي فلن أتحول إلي رقم فكلما نادوا عليا بالرقم أتصنع المرض وأنني فاقد الوعي فيقوموا بالنداء باسمي الحقيقي دون الرقم فاجيب فيدخلون ويقومون بضربي من جديد وظللت هذا اليوم أعاني من التعب والألم وكانت قلة الاكل تساعد في إحساسي بشدة الألم لأن هذا اليوم كان الثالث في أمن الدولة والرابع بالنسبة لي بدون طعام ولا نوم . نزل الضابط مره أخري وأمر أمين الشرطة بأن يراقبني والا يتركني أنام واذا استغرقت في النوم يقوم باغراقي بالماء البارد وضربي بالصاعق الكهربائي وبالفعل رغم شدة الألم إلا أن التفكير والقهر والاكتئاب بداخلي لم يجعلني أشعر بأني احتاج للنوم حتي جاء يوم السبت قرب الظهر قاموا بالنداء علي رقمي ولم أرد فجاءوا وأخذوني وقالوا لي جهز نفسك أنت خلاص هتروح النيابة وهنجيبك تاني .. وبالفعل رحلوني علي نيابة أمن الدولة العليا ومنذ ذهابي للنيابة حتي ذهابي للسجن وحتي خروجي "حكايات أخري ساكتبها في مقالات قادمة ان شاء الله" ..

22 مارس 2016

قوة الحق في مواجهة حق القوة : قصة معركة الوزير ناجي صبري ضد الجبروت الأمريكي

وزير خارجية العراق ناجي صبري الحديثي
بمناسبة الذكرى 13 للغزو الهمجي  للعراق العظيم من قبل الدولة المارقة أمريكا و حلفائها ..
أعيد عليكم شهادة حق من قبل السفير ورئيس دائرة المنظمات و المؤتمرات الدولية في وزارة الخارجية العراقية بحق الدكتور ناجي صبري الحديثي آخر وزير خارجية للعراق في عهد الحكم الوطني.

شبكة المنصور
بقلم : السفير سعيد الموسوي
السفير سعيد الموسوي
أكتب الوقائع أدناه ليس ردا على إدعاء متهافت لعميل يحاول أن ينال من قامة عراقية شامخة هي وزير خارجية حكومة جمهورية العراق الشرعية الدكتور ناجي صبري، بل من أجل الحقيقة والتاريخ ولتوثيق جهاد أبناء العراق الأصلاء. أكتبها من واقع معاش فقد تشرفت بصفتي رئيسا لدائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية في وزارة الخارجية بالعمل تحت قيادة الوزير ناجي صبري في جهاده من أجل وطنه وأمته والإنسانية منذ إستلامه وزارة الخارجية في أواسط عام 2001 وحتى نجاحه في تجريد الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق من الشرعية الأممية.
عيّن الدكتور ناجي صبري وزيرا للدولة للشؤون الخارجية في نيسان 2001 ثم تولى حقيبة الخارجية في آب 2001. في تلك الفترة كان العراق يواجه تحديا حاسما بعد وصول بوش الابن الى السلطة وقيام اليمين الأمريكي المتحالف مع الصهيونية العالمية بإعداد الخطط لغزو العراق بهدف إسقاط حكومته الوطنية وإقامة حكومة عميله لها فيه. وكانت الولايات المتحدة تراهن لتحقيق هذا الهدف على ثلاثة أمور اساسية : الأمر الأول هو الحصارالشامل المفروض على العراق منذ السادس من آب 1990 والذي كان من بين آثاره إضعاف القدرات العسكرية العراقية ونضوب القدرات المالية واللوجستية التي تعطي القدرة على المطاولة في القتال، والثاني هو إستغلال أكبر عملية تزوير في التاريخ المعاصر قبل ان تتكشف الحقائق، ونقصد بذلك تمرير الغزو وسط حملة شيطنة العراق وقائده، والثالث، وهو الأهم، إستثمار رفض العراق عودة مفتشي الأسلحة الذين غادروه منذ 15/12/1998 والحصول من مجلس الأمن على قرار يدين إنتهاك العراق لإلتزاماته ويعيد إحياء التخويل الوارد في قرار مجلس الأمن 678 (1990) بإستخدام القوة ضد العراق. وحال إستلامه لمهماته، وضع الوزير ناجي صبري خطة متعددة المسارات تقوم خلالها الدبلوماسية العراقية بالتصدي لهذا المخطط العدواني الأمريكي. وكانت أهم حلقة في تلك الخطة هي منع الولايات المتحدة من إستخدام الأمم المتحدة غطاء لعدوانها على العراق وذلك من خلال تنشيط التعاون مع الأمم المتحده عبرإستئناف أعمال التفتيش في العراق كخطوة أولى لتنفيذ التزامات الأمم المتحدة تجاه العراق بدءا برفع الحصار وإنهاء جميع الإجراءات القسرية الأخرى. وكانت تلك مهمة عسيرة تقف أمامها صعوبات جمّة داخلية وخارجية.

الصعوبات الداخلية يقف على رأسها المزاج الرسمي والشعبي العراقي الذي يحمل مرارة تجربة التعامل مع فرق التفتيش التي كانت تستخدمها أمريكا لإنتهاك سيادة العراق وأمنه وكرامة شعبه وإدامة الحصار عليه. أما الصعوبات الخارجية فتتمثل بإنفراد الولايات المتحدة بزعامة النظام الدولي وإنكماش دور دول عدم الإنحياز والدول المتحررة بشكل عام لدرجة أن كثيرا منها أصبح يسبّح بحمد أمريكا ويشتم العراق وقيادته لإعتقاده أن ذلك خير جواز مرور الى قلب أمريكا!
وإعتمد الوزير ناجي صبري في إنجاز مهمته على دعم الرئيس صدام حسين له، وإستند إلى إيمانه الراسخ بأن الوقت قد حان لإن تأخذ الدبلوماسية العراقية زمام المبادرة في تصدّ إقتحامي لا يعتمد على ردود الأفعال، كما إستند الوزير على صفاته الشخصية من دبلوماسية هادئه وخبرة واسعة وصبر ومطاولة، وعلى فريق عمل مثابر في وزارة الخارجية وفي دائرة الرقابة الوطنية المعنية بالتعامل مع فرق التفتيش. ووضع الوزير ناجي صبري خطة للتعامل المبدئي المرن مع ممثلي الأمم المتحدة في الملفات كافة : التعويضات، الحدود، حقوق الإنسان، المفقودين والممتلكات الكويتية، برنامج النفط مقابل الغذاء، والملف الأهم والأخطر هو ملف أسلحة الدمار الشامل المزعومة. وقد إقترنت تلك الخطة ببرنامج سياسي للإنفتاح على دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية، كفعل اساسي مطلوب لإحباط محاولات أمريكا فرض العزلة على العراق. وبينما كانت الخطوات الأولى لهذه السياسة تعلن عن نفسها في الساحة الدولية حصل حدث خطير جعل مهمة الوزير ناجي صبري أكثر صعوبة، ونقصد بذلك هجمات الحادي عشر من ايلول 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك. هذه الهجمات جعلت امريكا تشعر، للمرة الثانية في تاريخها بعد هجوم اليابان على بيرل هاربر، أنها ضحية عدوان خارجي غير مبرر وأن عليها الرد بقوة.
وإذا كان من نتائج الهجوم على بيرل هاربر دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية وإستخدامها الأسلحة النووية لأول مرة في التاريخ، فإن أحداث الحادي عشر من أيلول أطلقت الهياج الجنوني لليمين الأمريكي بكل طاقته التدميرية. وبدأت أمريكا تضع الخطط للإنتقام ممن إعتبرته العقبة الكأداء الوحيدة أمام هيمنتها على العالم وهو نظام الحكم الوطني في العراق بقيادة الرئيس صدام حسين. وكان أول ما تحدث به بوش في إجتماع خلية الأزمة الذي عقد في البيت الأبيض يوم 12 ايلول 2001 هو كيف تعدّ أمريكا الخطط العملية لغزو العراق. ومع أن أحداث الحادي عشر من أيلول جعلت مهمة الوزير ناجي صبري أكثر صعوبة وتعقيدا، لكنها، بالمقابل، زادت من عزيمته لمواجهة هذا التحدي. أتذكر إجتماعنا صبيحة يوم 12 أيلول 2001، وحديثه عن ضرورة إستباق النوايا العدوانية الأمريكية من خلال إرسال برقية تعزية الى الشعب الأمريكي بهذه الخسارة الفادحة وتذكير الإدارة الأمريكية بإن معركة الإنسانية ضد الإرهاب والتطرف واحدة وعليهم أن يستوعبوا هذا الدرس ويسعون للسلام مع الشعوب بدلا من العدوان عليها. وللأسف لم ينل هذا المقترح موافقة الأغلبية في القيادة، وكان للرافضين أسبابهم المنطقية في عدم الموافقة على توجيه هذه البرقية. ورغم الأجواء المتوترة ونذر الحرب إستطاع الوزير ناجي صبري إقناع القيادة بضرورة تحريك ملفات علاقة العراق بالأمم المتحدة من أجل نزع غطاء الشرعية الزائف عن سياسات أمريكا العدوانية ضد العراق، وإستند في ذلك الى حقيقة أن الولايات المتحدة إستخدمت الأمم المتحدة غطاء لإرتكاب ابشع جرائم الحرب وجريمة العدوان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة ضد شعب العراق منذ عام 1990، وأنها إستطاعت الإفلات من المساءلة الدولية عن هذه الجرائم بالإدعاء أنها كانت تنفذ قرارات مجلس الأمن، والأنكى من ذلك أنها أجبرت كثيرا من دول العالم على دعمها عسكريا وماديا بإدعائها الدفاع عن (الشرعية الدولية) وعن (قيم العالم الحر). وأعطى الوزير ناجي صبري الأولوية لملف نزع السلاح الذي كان مجمدا منذ عدوان (ثعلب الصحراء) في كانون الأول 1998. وكانت سياسة العراق في هذا الملف منذ ذلك التاريخ تقوم على مبدأ : (نقبل التفتيش إذا رفع الحصار ولكن لا نقبل التفتيش والحصار معا). وحاول الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في مطلع عام 2001 تحريك هذا الملف من خلال إجراء حوار مع العراق من أجل عودة المفتشين، ووافق العراق على الحوار وقدم الوزيرالأستاذ محمد سعيد الصحاف في جلسة الحوار مع الأمين العام يوم 26/2/2001 عرضا تفصيليا لجوانب تنفيذ العراق لإلتزاماته بموجب قرارات مجلس الأمن وعرضا لوقائع إيغال المجلس وبعض أعضائه الدائمين في ممارسة كل أنواع الظلم والعدوان ضد العراق، وطالب الأمم المتحدة بتنفيذ التزاماتها المقابلة من خلال رفع الحصار وإحترام سيادة العراق ووقف جميع أشكال التدخل في شؤونه الداخلية وكذلك تعويض العراق عمّا لحق به من أضرار.
وسعى ناجي صبري بعد إستيزاره لإستئناف الحوار بين العراق والأمانة العامة للأمم المتحدة معتمدا مقاربة أكثر مرونة وواقعية يصعب على الامانة العامة رفضها، وعقد ثلاث جولات بعدة جلسات لكل منها : في نيويورك في 7/3/2002 وفي 1-3/5/2002 ثم في فيينا في 4/7/2002. تقول المقاربة الجديدة : العراق لا يعترض على تنفيذ إلتزاماته المتبقية في قرارات مجلس الأمن وذلك ضمن أطار الإتفاق على أرضية مشتركة تجمع العراق والامم المتحدة لتنفيذ جميع متطلبات هذه القرارات فيقوم العراق بتنفيذ ماعليه ويقوم مجلس الأمن بتنفيذ ما عليه من التزامات في مقدمتها البدء بتخفيف الحصار باتجاه رفعه كليا واحترام سيادة العراق واستقلاله ووحدة وحرمة اراضيه. وقد شجّع هذا الموقف المرن الامين العام على مواصلة الحوار مما وفر وقتا كافيا للفريق الدبلوماسي والفني العراقي لسبر اغوار موقف لجنة التفتيش (انموفيك) والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد إنقطاع دام حوالي أربع سنوات وللتعرف عن كثب على ادق تفاصيل ما تسجلانه على العراق من نقاط معلقة وما يقف وراءها وما تطلباه من العراق وسبل معالجته.
وأعطى ذلك للفريق الدبلوماسي والفني العراقي ميزة وفائدة كبيرة ساعدته على اسقاط الذرائع وغلق الثغرات وسرعة التعامل الحاسم مع فريق التفتيش عندما بدأ مهمته في العراق من جديد يوم 27/11/2002. وكان الوزير ناجي صبري في هذه الأثناء يواصل خطوات تنشيط التعاون مع الأمم المتحدة في بقية الملفات وبالذات في ملف إعادة الإرشيف الكويتي والبحث عن المفقودين وتجاوز الصعوبات في تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء. لكن الحوار مع الأمين العام وصل الى نقطة إنعدام المردودات في نهاية جولة فيينا في 4/7/2002 بعد أن أعلن الأمين العام عن فشله في الحصول على أجوبة من مجلس الأمن على أغلب أسئلة الوزير ناجي صبري التسعة عشر التي قدمها في جولة الحوار الأولى المعقودة في 7/3/2002 والتي طلب فيها ضمانات بشأن حيادية ومهنية المفتشين وبشأن التزام مجلس الأمن بتعهداته المقابلة برفع الحصار واحترام أعضاء المجلس، وخصوصا العضوين الدائمين الولايات المتحدة وبريطانيا، لسيادة العراق ووحدة أراضيه وانهاء منطقتي حظر الطيران غير الشرعيتين. ومن بين الأسئلة التسعة عشر كان السؤال الأكثر إستقراء لما سيحصل في الأشهر التالية ولم يجب عليه الأمين العام ولا مجلس الأمن هو : (كيف يمكن تطبيع العلاقة بين العراق ومجلس الامن فى ظل السياسة الامريكية المعلنة الحالية التى تسعى الى غزو العراق وتغيير نظامه السياسى الوطنى بالقوة، وهل تضمن الامم المتحدة ان لا تقوم الولايات المتحدة بالعدوان على العراق فى اثناء استمرار عمليات التفتيش). ولقد كان عرض هذه الأسئلة المشروعة والمخاوف التي ثبت صحتها أمام الأمين العام أحد الأسباب التي دعته لإعلان موقفه الصريح بأن الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وبالمقابل، كان الامين العام يريد وعدا من العراق بالنظر في عودة المفتشين الى العراق لكي يقف بوجه الضغوط الاميركية ويواصل المفاوضات مع العراق، لكن القيادة العراقية لم تكن قد وصلت الى القناعة بعودة المفتشين، لذلك لم يعلن الامين العام عن انتهاء المفاوضات لكنه لم يتفق مع الوزير على موعد جديد مما يعني انه لن تكون هناك جولة رابعة. وجاءت سفرة الوزير ناجي صبري الى موسكو ثم الى الأمم المتحدة في ايلول 2002 لتضع النقاط على الحروف. وخلال محادثاته مع الوزير إيفانوف في موسكو أخذ تعهدا من القيادة الروسية بعدم السماح بتمرير أي قرار من مجلس الأمن يخول الولايات المتحدة إستخدام القوة ضد العراق إذا تعاون العراق مع فرق التفتيش.
ومن موسكو إنطلق الى نيويورك. وحال وصوله إليها بدأ إجتماعات مكثفة مع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن وحركة عدم الإنحياز والمجموعة العربية والدول المعنية الأخرى، وكان يعرض عليهم الحقائق فيما يتعلق بتنفيذ العراق لإلتزاماته بموجب قرارات مجلس الأمن ويطلب منهم ممارسة نفوذهم لحمل مجلس الأمن على التعامل مع العراق بعدل وإنصاف وعلى أساس تنفيذ الإلتزامات المتقابلة للطرفين. وفي نيويورك وصلته معلومات مؤكدة بأن وزير الخارجية الاميركي كولن باول ومجموعة من المستشارين الاميركيين والبريطانيين قد بدأوا العمل في صياغة مشروع قرار جديد تنوي الولايات المتحدة وبريطانيا تقديمه الى مجلس الأمن حول موضوع التفتيش يقدم للعراق إنذارا شديدا ومهينا ويفرض عليه مهلا زمنية قصيرة وشروطا يصعب قبولها وذلك لإجازة الحرب على العراق بدون الرجوع ثانية لمجلس الامن مما يضفي الشرعية الدولية تلقائيا على مخطط الغزو الاميركي البريطاني، فأبرق من نيويورك الى الرئيس صدام حسين طالبا موافقته على اعادة المفتشين بدون ابطاء لقطع الطريق على المسعى الاميركي البريطاني.
وقد إقتنع الرئيس صدام حسين برأي الوزير ناجي صبري ووافق على طلبه السريع، فباشر الوزير بلقاءات مكثفة مع الأمين العام للأمم المتحدة بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية للإتفاق على صيغة لعودة المفتشين في اطار السعي لضمان الاستجابة لمطالب العراق المشروعة، وأعد رسالة بهذا المعنى وجهها الى الأمين العام مساء يوم 16/9/2002 تعلن سماح العراق بعودة المفتشين كخطوة اولى نحو حل شامل يتضمن رفع الحصار الشامل عن العراق وإحترام أمنه الوطني وتنفيذ بقية متطلبات قرارات مجلس الأمن. وقام الأمين العام بإبلاغ الإعلام بهذه الرسالة ونقل نصها الى مجلس الأمن. وكانت تلك الرسالة نقطة تحول كبرى لإجهاض مخطط أمريكا لغزو العراق تحت غطاء (الشرعية الدولية)، خاصة وأنها أتت بعد أربعة أيام من كلمة بوش في الأمم المتحدة التي أعلن فيها تفاصيل المشروع الأمريكي لتغيير النظام السياسي في العراق. وقد شرحت صحيفة غرين ليفت (اليسار الأخضر) الاسترالية في مقال تحليلي مفصل يوم 25/9/2002 ابعاد قرار العراق عودة المفتشين وتأثيره البالغ في احباط الاستعدادت الامريكية البريطانية لاصدار قرار يجيز الحرب على العراق باسم الامم المتحدة قائلة : (ان قرار العراق المفاجأة بقبول عودة مفتشي الامم المتحدة كان آخر ما يريده الرئيس الاميركي جورج بوش. فقد جرد القرار ادارته من ذريعة اساسية للمشروع الاميركي لغزو العراق، و شتت التحرك العراقي جهد واشنطن لإلباس الهجوم الذي تهدد بشنه على العراق بلبوس تحرك متعدد الاطراف (اي حرب باسم الامم المتحدة).
وقالت الصحيفة إن مشروع القرار الامريكي البريطاني قد صيغ على نحو مقصود لاستفزاز العراق ودفعه لرفض مطالب المجلس مما يتيح المجال للولايات المتحدة وبريطانيا شن الحرب باسم الامم المتحدة على العراق، حيث كان يتضمن شروطا شديدة الاذلال للعراق والانتهاك لسيادته الوطنية وعلى نحو يستحيل قبوله من جانب الحكومة العراقية. وقد زلزل التحرك الدبلوماسي العراقي السريع والفعال أركان الإدارة الأمريكية، فرفض البيت الابيض قرار العراق بالسماح بعودة مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة وشنّ هجوما على الوزير ناجي صبري واتهمه بالكذب والخداع والتزوير. واعلن جورج بوش نفسه رفضه للقرار. واصدر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض بيانا قال فيه ان إعلان الوزير ناجي صبري عن قبول عودة مفتشي الامم المتحدة بدون شروط هو خدعة، وإنه يعني في الحقيقة أن العراق سيضع عراقيل في وجه المفتشين ويفرض عليهم شروطه، وانه محاولة للالتفاف على قرارت مجلس الامن. وفي يوم 19/9/2002 ألقى الوزير ناجي صبري كلمة العراق امام الجمعية العامة للامم المتحدة، وتحدث فيها عن اتفاقه مع الامين العام على اعادة المفتشين في اطار السعي لتنفيذ العراق والامم المتحدة التزاماتهما التي تضمن للعراق احترام سيادته وامنه الوطني واستقلاله وحرمة اراضيه وترفع عن شعبه الحصار الظالم. ونقل في كلمته رسالة من الرئيس صدام حسين تضمنت عرضا لجوانب الازمة في علاقة الامم المتحدة بالعراق نتيجة هيمنة الولايات المتحدة على مجلس الامن، وأوضح اسباب إستهداف أمريكا للعراق قائلا (تريد الولايات المتحدة أن تدمر العراق من أجل أن تسيطر على نفط الشرق الأوسط وبالتالي تسيطر على سياسة العالم كله) وأعلن الرئيس صدام حسين عدم إمتلاك العراق أسلحة محظورة بقوله (ها أنا ذا أعلن أمامكم أن العراق خال تماما من جميع الأسلحة النووية والكيمياوية والبايولوجية، وإذا كان أحد بينكم لا يزال يشعر بالقلق من إحتمال أن تكون الإختلاقات التي يعلنها المسؤولون الأمريكيون عن العراق صحيحة، فبلدنا على إستعداد لإستقبال من تختارونهم لتمثيل أي من بلدانكم من الخبراء العلميين ومن يصحبهم من السياسيين ليخبرونا بالأماكن والمنشآت العلمية والصناعية التي يرغبون في رؤيتها، ولاسيما تلك التي إختلق المسؤولون الأمريكيون القصص الكاذبة عنها). وبعد الخطاب رد الناطق باسم البيت الابيض اري فلايشر بتصريح غاضب قال فيه: (إن قول العراق انه لايملك اسلحة نووية او كيمياوية او جرثومية هو كلام كاذب برمته). وظهرت في اليوم التالي صحيفة (نيويورك بوست) مخصصة صحفتها الأولى لصورة كبيرة للوزير ناجي صبري وقد إمتدّ أنفه تشبيها له بالطفل الكذاب بينوكيو في قصة الروائي الإيطالي كونومري، وتحت الصورة كتبت ثلاث كلمات بالخط العريض هي (كذاب.. كذّاب.. كذاب). وتوالت الحملات، ولا زالت، على الوزير ناجي صبري لإنه بزيارته هذه الى نيويورك أصاب من الأدارة الأمريكية مقتلا.
والجدير بالذكر أن الأمريكان حاولوا إجهاض مهمة الوزير ناجي صبري في نيويورك بوسائل عديدة منها إستفزازه في مطار موسكو من قبل رجال الأمن الأمريكان الذين يفتشون الركاب والحقائب المتجهة الى أمريكا ومنها إحاطة الوفد العراقي في نيويورك بعدد هائل من رجال المخابرات الأمريكية يتربصون بهم ويستفزوهم ويغرونهم بالعمالة، ومنها إرسالهم وزير خارجية إحدى الدول ليسدي النصيحة للوزير ناجي صبري بقوله (لا توافقوا على عودة المفتشين بدون ثمن، والأفضل أن تصعدوا الأزمة حتى تحصلوا على ثمن مقابل عودة المفتشين)، وكان الوزير ناجي صبري يستمع اليه ويضحك في سرّه فقد كانت اللعبة الأمريكية مكشوفة أمامه : إنهم يدفعون العراق للتزمّت ليسهل لهم تنفيذ مآربهم العدوانية. وخلال سفرة نيويورك، ومن أجل إلقاء الحجة على الجميع، وجه الدكتور ناجي صبري أن نلتقي أنا واللواء المهندس حسام محمد أمين مع مندوب بريطانيا الدائم في الأمم المتحدة السير جيريمي غرينستوك. وعقد اللقاء في مقر البعثة البريطانية في الأمم المتحدة يوم 20/9/2002 وفيه نقل لنا السفير غرينستوك تعليمات بلير وجوهرها إن بريطانيا ترحب بقرار العراق عودة المفتشين وتريد منه تعاونا كاملا معهم وأنها لا تريد غير نزع أسلحة العراق المحظورة وتعارض سياسة (تغيير النظام) الأمريكية وتسعى لإقناع أمريكا بالتخلي عن هذه السياسة. (إتضح فيما بعد أن بلير كان يكذب حتى على سفرائه فلقد كان قد إتفق مع بوش قبل هذا التاريخ على سياسة تغيير النظام في العراق كما كشفت ذلك شهادات لجنة تشيلكوت). وبعد عودته من نيويورك عمل الوزير ناجي صبري على تهيئة مستلزمات عودة المفتشين وإتفق يوم 1/10/2002 مع لجنة (الأنموفيك) والوكالة الدولية للطاقة الذرية على ترتيبات عودة المفتشين، وكان في هذه الأثناء يواصل خطوات نشيط التعاون مع الأمم المتحدة في بقية الملفات وبالذات في ملف إعادة الإرشيف الكويتي والبحث عن المفقودين وتجاوز الصعوبات في تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء.
وما أن شعر الأمريكان أن مخططهم لغزو العراق تحت غطاء الأمم المتحدة أصبح مهددا، حتى أعلنوا أن عودة المفتشين يجب أن يسبقها قرار من مجلس الأمن يضع شروطا إضافية على العراق، وقدموا مشروع قرار الى مجلس الأمن تضمن صلاحيات تدخّلية هائلة للمفتشين ومطالب تعجيزية من العراق كما تضمن فقرة تقول إن عدم تعاون من العراق مع المفتشين أو إغفاله تقديم بيانات كاملة وشاملة ودقيقة ووافيه أو إمتناعه عن الإمتثال لمطالب المفتشين سوف يؤدي الى الإطلاق الآلي للتخويل الوارد في القرار 678 (1990) بإستخدام القوة ضد العراق. وهنا بدات معركة دبلوماسية كبرى قادها الوزير ناجي صبري بإقتدار، فقد كثف اتصالاته بنظرائه الروسي والفرنسي والصيني وببقية أعضاء مجلس الأمن من خلال سفرائهم في بغداد لتنبيههم الى أن مشروع القرار هذا هدفه إعطاء أمريكا صكا دوليا على بياض لغزو العراق تحت أية ذريعة مهما كانت متهافتة، مثل إهمال تقديم معلومة أو إدعاء مفتش أن الجانب العراقي منعه من أداء مهماته. وإستمرت هذه الإتصالات والمشاورات لإسابيع نجح العراق في نهايتها في أن يصدر القرار 1441 في 8/11/2002 بدون (الآلية التلقائية لإستخدام القوة) وبتخفيف بعض الإجراءات والشروط التعسفية المطلوبة من العراق رغم أن الكثير منها بقي في نص القرار مثل الإدعاء بعدم تعاون العراق في السابق ومنح المفتشين صلاحيات تدخليه واسعة وإجراءات تعجيزية على العراق تنفيذها من بينها ما يسمى بإثبات النفي، اي إثبات عدم حيازته على أسلحة وبرامج محظورة. وبعد صدور القرار بدأت أمريكا تخطط لخلق مشاكل في التنفيذ تقود إلى إقرار مجلس الأمن بعدم تعاون العراق وبما يقود الى إصدار قرار جديد باستخدام القوة.
وهنا بدات معركة جديدة، وعمل الوزير ناجي صبري بالتعاون مع الفريق عامر السعدي واللواء حسام محمد أمين على الإستجابة السريعة لمتطلبات القرار 1441 وفي مقدمتها تقديم التقرير الشامل والنهائي عن برامج العراق السابقة خلال أقل من شهر، وإستقبل الوزير ناجي صبري رئيسا لجنة التفتيش (أنموفيك) والوكالة الدولية للطاقة الذرية (بليكس والبرادعي) في بغداد يوم 18/11/2002 وكان جوهر حديثه معهما أن يعملا بمهنية وإستقلالية بعيدا عن الأجندة الأمريكية وأن لا يتعسفا في تفسير صلاحيتهما بموجب القرار 1441 ووعدهما بإن يقدم الجانب العراقي كل التعاون الممكن لإنجاز مهمتهما. وبدأ المفتشون أعمالهم في العراق يوم 27/11/2002، وفي يوم 7/12/2002 قدّم العراق التقرير الشامل والنهائي المتضمن جميع ما يتعلق ببرامجه السابقه وبأكثر من عشرين الف صفحة. وواصل الوزير ناجي صبري الإشراف اليومي على العلاقة مع الأنمونيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية وإستقبل البرادعي وبليكس في زيارتين تاليتين في 19-20 كانون الثاني 2003 وفي 8 - 9 شباط 2003. وقد أثمرت هذه الجهود المترافقة مع جهود الفنيين العراقيين بإشراف الفريق عامر السعدي واللواء حسام محمد أمين عن تجاوز عقبات ومشاكل كثيرة.
ورغم خضوع بليكس والبرادعي لإملاءات أمريكا وسعيهما للتقليل من قيمة إعلانات العراق ومن تعاون الجانب العراقي معهما ورفضهما إقرار حقيقة خلو العراق من اسلحة الدمار الشامل ومعداتها، إلاّ أنهما لم يستطيعا في النهاية إخفاء حقيقة أن مسحهم الميداني للعراق من شماله الى جنوبه وبأحدث أجهزة الكشف لم يستطع أن يقدم دليلا واحدا على وجود أسلحة أو برامج محظورة وأن الجانب العراقي لم يضع عراقيل أمام مفتشيهم. وقد تزامن التعاون الكامل مع فرق التفتيش مع تعاون كامل مع جميع أجهزة الأمم المتحدة الأخرى. ففي مجال حقوق الإنسان وجهت الخارجية العراقية الدعوة الى مقرر حقوق الإنسان الخاص بالعراق السيد مافروماتيس لزيارة بغداد وأجرت معه حوارا معمقا وأطلعته على وضع حقوق الإنسان في العراق وكيف أن الحصار هو الإنتهاك الحقيقي لحقوق الإنسان في العراق، وقدم مافروماتيس تقريرا الى الأمم المتحدة طالب فيه أن تكون إنتهاكات الحصار لحقوق الإنسان ضمن ولايته، وكان ذلك إنتصارا كبيرا للعراق. كما جرى تنشيط التعاون مع رئيس لجنة المفقودين والممتلكات الكويتية السيد فورنتسوف وجرى الإتفاق معه على مجموعة إجراءات لإحراز التقدم في هذا الملف وإنعكس هذا التعاون في تقاريره الى مجلس الأمن. وكثفت الخارجية من تعاونها مع الصليب الأحمر حول موضوع المفقودين العراقيين والكويتيين، كذلك جرى تعزيز التعاون مع فريق مراقبي الأمم المتحدة بين العراق والكويت (اليونيكوم) وأشاد الفريق بتعاون العراق وأكّد في تقاريره أن الخرق الوحيد للمنطقة منزوعة السلاح يأتي من جهة الكويت من خلال طائرات مجهولة الهوية تخرق أجواء العراق يوميا (المقصود طلعات الطائرات الأمريكية والبريطانية ضمن منطقة حظر الطيران غير الشرعية)، ونفس التعاون أبداه العراق مع ممثلي برنامج النفط والغذاء ومع لجنة التعويضات، وهذا جعل من الصعب على الولايات المتحدة إدعاء نقيض هذا التعاون الجلي. وترافق هذا التعاون مع الأمم المتحدة مع سياسة الإنفتاح التي عمل عليها الوزير ناجي صبري مع الدول العربية ودول المنطقة وبقية دول العالم لوضع زمام المبادرة بيد الدبلوماسية العراقية.
وأعطى لتطوير العلاقة مع الدول العربية إهتماما كبيرا، وسعى للتواصل مع الأشقاء العرب وتقديم المعلومات والوقائع لهم لمواجهة الحملة السياسية والدبلوماسية الأمريكية الظالمة، وزار العديد من البلدان العربية واستطاع تحقيق خرق دبلوماسي تمثل بزيارة نائب رئيس الجمهورية السيد عزت الدوري لعدد من دول الخليج، وهي أول زيارة على هذا المستوى لدول الخليج منذ عام 1990، كما ساهم في تضمين البيانات الوزارية والرئاسية العربية مواقف تدعم العراق في معركته العادلة، ومن بين ذلك إعلان قمة بيروت (2002) الذي حسم موقف القمة العربية الى جانب العراق في مواجهة التهديدات الاميركية، وكانت آخر إنجازاته المشاركة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الطارئ بعد أربعة ايام من الغزو الأمريكي للعراق ونجاحه في أن يصدر المؤتمر أقوى إدانه لهذا الغزو واعتبره عدوانا وانتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ولمباديء القانون الدولي وخروجا على الشرعية الدولية وتهديدا للسلم والأمن الدوليين وتحديا للمجتمع الدولي وللرأي العام العالمي. لقد حرم هذا التحرك الولايات المتحدة من التأييد العربي الرسمي الذي كانت تعول عليه، وفشلت امريكا في تحقيق ولو عشر معشار ما استطاعت تحقيقه عام 1990. أما على المستوى الإقليمي والدولي، فكانت الدبلوماسية العراقية في قمة نشاطها وتواصلت زيارات الوزير ناجي صبري الى عواصم عديدة : من طهران الى بكين الى مقر الإتحاد الأوربي في بروكسل، وأثمرت عن تحقيق إنفراج في علاقات العراق الخارجية وكسر العزلة الدولية التي كانت الولايات المتحدة تسعى لتشديدها على العراق. وإزاء هذه الإنتصارات التي حققتها الدبلوماسية العراقية إضطرت امريكا إلى التخلي عن البحث عن غطاء أممي لغزوها، وكشفت عن اهدافها العدوانية وطلبت من جميع موظفي الأمم المتحدة في العراق، بضمنهم فرق التفتيش وفريق مراقبة المنطقة منزوعة السلاح بين العراق والكويت، مغادرة العراق وغادروه يوم 18/3/2003 وبدات غزوها للعراق بعد ذلك بيومين في عدوان صريح وإنتهاك فاضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
لقد نجحت الخارجية العراقية بقيادة الوزير ناجي صبري في منع الولايات المتحدة من إستخدام مجلس الأمن غطاء يعطي الشرعية لغزوها وإحتلالها للعراق، وكانت تلك الخطوة الأولى الأساسية والقاعدة التي إستندت عليها المقاومة العراقية في جهادها لهزيمة المحتل الأمريكي في العراق وهزيمة مشروعه في المنطقة وهزيمة نظام القطب الواحد برمّته. لقد حلّ الوزير ناجي صبري عقدة مستعصية كانت تعاني منها الدبلوماسية العراقية. عقدة سببها مزيج من مبدأية مثالية وإيمان بالحق المطلق وخشية من ثلم العزة والكرامة وشجاعة تقترب أحيانا من التهور ونزعة مفرطة في قبول التحديات ايا كان مصدرها ومكانها وشكلها وزمانها. لقد إستخدم الأمريكان وغيرهم هذه العقدة أو الثغرة في عمل العراق السياسي والدبلوماسي سنين طويلة للإيقاع بالعراق، لذا لا نستغرب أن يبلغ حقد الأمريكان على الوزير ناجي صبري مداه لإنه تجاوز العقدة وفهم اللعبة وإنتصر بدبلوماسيته المبنية على الحق والصراحة والإقتحام المدروس على الدبلوماسية الأمريكية العدوانية الغاشمة. للوزير ناجي صبري كل الحق أن يفخر بحصته الكبيرة في هزيمة أمريكا ونظامها الدولي وإنهيار إمبراطوريتها وغروب قرنها الحادي العشرين قبل بزوغه، وعليه أن يتوقع من أمريكا وعملاء أمريكا المزيد من إستهدافه والسعي لتشويه صورته.