01 فبراير 2012

المفكر الألماني تودنهوفر يقدّم رؤية غربية منصفة للثورات العربية

المفكر الألماني تودنهوفر يقدّم رؤية غربية منصفة للثورات العربية

شبكة البصرة

بقلم الدكتور عبد الواحد الجصاني

أولا : تقديم :

نشرت صحيفة (سيليش زايتونغ) الألمانية يوم 5/1/2012 دراسة للمفكر الألماني الدكتور يورغن تودنهوفر عنوانها (لماذا تأخرت الثورات العربية 222 عاما عن الثورة الفرنسية). ولقيت هذه الدراسة صدى واسعا في المانيا لسببين أولهما المنزلة العالية للكاتب كمفكر جريء شديد النقد الموضوعي للسياسات العدوانية الغربية وشديد الإعجاب بالحضارة العربية والإسلامية، وثانيهما لإن الدراسة هذه لم تكن بحثا نظريا، بل خلاصة تجربة الكاتب خلال خمسين عاما قضاها متنقلا بين الدول العربية والإسلامية، وآخرها معايشته الثورات العربية عام 2011، فقد زار ليبيا مرارا خلال الصراع الدموي الأخير وكاد يفقد حياته عندما قصفت قوات الجيش الليبي سيارته في الطريق بين بنغازي والبريقة وقتل مرافقه الليبي، وكان في ميدان التحرير طيلة أيام الثورة وشارك الثوار المصريين إحتفالاتهم يوم تنحي مبارك في 11/2/2011، وهو الغربي الوحيد الذي زار درعا وحمص وحماة قبل أن تسمح سوريا بوصول وسائل الإعلام الغربية اليها.

إستنتاجات وخلاصات دراسة تودنهوفر عن الثورات العربية ذات قيمة فكرية كبيرة ومن المفيد إطلاع المثقفين العرب عليها من أجل تعميق النقاش الفكري العربي حول الثورات العربية ومستقبل النظام السياسي العربي ويسرني أن أقدم ترجمتها إلى اللغة العربية بعد أن أقدم لها بهذه السطور (الترجمة العربية للدراسة في آخر المقال).



ثانيا : إستعراض موجز لأهم خلاصات الدراسة :

1 –تعامل الغرب مع الثورات العربية إنطلاقا من مصالحه الإستعمارية، فهو لم يكن معنيا مطلقا بنشر الديمقراطية في العالم العربي لا في الفترة الإستعمارية ولا حاليا. يقول تودنهوفر (لم يكن نشرالحرية والمساواة والاخاء وإدخال الديمقراطية إلى الوطن العربي جزءا من أهداف الغرب المحتل، فبالنسبة للغرب الحرية لا تعني مطلقا " التحرر منّا "، وعندما إنتهت فترة الإستعمار الغربي المباشر للبلدان العربية  تحوّل الغرب إلى دعم الملوك والحكام المستبدين العرب الذين كانوا مستعدين لتبني سياسات الغرب الخارجية مقابل حصولهم على السلاح والمال. ولغاية بداية عام 2011 ساعد الغرب بلا خجل الدكتاتوريات العربية على قمع شعوبها لا بل إستخدم الغرب الأجهزة الأمنية للأنظمة الدكتاتورية العربية كمراكز متقدمة له للتعذيب). ويضيف (بعد أن فوجئت الولايات المتحدة بأحداث تونس ومصر حاولت أن تجعل من الربيع العربي فرصتها التاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق تصوراتها والهدف الأساسي للولايات المتحدة ليس الديمقراطية بل تعزيز وحماية مصالحها في شرق أوسط كبير موالٍِ لها).



2– يرى تودنهوفر أن ثورات (الربيع العربي) جارفة وستتواصل، فهي (تشبه المعجزة بقوتها وتأثيرها السحري) مضيفا (حتى لوإحتاج التغيير في العالم العربي الى عقود أو أكثر، كما حصل في أوربا، فإن زمن الملوك والسلاطين والحكام غير المنتخبين والحكام الذين يعينون أنفسهم وصل إلى نهاية مؤكدة ولم يعد لهم مكانا على المسرح السياسي الدولي). ويعتبر السبب الرئيس لهذا التحول نحو الديمقراطية هو أن (الديمقراطية هي أكثر أشكال الحكومات نجاحا في عصر الصناعة والإعلام الحالي) وأن (الهياكل الاستبدادية المتحجرة لعصر ما قبل الصناعة لا تستطيع مواجهة تحديات عالمنا الصناعي الحالي) مضيفا (إن الحكام الذين يفشلون في إدراك ديناميكية السلوك الجمعي للثورة الديمقراطية في الوقت الصحيح، مثل قادة تونس ومصر، يكون رد فعلهم بطيئا وبذلك يفقدون فرصتهم وتقوم القوة الجارفة للجماهير الثائرة بإزالتهم). وحذّر تودنهوفر بقية الحكام العرب ممن لم تصلهم رياح الثورة بقوله (إن حكاما، كملك المغرب وملك الاردن، من الذين يحاولون منع حدوث الاصطدام من خلال تنازلات ذكية لربما يكسبون وقت نجاة ثمين، ولكن حتى بالنسبة لهم إذا لم يواجهوا إستحقاق الانتخابات الحرة وإذا لم يقبلوا بتحديد سلطاتهم مثلما يحصل في الملكيات الدستورية، فعند ذلك سوف تقوم الثورات الديمقراطية ذات الجاذبية السحرية- الصوفية بإزالتهم).


 3– يعتبر تودنهوفر أن الربيع العربي فضح زور إستخدام الغرب لشعار(الإرهاب الإسلامي) لتبرير دعمه للأنظمة الإستبدادية في الوطن العربي، إذ يقول (لسنين طويلة صوّر إعلامنا المجموعات الإرهابية المتطرفة المتكاثرة، كالقاعدة، على أنها الخصم الخطير للحكام المستبدين في الدول العربية، والهدف من ذلك هو شرعنة دعمنا لهذه الأنظمة). وأضاف (الثورة لم تكن ضد الحكام المستبدين فحسب بل وأيضا ضد الإرهابيين الذين تجاسروا وتحدثوا بإسم العالم الإسلامي، وهي بالنتيجة ثورة ضد الصورة المشوهة التي صنعها الغرب بعناية عن بعبع سمّاه الإسلام).



4– أفرد تودنهوفر فقرة عن دور الإعلام في الثورات العربية، وبدأ بإقرار حقيقة أنه (جرى تسريع دوران عجلة الثورات وإمتداد تأثيرها بشكل هائل من قبل الإعلام الحديث). ووصف دور قناتي الجزيرة والعربية بالآتي (تعمل هاتان القناتان العربيتان سوية مع بعض الشبكات الإخبارية الغربية لصب الزيت على النار، فهي تضخّم الثورة وتعطيها حجما أكبر واقوى من حجمها الحقيقي). ويضيف عن سبب تبني الجزيرة للثورات العربية بالقول (قناتا الجزيرة و العربية هما الموجهتان الرئيسيتان للمليونيات العربية. أمير قطر هو الموجّه لقناة الجزيرة ثمّ تحوّل إلى أكبر مزود للثورات العربية بالأسلحة. لم تعد الجزيرة و العربية قنوات إخبارية ولكن محركاً ويداً ضاربة للثورات طالما أن هذه الثورات ليست موجهة ضد المشايخ في الخليج أو ضد السعودية. قطر هي في المقام الاول قاعدة أمريكية جيوستراتيجية وفي المقام الثاني هي دولة عربية صغيرة تعدادها عدة مئات من الألاف من السكان).

ثم يتحدث عن التقارير الكاذبة التي بثتها الجزيرة والعربية وتحقق بنفسه من كذبها حيث يقول (خلال الأسابيع الأربعة التي قضيتها في سوريا في شهري يونيو/حزيران ونوفمبر/تشرين الثاني 2011 كنت شاهدا على الكثير من التقارير الكاذبة التي لو أردت تدوينها لملأت صفحات كتاب). ويسرد في دراسته الكثير من تلك التقارير التي تأكّد بنفسه أنها ملفقة.



5– يستعرض تودنهوفر لعبة الغرب في تلفيق الأخبار لتبرير عمل عدواني محدد ثم يجري تناسيها بعد أن تحقق أغراضها، ويضرب لذلك مثلين صارخين حيث يقول (إدّعى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية السيد مورينو أوكامبو وإدّعت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة السيدة سوزان رايس أن جيوب جنود القذافي كانت مليئة بالفياغرا من أجل إغتصاب النساء، والحقيقة لم تكن كذلك، وأصلا القتلة ومغتصبو النساء لا يحتاجون للفياغرا، وهكذا إختفت رواية الفياغرا من عناوين الأخبار بعد أن أدّت غرضها في تبرير قيام قوات الناتو بتدمير دبابات القذافي في مداخل مدينة بنغازي، بالضبط كما حصل في كذبة (حاضنات الأطفال) الكويتية التي استخدمت ضمن مبررات شن حرب الخليج الثانية).



ثالثا : ملاحظات على الدراسة :

1– يبقى المفكر والمثقف الغربي، مهما كانت حصانته المبدأية وسلامة تفكيره ومنطقه، متأثرا بشكل أو بآخر وبوعي أو بدون وعي ببعض الصور النمطية والمسلمات الغربية، وأدناه بعض ما يؤخذ على هذه الدراسة، ولعل القاريء سيجد غيرها :

1– عنوان الدراسة يقول إن الثورات العربية تأخرت 222 عاما عن الثورة الفرنسية، وهذا يفصح عن إقتناع ضمني للكاتب بإن أوربا هي النموذج ومعيار الحكم على بقية أجزاء العالم، وبالنتيجة فهو يربط بشكل غير موضوعي بين السياق التاريخي لتطور الأمة العربية وذلك الخاص بالأمم الغربية متجاهلا الخلفيات الفكرية والثقافية المختلفة للأمتين. فخلال القرون الثلاثة الأخيرة، مثلا، تداخل كفاح العرب ضد الإستعمار الخارجي مع كفاحهم ضد الاستبداد الداخلي، بينما لم تشهد اوروبا غزوا أجنبيا خلال هذه الفتره وكان كفاح شعوبها يتركز على معارضة الاستبداد الداخلي وتحقيق الديمقراطية. إن إستعراض ثورات العرب في القرن الثامن عشر ضد الستعمار العثماني والبريطاني والفرنسي والاسباني والايطالي يؤكد أن ثورات العرب تزامنت مع، إن لم تسبق، الثورة الفرنسية. وبالمقابل، وعلى العكس مما كان متوقعا، فإن الثورة الفرنسية أنجبت نظاما عمل على إحتلال بلدان عربية مثل مصر والجزائر وثار العرب ضد المستعمرين الفرنسيين. إن سياسة الغرب في إجهاض سعي العرب للحرية والديمقراطية يزداد شراسة مع تنامي كفاح العرب لنيل الحرية، ورأينا كيف يواصل الغرب دعم الاحتلال الصهيوني لفلسطين ومنع الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، وكيف غزا الغرب العراق لإجهاض تجربته الوطنية، وكيف دعم الغرب إنفصال جنوب السودان، لا بل وكيف يسعى الغرب الآن لمصادرة الثورات العربية لتحويلها إلى (فوضى خلاّقة).



2– يعتبر تودنهوفر ثورات (الربيع العربي) بداية عصر الديمقراطية، ويضع جميع الأنظمة العربية في خانة الإستبداد والتسلط متجاهلا الإختلافات في الوضع السياسي بين الدول العربية، فهناك أنظمة ملكية وراثية إستبدادية وهناك جمهوريات تقودها احزاب شعبية تقدمية وضعت بلدانها على طريق الديمقراطية والتنمية.



3– مع إقرار تودنهوفر أن الثورات العربية هي في جانب منها ثورة الفقراء ضد الأغنياء، إلا أنه لم يتطرق إلى حقيقة أن الذي سبب إفقار الملايين في الوطن العربي وفي دول الجنوب عموما هم اغنياء دول الشمال، وثورة الفقراء على أغنياء الداخل لن تنجح في إزالة الفقر وتحقيق المساواة في داخل المجتمعات العربية طالما أن سبب الفقر الرئيس خارجي ويتعلق بظلم النظام الإقتصادي العالمي حيث تتعمق الفجوة الإقتصادية بين بلدان الشمال الغنية وبلدان الجنوب الفقيرة المحرومة من الوصول إلى روؤس الأموال والتكنولوجيا والأسواق العالمية. ومعلوم إن الفقر ونقص التنمية يزيد التخلف السياسي والثقافي والإقتصادي ويقود إلى الإحباط ويشجع قيام صراعات داخلية جديدة. إن حرب الفقراء على الأغنياء يجب أن تكون عالمية تتوحد فيها مظاهرات ميادين التحرير العربية مع حركات (إحتلوا الوول ستريت) الغربية.



4– بدا الدكتور تودنهوفر متحاملا بعض الشيء على العقيد القذافي ونظامه، وقال إن القذافي توعّد بملاحقة الثوار (زنقة زنقة) ثم إنتهى الأمر بأن لاحقه الثوار زنقة زنقة. والحقيقة هي أن حلف الناتو هو الذي لاحق القذافي زنقة زنقة، أما المتمردين فكانوا كالكومبارس يملأون المشهد لإغراض إعلامية بينما الجهد العسكري موكول للناتو الذي حوّل هذا التمرد إلى مناسبة لتصفية الحساب مع القذافي وللإغارة على أهداف مدنية وإقتصادية لإعادة ليبيا إلى عصر ماقبل الصناعة. ومن باب الإنصاف القول أن الدكتور تودنهوفر وبعد نجاته من قصف قوات القذافي عقد مؤتمرا صحفيا في بنغازي وآخر في القاهرة قال فيه ان قوات القذافي تستهدف المدنيين ولكنه يحذر الثوار الليبيين من طلب المساعدة من حلف الناتو لإن للناتو اهدافا غير أهدافهم وان نقاء الثورة ومبدئيتها ستتلوث بطلب المساعدة من الناتو.



رابعا : تودنهوفر يتعرض للإعتداء في ميدان التحريرفي مصر :

يبدو أن تجربة الدكتور تودنهوفر مع الربيع العربي لن تقف عند حدّ، ففي يوم 25/1/2002 عاد تودنهوفر للمشاركة في إحتفالات شعب مصر بالذكرى السنوية الأولى لثورة يناير، وفي ميدان التحرير المكتضّ بمئات الألاف من البشر إعترضه بعض الغوغاء و(البلطجية) وإعتدوا عليه بالضرب وكسروا نظارته وحاولوا سرقة نقوده وهاتفه، كما هجموا على مرافقته المصورة الألمانية وجردوها من ثيابها وحاولوا إغتصابها لولا تدخل بعض الثوار الذين أنقذوهما. هذ الحادثة لم تكن الوحيدة في ميدان التحرير ذلك المساء، فقد سجلت عشرين محاولة إغتصاب، وهي تعطي صورة عن إندساس الغوغاء في الثورة أو حتى خيانة الثوار لمبادئهم والتي تطرق اليها تودنهوفر في دراسته وحذّر منها. الرائع في هذا الرجل ومرافقته أنهما لم يصابا بالإحباط نتيجة هذا الأعتداء الوحشي، بل تحمّلا هذه التجربة المريرة برضا وواصلا لقاءاتهما مع الشخصيات السياسية ومع شباب الثورة. ولم ينس تودنهوفر علاقته الخاصة بالعراق فقد خص قناة (الرافدين) العراقية المجاهدة بمقابلة تلفزيونية أكّد فيها حبّه للعراق وتضامنه مع شعب العراق في التحرر من الإحتلال، وإستعرض في المقابلة كتبه الثلاث التي أصدرها عن العراق : الأول عن آثار الحصار الظالم على شعب العراق وعنوانه (من يبكي على عبدول وتانايا) والثاني عن الغزو الأمريكي للعراق والمآسي الإنسانية التي خلفها وعنوانه (آندي ومروه) والثالث عن المقاومة العراقية وعنوانه (لماذا تقتل يا زيد) والذي كتبه بعد أن عاش أياما مع المقاومين العراقيين في الرمادي. كما إستعرض آخر كتبه وعنوانه (بعبع الإسلام) الصادر أواخر عام 2011 وفيه يكشف فيه زيف ربط الإرهاب بالعرب والمسلمين ويوثّق إرهاب الغرب ضد العرب والمسلمين منذ الفترة الإستعمارية لحد الآن..

خامسا : أدناه ترجمة دراسة الدكتور تودنهوفر:

كيف وصلت الثورة الفرنسية الى العالم العربي بعد 222 عاما

بقلم الدكتور يورغن تودنهوفر

ترجمة الدكتور عبد الواحد الجصاني

كبت الحريات

بعد تفجّر الثورة الفرنسية عام 1789، وما تلاها من ردّات دموية لا تحصى، إحتاجت فرنسا ثمانين عاما لتصبح ديمقراطية حقيقية، واحتاجت ألمانيا مائة وثلاثين عاما، أما الوطن العربي فقد إحتاجت الثورة الفرنسية مائتان وإثنان وعشرين عاما لتصل اليه.
لم يكن نشرالحرية والمساواة والاخاء وإدخال الديمقراطية إلى الوطن العربي جزءا من أهداف الغرب المحتل، فبالنسبة للغرب الحرية لا تعني مطلقا (التحرر منّا). وعندما إنتهت فترة إستعمار الغرب المباشر للبلدان العربية، تحوّل الغرب إلى دعم الملوك والحكام المستبدين العرب الذين كانوا مستعدين لتبني سياسات الغرب الخارجية مقابل حصولهم على السلاح والمال. ولغاية بداية عام 2011 ساعد الغرب بلا خجل الدكتاتوريات العربية على قمع شعوبها، لا بل إستخدم الغرب الأجهزة الأمنية للأنظمة الدكتاتورية العربية كمراكز متقدمة له لممارسة التعذيب، وقام سرا بنقل المتهمين بالإرهاب، وأغلبهم أناس أبرياء، الى دول شمال أفريقيا لإن الغرب يعتبر حكامها الدكتاتوريين هم افضل من يعذب المعتقلين. وكانت زنازين معمر القذافي لغاية وقت قريب مراكز تعذيب مشهورة. وبمقابل خدمات القذافي في التعذيب إستجيب لبعض نزواته : زوده ساركوزي بسيارة مصفحة تشبه سيارة المارسيدس الشبح من التي يحلم بها جميع قادة المافيا. أما وتوني بلير فقد أرسل أحد معارضي نظام القذافي إلى حتفه، والمانيا زودته بأحدث الأسلحة وكذلك فعلت بقية دول حلف الناتو وروسيا أيضا. ويشاء القدر أن ينفجر صاروخا من تلك الأسلحة على سيارتنا في ليبيا ويحولها الى كرة من نار ويقتل صديقي عبد اللطيف.
عبد اللطيف الهادي الجعكي رجل أعمال دائم الإبتسام من بنغازي كان مضيفنا خلال زيارتنا الى بنغازي في مارس/آذار 2011، وكانت لازمته المحببة عند الحديث هي (ولم لا!)، وبها أجابني عندما سالته إن كنا نستطيع الذهاب من بنغازي إلى البريقة، وهي مدينة نفطية ليبية تقع على مسافة 190 كيلومترا جنوبي بنغازي كانت قوات القذافي قد إحتلتها لأيام وسمعنا أنها تحررت. وإنطلقنا إلى البريقة، وقبل الوصول إليها بمسافة 25 كيلومترا وفي منطقة وادي اللهب شاهدنا خمس سيارات مدنية دمرت توا ولا زالت النار تشتعل فيها، فنزلنا من سيارتنا لمعرفة ماذا حصل ولإلتقاط بعض الصور، وفجأة إنهمر الحجيم علينا فسقط صاروخ أرض - أرض على سيارتنا، وكان عبد اللطيف قد عاد إليها لتوّه اليها لجلب شيء ما، ثم إنهمر وابل من القذائف عليّ وعلى مرافقيّ وهما المصوّرة الصحفيّة الألمانية يوليا ليب والشاب الليبي يوسف. وبدا وكأن جنود القذافي يستهدفون إبادة جيش كامل. وإستمر سيل القذائف المضادة للجو والرمانات والصواريخ لثلاث ساعات، وإختبأنا خلف كثيب رملي منحنا الحماية وانقذ حياتنا. وعندما حل الظلام هربنا عبر الصحراء إلى بنغازي.

وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2011 عدت من جديد الى وادي اللهب حيث موقع المعركة السابقة ووجدت العديد من القنابل وفوارغ القذائف وكثير منها مصنوع في الغرب. لقد إستخدم القذافي الأسلحة التي استوردها من الغرب ومن الشرق ضد شعبه وضد غيرهم، وسيستمر حكام مستبدون آخرون في البلدان العربية بإستخدام الأسلحة المشتراة من الغرب بنفس الطريقة، ولحدّ اليوم لا زال الحكّام المستبدون القساة العرب يحظون بدعم الغرب في قمع شعوبهم.


فترة التسامح

لعقود طويلة تعرضت الشعوب العربية للظلم والإذلال من حكام ما بعد الفترة الإستعمارية. هذه الأنظمة الظالمة دأبت على قمع الإنتفاضات التي تحصل بين الحين والآخر بوحشية وبلا هوادة. وفي بلدان مثل سوريا وليبيا والعراق والجزائر تعايش كثير من الناس في النهاية مع تركيبة السلطة هذه، والبعض منهم إستفاد منها. وهكذا كان على الشعب العربي أن يرزح تحت أعباء 222 سنة من الاستعمار ومابعد الاستعمار والدكتاتوريات. لم ار بحياتي شعبا بمثل هذا الصبر!

تنقلت بين البلدان العربية خلال الخمسين سنة الأخيرة، حتى اصبحت وطني الثاني تقريبا. في عام 1960 كنت في مدينتي الجزائر وقسنطينه شاهدا على حرب الجزائر، وكنت شاهدا على الأزمة الدموية الفرنسية – التونسية في بنزرت عام 1961، وعبرت صحراء الجزائر على ظهور الإبل، وكتبت كتابا عن حرب العراق وأنا مقيم في أطراف صحراء المغرب، ولمرات لا تحصى زرت سوريا ومصر، وخاصة خلال العقد الماضي، ولم يكن هناك شيء ينبيء بإن العاصفة قادمة.



ثورة المستضعفين

وصل تراكم الإحباط والإذلال في النهاية إلى درجة تفوق التحمل، حصل ذلك قبل أن يحرق بائع الخضار نفسه وقبل جريمة قتل صاحب صفحة على الإنترنت بوقت طويل، ليقود تراكم المرارات الى إنفجار كالبركان في تونس ثم في مصر.
إنطلقت فجأة رياح الثورة وبما يشبه المعجزة أو كحرائق الغابات بين مجموعة من البشر تعدادها مائة أو ألف أو عشرة آلاف من المستضعفين الذين طغى عليهم شعور يصعب وصفه وغيرقابل للتفسير المنطقي بالقوة الجماعية التي لا تقهر. وهكذا تمكنت جرثومة الديمقراطية والحمّى الثورية المصاحبة لها من الجماهير ولم يعد ممكنا الإفلات منها. مرة قال لي عبد اللطيف وهو يبتسم : فجأة وبدون سابق إنذار أصبح الأمل أكبر من الخوف.

ورغم حقيقة أن الثوار لم يكونوا أغلبية، فأغلبية الشعب نادرا ما تكون ثورية، ولكن روح الثوار المعنوية المؤمنة بالنصرإنتشرت بين الجماهير كالنار في الهشيم، وأصبحت مثل عاصفة النار أو الزوبعة أو الطوفان أو مثل الوباء ينتشر من مدينة الى مدينة ومن بلد لآخر. من كانوا مستضعفين مهمشين أذلاء ها هم اليوم يتحدّون حكامهم وهم انفسهم مندهشين من هذه الشجاعة والقوة التي إعترتهم فجأة.

في البداية إعتقدت ان الثورة التونسية كانت إستثناء ولكن عندما نزل مئات الآلاف من الناس الى الشوارع في مصر وطالبوا بالحرية والديمقراطية شعرت بإن الحظة التي إنتظرتها طويلا قد أتت أخيرا. لقد قرر الشعب العربي أن يتخلص من نير الدكتاتورية، ولذلك سافرت فورا الى القاهرة ومنذ ذلك الوقت قضيت ما مجموعه أربعة أشهر في تونس ومصر والمغرب وليبيا وسوريا، وكنت دائما بجانب الثوار. وجدت أن الكثير من الأشياء التي أعرفها عن الثورات الأوربية تكررنفسها هنا في شارع الحبيب بورقيبه في تونس العاصمة وفي ميدان التحرير في القاهرة وفي ساحة التحرير في بنغازي، حتى الرموز وصور الأطفال والمراهقين وهم يلوحون بالأعلام كانت متشابهة، بل وحتى أعمال التخريب كانت متشابهة ولا تشكّل إستثناء، مثلما حصل في ليبيا عندما قام الثوار في فورة الإنتصار بتدمير النصب والتماثيل والأبنية وقطع فنية لا تقدر بثمن متناسين أنهم أصبحوا الآن مالكين لها. عندما ذبح الثوار القذافي كما يذبح الكلب الضال فإنهم بذلك لم يكونوا أفضل من جلاّديهم، فقبلهم تنكّر ثوار الثورة الفرنسية لمبادئهم بطريقة مشابهة.



لا عقلانية الثورة

الثورة العربية، مثل جميع الثورات، تشبه المعجزة بقوتها وتأثيرها السحري والصوفي وحتى الديني. ورغم مكابرة الكثيرين فلا بد من إقرار حقيقة أن لا أحد يمكنه أن يدعي القدرة على تفسير ما حدث، ولا حتى الحكام ولا الثوار أنفسهم. من الصعب أن يفسّر أحدنا بشكل دقيق ما حدث ويحدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا.
الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون كان أول من عمل تشريحا عقلانيا لما أسماها (سايكولوجية الجماهير) وإستنتج أنها تتجاوز أي منطق عقلاني. لنتذكر الثورة السلمية في جمهورية المانيا الديمقراطية أو ما سميت (معجزة توحيد ألمانيا)، ألم نشعر وقتها إن ما حصل تجاوز كل منطق؟ فالاندفاع الذي يشبه الصحوة الدينية للجماهير في المانيا جعل جميع القادة السياسيين تقريبا يقفون عاجزين، قليل منهم فقط إستطاع ركوب الموجة المعجزة للثورة والإدعاء فيما بعد أنهم (آباء الثورة) و (آباء الوحدة الألمانية) متناسين كيف كانت مواقفهم قبل التغيير.

في مطلع شهر مارس/آذار 2011 كنت في الرباط والتقيت بقائد المعارضة المغربية عبد الإله بن كيران في مكتبه المتواضع، وبينما كنا نستمتع بشرب الشاي بالنعناع سألته إن كان يستطيع أن يفسر ما يجري في الوطن العربي، فما كان من الرجل الأريحيّ ذو اللحية الخفيفة الرمادية إلا أن أطلق ضحكة وقال : لا أعرف. وعذرته فلربما كان يتوقع مني أن أعطيه تفسيرا باعتباري كنت شاهد عيان على الثورة المصرية، أو قد يكون مبالغا في تواضعه. بعد هذا اللقاء فاز ابن كيران في الانتخابات البرلمانية وجرت تسميته من الملك محمد السادس لتشكيل الحكومة الجديدة، فهل إستوعب الملك الثورة؟



حتمية الثورة الديمقراطية

إن الحكام الذين يفشلون في إدراك ديناميكية السلوك الجمعي في الثورة الديمقراطية في الوقت الصحيح، مثل قادة تونس ومصر، يكون رد فعلهم بطيئا وبذلك يفقدون فرصتهم وعندها تقوم القوة الجارفة للجماهير الثائرة بإزالتهم. وفي الحقيقة جميع الحكام بشكل عام يبالغون في تقدير قوتهم.


إن حكاما، كملك المغرب وملك الاردن، الذين يحاولون منع حدوث الاصطدام من خلال تنازلات ذكية لربما يكسبون وقت نجاة ثمين، ولكن حتى بالنسبة لهم إذا لم يواجهوا إستحقاق الانتخابات الحرة وإذا لم يقبلوا بتحديد سلطاتهم مثلما يحصل في الملكيات الدستورية، فعند ذلك سوف تقوم الثورات الديمقراطية ذات الجاذبية السحرية- الصوفية بإزالتهم.
الحكام المستبدون الذين يعتمدون حصريا على القوة العسكرية، مثل الثائر السابق معمر القذافي، لا فرصة للنجاة لديهم، فالثورة تأكل أبنائها كما يقال. اراد القذافي أن يلاحق المتمردين (زفقة زنقه) ولكنهم لاحقوه في النهاية زنقة زنقه. وحتى في الأنظمة الاستبدادية التي تواصل ديمومتها بفضل المزاوجة بين استخدام القوة الغاشمة وتقديم المنافع المادية للجماهير، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية أو البحرين، فإن المهمشين المقهورين والذين لا وصوت لهم سوف لن يفرّطوا بالثقة بالنفس والمعنويات العالية التي إكتسبوها.الشرارة الثورية ستستمر في التوهج في قلوب جميع العرب. قال لي رجل أعمال سوري : مهما تكن نتائج الثورة الحالية فسوف لن يعود الوضع إلى ما كان عليه سابقا.


الديمقراطية هي أكثر أشكال الحكومات نجاحا في عصر الصناعة والإعلام الحالي. الهياكل الاستبدادية المتحجرة لعصر ما قبل الصناعة لا تستطيع مواجهة تحديات عالمنا الصناعي الحالي، وهذه حقيقة لم أكن يوما مقتنعا بها كمثل إقتناعي بها خلال الأشهر الأربعة التي كنت فيها شاهدا على معركة العرب من اجل الديمقراطية.
يشاهد العرب بشكل يومي، عبر الفضائيات، الحرية التي ينعم بها الآخرون ويتساءلون أين حريتنا؟ وحتى الديمقراطيات الغربية، التي تعاني من المديونية وعدم الثبات والمخادعة وما تتصف به أحيانا من نخب سياسية غير كفوءة، تبقى نموذجا يحلم به العرب كون البشر في هذه الديمقراطيات مواطنون وليسوا رعية، وأن مجتمعاها، رغم مظاهر الإنحدار فيها، تشهد تقدما لا يشوبه فساد كبير. 
حتى لواحتاج التغيير في العالم العربي الى عقود، أو أكثر، كما حصل في أوربا، فإن زمن الملوك والسلاطين والحكام غير المنتخبين والحكام الذين يعينون أنفسهم وصل إلى نهاية مؤكدة ولم يعد لهم مكانا على المسرح السياسي الدولي. لا يمكن إيقاف انتصارات الديمقراطية. الديمقراطيات العربية الجديدة ستواصل مسيرتها مع ما يعتريها من آثار وتركات الماضي التي تتخفى تحت أسماء وأقنعة جديدة لا تتوافق مع مفاهيمنا الدستورية. إن إزالة ظلم الماضي لا يكفي لوحده لنجاح الأشكال الجديدة للحكومة. الديمقراطية لا تأتي بالضرورة بإنجازات سريعة ولكنها بالتأكيد تملك أفضلية حاسمة على الأشكال الإستبدادية للحكم، فهي تسمح بتنفيس الإحباط، وفيها دائما بديل لعنف الثورة ودمويتها وهذا البديل هو التصويت السلمي لإسقاط الحكام أي هزيمتهم بالإنتخابات بدلا من تقديم خمسين ألف ضحية لتحقيق هذا الهدف كما حصل في لليبيا.



الثوار

التحدي الأكبر أمام الثورات العربية هو البطالة والشباب الخريجين الذين يجدون آفاق المستقبل مغلقة أمامهم. هؤلاء الشباب غالبا ما يكونوا متأثرين بالغرب أو حصلوا على تعليمهم فيه. بعض الثوار الذين التقيت بهم في ميدان التحرير في ذروة الثورة المصرية كانوا يتحدثون الألمانية، وظهر لي أنهم يشاهدون التلفزيون الألماني، أحدهم هتف بي وبمرافقيّ في وسط الجماهير المحتشدة قائلا (يا سيد تودنهوفر شكرا لمشاركتك في ثورتنا) وكنت بالغ الإندهاش، ثم فهمت منه أنه شاهد قبل أسبوع أحد البرامج الحوارية الألمانية التي شاركت فيها وكان النقاش حول مصر.

وسائل الإعلام حوّلت عالمنا الى مجتمع صغير، او لنقل على الأقل أصبح العرب يعرفون الغرب جيدا. كان الشباب العربي خلال التظاهرات يخبرونني بآخر نتائج مباريات الدوري الألماني. الشباب الثوري يتلقى الدعم من الطبقات الفقيرة من سكان أحزمة الفقر حول المدن الذين سبب تفكك البنى التقليدية للمجتمع وتوسع المدن إفقارا متواصلا لهم. الطبقة الحاكمة التي كانت في السابق تعتبرهم رعاع، أخذت الآن تغازلهم، لكن فقراء المدن فضّلوا التحالف مع الشباب الأكاديمي الذي يشتركون معهم في صفة البطالة والتهميش. هناك حقيقة أقر بها حتّى (مترنيخ) وهي إن الثورة الديمقراطية في جانب منها حرب الفقراء على الأغنياء.

قبل أيام من الانتخابات البرلمانية في مصر التي جرت أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2011 عدت من جديد الى ميدان التحرير في القاهرة، وهذه المرة كان أغلب المتواجدين فيه من الطبقة الفقيرة، وكانوا يحملون حنينا وشوقا إلى تلك اللحظات من القوة المطلقة ليوم الحادي عشر من فبراير/شباط 2011 عندما إستطاع من لا أسماء ولا وجوه ولا أهمية لهم أن يسقطوا الفرعون مبارك.

وتماما كما حصل في الثورة الفرنسية التي قامت قبل 222 عاما، فإن الثورات العربية فجّرها أناس لا إنتماء سياسي محدد لهم، إنهم من نخبة البرجوازية الصغيرة : مثقفون وشباب وأطباء ومهندسون يدعمهم، في الغالب، مواطنون يعيشون في الخارج وكذلك القوى الأجنبية المهتمّة. في القاهرة أنشأ الأطباء مستشفيات مؤقتة في قلب ميدان التحرير يقدمون فيها الاسعافات الأولية لجرحى المتظاهرين ويشدّون من عزيمتهم. شاب ليبي طالب في الدراسات العليا في القانون هو الذي نظّم مؤتمري الصحفي مع الثوار في بنغازي. في دمشق تحدثت حتى آخر الليل مع شاب فنان يسافر بإنتظام إلى واوربا لينقل رسائل الثوار إلى المعارضة في الخارج. هذه النخب الصغيرة أخذت المبادرة وحرّضت الجماهير ونظّمت المظاهرات وادامت الإتصالات مع الإعلام ومع الدول الخارجية. نادرا ما تبدا الأمة ثورتها بنفسها. الجماهير بحاجة إلى قيادة وتوجيه هذه المجموعة الصغيرة من النخبة زبدونها ستفقدالجماهير الفرصة. الشعوب لديها أحلام ولكنها لا تعرف السبيل لتحقيقها.

لسنين طويلة صوّر إعلامنا المجموعات الإرهابية المتطرفة المتكاثرة، كالقاعدة، على أنها الخصم الخطير للحكام المستبدين في الدول العربية، والهدف من ذلك هو شرعنة دعمنا لهذه الأنظمة. هذه المنظمات الإرهابية لم تكن جزءا من الثورات العربية. قلت لثائر ليبي شاب مظهرك يشبه مقاتلي القاعدة فأبدى إنزعاجه لمقارنته بمجرمي القاعدة وقال إن إي ثائر ليبي لا يقبل هذه المقارنة وإنه لم يحلق لحيته لإنه أصلا لا يملك الوقت الكافي للنوم ولا يهتم بأمر اللحية. في الحالات النادرة التي خرج فيها الإرهاب من حجوره لركوب الثورة إستطاعت الثورة تنحيته جانبا. الثورة لم تكن ضد الحكام المستبدين فحسب بل وكانت ضد الإرهابيين الذين تجاسروا وتحدثوا بإسم العالم الإسلامي، وهي بالنتيجة ثورة ضد الصورة المشوهة التي صنعها الغرب بعناية عن بعبع سمّاه الإسلام.



تأثير الإعلام

جرى تسريع دوران عجلة الثورات وإمتداد تأثيرها بشكل هائل من قبل الإعلام الحديث، وهذا ليس أمرا جديدا، فحتى في أيام الثورة الفرنسية كان هناك حديث عن دور الإعلام في الثورة ولعبت المئات من الصحف والمجلات والكتيبات والملصقات والبوسترات والرسوم الكاريكاتورية، التي إنتشرت بشكل فجائي، دورا مؤثرا في الثورة الفرنسية.

واليوم، أصبحت سلطة الإعلام أكبر، ففي شمال أفريقيا إعتمدت الثورة بالدرجة الأساس على التلفزيون، الذي كان دورة في (المليونات العربية) أكثر أهمية من الأنترنت. ففي ليبيا، على سبيل المثال، جرى قطع خدمة الأنترنت كليا في أيام الثورة، وكان التنظيم والإتصالات تجري من خلال الهواتف النقالة والمساجد والتلفزيون. كان الناس يتظاهرون خلال النهار وفي الليل يشاهدون وقائع الثورة على شاشات القنوات الفضائية التي تنقل أخبار الثورة بشكل مستمر، وإن تحولت عنه فيكون ذلك لنقل أخبار بطولات دوري كرة القدم الأوربية أو أية أحداث كروية مهمة.
إن الفهم السائد في الغرب بأن الثورة المصرية كانت (ثورة فيسبوك) هو فهم يثير السخرية وخاصة لدى الشباب المصريين. في البدايات الاولى للإنتفاضة لعب الفيسبوك دورا مهما كوسيلة للإتصال، ولكن كانت هناك وسائل إتصال أخرى كالهواتف النقالة والمنشورات والإعلام الشفاهي. وكما حصل في جميع التظاهرات اللاحقة تحول الفيسبوك إلى وسيلة من ضمن وسائل عديدة أخرى من وسائل الإتصال، مع أن الفيسبوك وسيلة إتصال مجانية لم تجن منها شركات التسويق التجارية العالمية أرباحا.

أمّا قناتا (الجزيرة) و (العربية) فقد كانت أهميتهما إستثنائية، فهما الموجهتان الرئيسيتان، عن قصد، للمليونيات العربية. أمير قطر هو الموجّه لقناة الجزيرة ثمّ تحوّل إلى أكبر مزود للثورات العربية بالأسلحة. لم تعد (الجزيرة) و(العربية) قنوات إخبارية ولكن محركاً ويداً ضاربة للثورات طالما أن هذه الثورات ليست موجهة ضد المشايخ في الخليج أو ضد السعودية. قطر هي في المقام الاول قاعدة أمريكية جيوستراتيجية، وفي المقام الثاني هي دولة عربية صغيرة تعدادها عدة مئات من الألاف من السكان.
تعمل (الجزيرة) و(العربية) بالتناغم مع بعض الشبكات الإخبارية الغربية لصب الزيت على النار، فهي تضخّم الثورة وتعطيها حجما أكبر واقوى من حجمها الحقيقي، وتطلق رسائلها وتقاريرها الثورية بشكل يومي بطريقة الحملة المنظّمة لتصل الى بيوت الناس في الوطن العربي. هي في أحيان تكون القوة الدافعة وفي أغلب الأحيان تكون القوة التي تنشر المبالغات عن الثورة. أحيانا إستنادا إلى سياسة المحطة نفسها، ولكن في أغلب الأحيان بناء على حسابات سياسة القوة الدولية. ومعلوم أن الثورات تزدهر بدعم الإعلام بمبالغاته عنها وبشيطنته للحكام الظالمين وبالتفريق السطحي بين الأخيار والأشرار.
هناك من يرى أن الظالم لا يجب أن يعامل بعدل وموضوعية وصدق، وهكذا في الثورة كما في الحرب تكون الحقيقة هي الضحية الأولى ويجري تجاهلها بلا تحفظ بينما تزدهر روايات المجازر والرعب وأحيانا تختلق إذا دعت الضرورة لذلك. الدعاية الثورية تكون دائما أحادية الجانب والجرائم تنسب دائما إلى الطرف الآخر فقط، بينما جرائم الثوار يتم تجاهلها. أفلام (اليو تيوب) يجري التعامل معها على أنها حقائق دامغة وأصيلة مع أنها لا تعتبر دلائل أو قرائن في أية قاعة محكمة محترمة. منذ الثورة الفرنسية كانت الثورات أفضل فرصة لمروجي القصص الكاذبة أو (حكواتية العصر الحديث). إدّعى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية السيد مورينو أوكامبو وإدّعت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة السيدة سوزان رايس أن جيوب جنود القذافي كانت مليئة بالفياغرا من أجل إغتصاب النساء، والحقيقة لم تكن كذلك، وأصلا القتلة ومغتصبو النساء لا يحتاجون للفياغرا، وهكذا إختفت رواية الفياغرا من عناوين الأخبار بعد ان أدّت غرضها لتبرير قيام قوات الناتو بتدمير دبابات القذافي في مداخل مدينة بنغازي، بالضبط كما حصل في كذبة (حاضنات الأطفال) الكويتية التي استخدمت ضمن مبررات شن حرب الخليج الثانية.

خلال الأسابيع الأربعة التي قضيتها في سوريا في شهري يونيو/حزيران ونوفمبر/تشرين الثاني 2011 كنت شاهدا على الكثير من التقارير الكاذبة التي لو أردت تدوينها لملأت صفحات كتاب. في أحد الأيام في شهر نوفمبر/تشرين الثاني أذاعت قناة الجزيرة خبرا يقول إن خمسة قتلى مدنيين نقلوا إلى المستشفى العام في مدينة حمص، فهرعت في الحال إلى المستشفى المقصود فأخبرني الأطباء أنهم لم يستقبلوا اي جريح أو قتيل، وكذا الأمر مع بقية مستشفيات المدينة، ولما اخبرت أحد الأطباء أن مصدر هذا الخبر الكاذب هو قناة الجزيرة أشاح بوجهه عنّي ولم يعلق. لقد تحولت الجزيرة منذ وقت طويل إلى إعلام تابع لقوى دولية. لربما شعر هذا الطبيب الرائع أنه يجب أن لا يشغل نفسه بالرد على تقارير كاذبة، ومع ذلك فإن هذا لا ينفي حقيقة أن هذا الطبيب كان شاهدا على وفاة عدد غير محدود من الأبرياء في بقية الأيام، إنهم ضحايا القتل المجاني من كل الأطراف. في تشرين الثاني/نوفمبر2011 تحدثت الصحافة العالمية عمّا إدعته كارثة إنسانية نتيجة نقص المواد الغذائية في حمص فذهبت فورا الى حمص لإجد دكاكين المدينة مليئة باللحوم والخضار والفواكه. وفي رحلة تالية الى المدينة تحدثت مع أحد الثوار عن هذه الأخبار الملفقة فضحك وقال لي لا تلم قناة الجزيرة فقد كنت أنا واصدقائي من زودها بهذه المعلومات.

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول 2011 نشرت وسائل الإعلام الدولية أخبارا تقول أن سوريا منعت إستخدم أجهزة الهاتف من نوع (آي فون)، وعلى الفور إتصلت بشخص في دمشق ممن يستخدمون هذا الجهاز فأجابني بإن هذه القصة غير صحيحة وواصل الحديث من جهاز الآي فون عن الكثير من الإدعاءات الكاذبة التي ينقلها الإعلام الدولي.

لا شك أن الحكومة السورية تتحمل أيضا حصتها من المسؤولية عن هذه الفوضى الإعلامية. التقارير الإعلامية المضللة وأفلام اليوتيوب وصلت ذروتها عندما منعت الحكومة السورية وكالات الأنباء الأجنبية من دخول البلاد. ولا مناص من أن نذكر هنا إن مصداقية التلفزيون الرسمي السوري ليست بأفضل من مصداقية (الجزيرة) و(العربية).



دور القوى الإقليمية والقوى الكبرى

تحاول القوى الإقليمية والقوى الكبرى دائما أن يكون لها دور في سياق الثورات وأن توجهها من أجل أن تكون لها الكلمة الأخيرة في تحديد المنتصرين.
بعد أن فوجئت الولايات المتحدة بأحداث تونس ومصر حاولت أن تجعل من الربيع العربي فرصتها التاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق تصوراتها. ومعلوم إن الهدف الأساسي للولايات المتحدة ليس الديمقراطية بل تعزيز وحماية مصالحها في شرق أوسط كبير موالٍِ لها. حلفاء أمريكا مثل السعودية والبحرين ليس لديهم ما يخشونه من الغرب طالما إنه يسمح لهم بمواجهة الحركات الديمقراطية في بلدانهم بالهراوات.
وبالمقابل يتصرف الغرب بطريقة مختلفة عندما يتعلق الأمر بالثورات في دول معادية له، فهي تعطيه الفرصة للتخلص من الأنظمة التي تضمها قائمته للأنظمة المارقة، كما هي الحالة إزاء القذافي ثم الأسد، كما إنها تعطيه الفرصة، من جديد، لحمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان وتشكيل تحالفات (مقدسة) للدفاع عن الديمقراطية، وهو بذلك يكرر ما فعلته القوى الأوربية الكبرى في القرن التاسع عشر عندما أنشأت (التحالف المقدس) للدفاع عن الأنظمة الملكية.

وبنفس الحماسة الزائفة يقوم الغرب بدمج هدفي الديمقراطية والتدخل الأجنبي في عملية قذرة واحدة تطير بجناحي الكذب.

وحتى عندما تساعد بعض القوى الكبرى الثوار من اجل تحقيق الإنتصار فغالبا ما يسرقون منهم ثورتهم في النهاية، إنهم لا يكترثون بالحرية للمضطهدين أو لمن سماهم فرانز فانون (المعذبون في الأرض).



الطريق الصعب للديمقراطية

نادرا ما ينجح الثوريون في محاولتهم الأولى لتحقيق احلامهم بالحرية والكرامة والعمل والرفاهية، ونادرة هي الحالات التي يدرك فيها الثوار أن تغيير رأس السلطة لا يكفي بل يجب ان تصل الثورة الى عقول الناس. الثورة تحتاج لعقود وقرون لتنشيء الديمقراطية الحقيقية وسيادة القانون وفصل السلطات واحترام حقوق الإنسان، وغالبا ما تحتاج لوقت اكثر لكي تنضج ثمار الثورة. الثورات هي خطوات صغيرة في الطريق الطويل نحو دولة ديمقراطية دستورية، فالديمقراطيون في الغرب لا زالوا لحد اليوم يبحثون عن الديمقراطية الحقيقية، وخلال مائتي عام عانت أوربا من نكسات ودمار ودماء ودموع. إن الغربيين الذين، بعد أشهر فقط من الثورات العربية، يشيدون بنجاحاتها أو ينقمون عليها لا يعرفون شيئا عن تاريخ الثورات الطويل في قارّتنا الأوربية. العرب لن يصلوا في أشهر إلى ما إحتجنا أجيالا للوصول اليه، وتبقى الثورات العربية مهددة دائما بالإنتكاس والتحول إلى الإستبداد إذا تراكمت الآثار البغيضة للثورات. ومثلما عملت الديمقراطيات في الغرب يجب أن تتحول الديمقراطية في البلدان العربية إلى واقع معاش وأن يجري الدفاع عنها بشكل يومي دائم. الدكتاتوريات الشعبية هي أخطر عدو لجميع الديمقراطيات، وهي مرض يتربص بالديمقراطيات كظلها وبشكل أزلي وحتى ألمانيا لم تنفض، إلى اليوم، عن نفسها هذا الخطر بشكل نهائي.

هناك بدائل لدموية وبؤس وبربرية الثورة. الحكام العرب المهددون بالثورة اليوم يحتاجون أن يضعوا أنفسهم على رأس حركة الديمقراطية، وأن يتجرأوا في البدء بالثورة من القمة. ملوك السعودية والمغرب والأردن، وحتى الرئيس بشار الأسد، لا زالت الفرصة أمامهم للقيام بذلك،والفرصة لن تنتظر طويلا.

س أقبل عودتي إلى ألمانيا بقليل، وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول 2011 عدت إلى بنغازي وتجولت في ساحة التحرير وكانت مزينة بمئات الأعلام وآلاف الصور لقتلى الثوار. وشعرت وأنا أشاهد هذه الصور كأن عبد اللطيف ينظر إليّ بتساؤل. كانت هنالك لوحة كبيرة عليها شعار بالإنجليزية يقول (لدينا حلم) مع ان القلة في ليبيا يتحدثون الإنجليزية. صديقي أحمد، وهو شقيق عبد اللطيف، سحبني من أطراف قميصي وقال لي (قل لإصدقائك الذين صمموا هذا الشعار الجميل باللغة الإنجليزية بأن هذا الحلم هو حلمنا وقتلانا دفعوا حياتهم ثمنا من اجل ثورة عربية وليس أمريكية.

28 يناير 2012

رسالة الشعب إلى نوابه

سيد أمين

هذه رسالة الشعب إلى نواب الشعب، رسالة الشهداء وأمهات الشهداء، رسالة عيون فقئت، وأرجل بترت، رسالة استغرقت كتابتها واحد وثلاثين عامًا لكى يوجهها الشعب إلى نوابه الحقيقيين الذين اختارهم فى أول انتخابات حقيقية فى تاريخ مصر.. هى رسالة أم شهيد قضى نحبه فى السجون أو اقتطف القناصة زهرة حياتها، رسالة أب مكلوم قصم سوط الظلم ظهره، وردم الاستبداد ينبوع يقينه بإنسانيته، رسالة أبناء قتلت أو سحلت الماسونية أباهم فى هذا الركن النائى فى صعيد مصر أو دلتاها:

احملوا الأمانة فهى ثقيلة وليس لها إلا الأوفياء، كونوا على قدر المسئولية بألا تساوموا، فقد خان من ساوم على حق، ولا تهادنوا فقد ظلم من هادن ظالمًا، وركن فى وقت المعركة إلى الدعة والراحة، لا تلبسوا رداء الدبلوماسية فقد أفسدت أخلاق من قبلكم، وأوردتهم مهالك التاريخ لا سيما لو كانت البضاعة دمًا.

اعلموا أن شرعيتكم ما كانت لولا دماء البواسل، وأنها مهما سمت فهى أقل من شرعية ساحة الميدان الذى ألبسكم أرديتكم وأقعدكم مقاعدكم، وهو القادر الوحيد على نزعكم منها أو تثبيتكم عليها.

لا تتفرقوا، فالذئب لا يفترس إلا شاهًا شاردة، ولا تبتعدوا عن شعبكم فتنفصلوا عنه، وتذكروا أن من طار فعلا تبدد فى السماء، ثم سقط على الأرض.

لا تغرنكم المقاعد، فما دامت لمن قبلكم، ولا دامت لكم أو لمن بعدكم، وضعوا نصب أعينكم سير الأولين الذين لم يبغوا عرض الدنيا.

اختاروا بين أن يخلدكم التاريخ أو يلعنكم، بين أن يحفر أسماءكم فى ذاكرته بحبر من ذهب إذا ما انحزتم إلى شعبكم وبين أن يسطركم فى قوائم العار إذا انحزتم إلى سلطانكم ومنافعكم وتذكروا أن ما نما من سحت فالنار أولى به.

مصر الآن فى مفترق طرق، إما جنة وإما نار، إما عدل وحرية وتقدم وإما استبداد وعمالة وتخلف، وهذه فرصتنا التاريخية لصناعة دولة المساواة، دولة تقف على قدم وساق مع دول العالم المتقدم، لا تابعة لهم، دولة العلم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، اختاروا لمصر مكانة تستحقها والتاريخ لا ينسى.

وتذكروا أيضًا أن آية الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وإنكم إن أحتكمتم إلى من جاء بكم فقد احتكمتم إلى سلاح أمضى من دبدبة الدبابات وأزيز الطائرات وقرقعة البنادق، ومن رضى عنه شعبه نام قرير العين هادئ البال مرضيًا رب الشعب، كما نام الفاروق من قبلكم آمنًا.

لا تكونوا سوطًا تجلد به العدالة ولا صوتًا يزيف الحقائق، دماء الشهداء لا زالت تسيل والمجرمون ما زالوا طلقاء دون قصاص، وتأكدوا أن المجرمين ليس هم فقط من قتلوا، ولكنهم أيضًا هم من حرضوا ومن كتموا الشهادة ومن صمتوا ومن زيفوا الحقائق ومن فتتوا وحدة الناس الذين قال فيهم الرسول الكريم: «لا تجتمع أمتى على ضلالة»

وكذلك تذكروا قول الله تعالى: «من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا» وقوله أيضًا: «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب».

يا نوابنا فى البرلمان، نحن لا نريد منكم سوى العدل ولا رجاء فيكم دون العدل، ولا مهلكة لكم سوى ضياع العدل، فقد قدمه الخالق على الإحسان، وجعله اسمًا من أسمائه وصفه من صفاته.

أيها النواب.. ما سالت دماء ولا خربت بيوت ولا ثكلت أمهات أبناءها من أجل مجد شخصى لكم ولكن الضريبة الغالية دفعت من أجل مصر، ومن لا يعمل من أجلها بتجرد وإخلاص هلك ونال سوء المآل.

تمسكوا بالشعب تفوزوا.. تمسكوا بالشعب تفوزوا..


albaas10@gmail.com

09 يناير 2012

اعلان وثيقة التحرير بكل لغات العالم


اعلان وثيقة التحرير بكل لغات العالم
الشعب يبنى نهضته , قوم يا مصرى" شعار مؤتمر ثورى حاشد بقاعة المؤتمرات"

فى اطار الاستعدادات التى تجريها القوي السياسية والثورية والمجتمعية لاحياء فعاليات الذكرى الاولى لانطلاق ثورة الخامس والعشرين المجيدة .. تحت شعار" الشعب يبنى نهضته , قوم يا مصرى"  اتفق ممثلون للعديد من  القوي الثورية اثناء اجتماع اعمال اللجنة التحضيرية المصغرة أمس الاحد 8 يناير على عقد مؤتمر فى 21 يناير الجاري بهدف توثيق مسيرة الثورة منذ اندلاع شرارتها الأولى .
وقرر نحو 72 ناشط وممثل لحركة ثورية خلال اعمال اللجنة التحضيرية المصغرة  للمؤتمر ان يتضمن جدول اعمال المؤتمر المقرر عقده  من الساعة 8 صباحاً حتى الساعة 8 مساءاً فى قاعة خفرع بمركز القاهرة الدولى للمؤتمرات بمدينة نصر
تسجيل المشاركين 08:00 – 9:00
الجلسة الإفتتاحية 09:15 – 09:30 وتتضمن إعلان أسماء رؤساء جلسات المحاور – واختيار لجنة الصياغة
عرض المحور الأول 09:30 – 11:0 بعنوان العدالة الإجتماعية..  د/ أحمد سيد النجار 
إستراحة شاى 11:30 – 12:00
المحور الثانى 12:30 – 13:30 بعنوان الحرية.. د/ بهاء طاهر – أ/ خالد يوسف - أ/ عبد الحليم قنديل
المحور الثالث 13:30 – 15:00 بعنوان العيش.. د/ ممدوح حمزة
غذاء خفيف 15:00 – 16:00
المحور الرابع 16:00 – 17:30 بعنوان الكرامة الإنسانية.. د/ محمد نور فرحات
الجلسة الختامية 17:30 – 20:00.. وتعلن فيها رسالة التحرير الى العالم.. باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية والألمانية ووثيقة المؤتمر ويعدها د/ أسامة الغزالى حرب وأ/ جمال فهمى وأ/ عبد الله السناوى
ويقام على هامش المؤتمر معرض لصور ثورة 25 يناير والكتب التى التى تم نشرها عن الثورة
وللمشاركة فى اعمال المؤتمر عبر البريد الاليكترونى
فاكس: 37607239
للإستفسار: 37607238

05 يناير 2012

وكالة أنباء الشرق الأوسط : "رؤي فى الوطن والوطنية" حينما تكون الكتابة بالدم

 أ ش أ
عن مركز "يافا للدراسات والابحاث " صدر كتاب "روئ.. فى الوطن والوطنية" للكاتب الصحفى والناشط السياسى سيد أمين.
يحمل الكتاب عدة مقالات نشرت فى الصحف والمواقع الاليكترونية المصرية والعربية, ولأن تلك المقالات كانت – ولا زالت – تحمل اطروحات ذات قيمة بالغة سواء فى الدلالات والنتائج , رأى  الكاتب  اعادة نشرها لاسيما أن التاريخ لا يمكن التعرف عليه سوى بالنبش فى الماضى على اعتبار ان قراءة التاريخ هى دراسة مكثفة فى المستقبل.
ولأن تلك الروئ او الاطروحات كانت تحمل فى طياتها أنذاك طرحا موضوعيا , وفى أحيان قليلة للغاية طرحا منحازا – نظرا لكون الكاتب بشر يحب ويكره ويؤثر ويتأثر – كان من الواجب اعادة انتشالها من دائرة النسيان بهدف ترميم الذاكرة , وبالتالى طرحها مجددا على مائدة الحوار مع التنبيه الى أن كل رؤية أو بالاحرى مقال لا يجب أن نقرأها بمعزل عن الظروف السياسية والاقتصادية والفكرية السائدة وقت كتابتها , وذلك لأن تجريدها من تلك الحالة المحيطة قد ينتقص من قيمتها بشكل كبير.
ويقول الكاتب فى مقدمة كتابه الغنى بالأفكار والذى تظهر منه رائحة الخط الفكر القومى المحافظ والمتدين المعتدل انه "من ضمن الاشياء التى يجب علينا ان نذكر بها , أنه فى زمن الثورات لا تعد بطولة أو تفردا أن تقول "يسقط الطاغية" ولكن فى زمن الخنوع قد تعني الاشارة بأى قول يفهم منه الايحاء بطغيان الطاغية عملا فى غاية الجرأة والشجاعة".
ويرى الكاتب انه "رغم أن وسائل التفكير واحدة تقريبا بين الناس , الا ان ثمة اختلافا كبيرا فى معايير التفكير الحاكمة ومنتجاتها الامر الذى أوجد تمايزا بين البشر بعضهم البعض , وساهم فى اختلاف ترتيب الأولويات بين شخص وأخر ما أوجد بدوره تنوعا فكريا نجمت عنه الايديولوجيات الفكرية المسيطرة فى عالم اليوم.
ولأن الشجرة المزهرة على سبيل المثال يراها الناس بصور شتى ومنطلقات متعددة , فمنهم من يهتم بها جماليا واخر بوصفها كائنا حيا وثالث يعتبرها مصدر للطاقة ونتاج لعمليات حيوية معقدة , فان الكاتب  هنا يزعم انه لم ينظر قط الى ظاهر الاشياء ولكن تعمد الغوص فى مسبباتها ومسببات مسبباتها , وعلى كل حال تلك الروئ لا تحمل الا وجهة نظره ولا تعبر الا عنه فى وقت كتابتها, وهو نفسه يبدى استعداده للتخلى عن اى طرح طرحه متى ظهر جليا خطأه وتكشفت وسائل تشويش عاقت عملية ابصاره بشكل سليم.
هذا الكتاب , يتضمن اربعة فصول كل فصل يتضمن عدة مقالات تحمل فى اتساقها رؤية واحدة عن احداث متشابهة .
وحسب ما جاء فى مقدمة الكتاب , يتضمن الفصل الاول " الثورة .. ارهاصات ونتائج "رؤية شاملة للاحداث التى مرت بها مصر منذ عام 2002 وحتى قبل شهر من طباعة هذا الكتاب , وهى رؤية تتضمن توقعات واحيانا مطالبات ملحة بالانقلاب على الوضع المقلوب اساسا بغية اصلاحه , وتطيح بنظام مبارك بالغ الاستبداد والتعفن , كما ترصد الرؤية سلبيات ومخازى – ان جاز التعبير- التى ارتكبها هذا النظام فى حق الشعب المصرى وامته العربية , مع التركيز على اخطار مفاسده المتمثلة فى العبث بمقومات الشخصية المصرية مرورا باللعب على حبائل اثارة الفتنة الطائفية واختلاق الازمات الاقتصادية , ومحاولة وضع العثرات امام كل نشاط يسعى لأن يضخ الدماء فى الجسد الذى اريد له الموت.
وفى الفصل الثانى "ثورات أم مؤامرات" يرصد الكاتب تطلعات الشعوب العربية للتحرر من الهيمنة الامريكية والغربية والاستبداد المحلى , ولكن فوجئ فيما بعد بان الثورات المنشودة لم تسعى للتحرر ولكن أصلت له , وراحت تدعوه لاجتياح ما تبقى من بلدان محررة وليس تحرير البلدان المستعمرة , الامر الذى القى بظلال من الشك حول حقيقة تلك الثورات وهل هى فعلا ثورات شعبية ام انها مجرد ثورات مفتعلة تغذيها اله اعلامية عملاقة , خاصة ان امراء النظم التى اخضعت بلدانها للاحتلال الغربى راحت تلبس ثوب الثورة وتدعو الى الاجهاز على البلدان الحرة المتبقية فى عالمنا العربى دون ان توجه سهما واحدا ضد امريكا واسرائيل , لذلك رأى الكاتب هنا أن يوضح الفرق بين الغث والثمين حتى لا نبكى على اللبن المسكوب كعادتنا.
اما الفصل الثالث فيتضمن عرضا للحالة الثقافية "المنحطة" فى مصر والعالم العربى والتى تمثلت فى اعلاء فن هابط  يهبط باذواق الناس ولا يسموا بها , وتعليم يدعو لخلع ردائى العروبة والاسلام والهرولة خلف ثقافة لا يمكن ان تنفعنا , فضلا عن فساد نخبة تم اختيارها بشكل امنى لا فكرى كما ينبغى وراحوا يدفعون بها الى قمة المشهد الثقافى فى حين تم التنكيل بالاوفياء والوطنيين وتحقيرهم والحط من شأنهم واحيانا ترويعهم ورميهم بالعمالة للخارج وفى احسن الظروف التضييق عليهم فى قوتهم ومصادر رزقهم على أمل شيطانى ان يموتوا كمدا وغيظا فى بيوتهم وعلى اسرة المرض.
وفى الفصل الرابع والاخيرة يعرض لهموم الوطن العربى واهم الامراض الكبري التى يعانيها فضلا عن سرد لمتفرقات تخدم تشخيص الحالة فى مصر .

وعبر 164 صفحة من القطع الكبير تطرق الكاتب لمفاهيم فلسفية حول الديمقراطية وعيوبها فى حال فقدان الوعى لدى الناخب وتخوفه من ديكتاتورية الاغلبية على اعتبار ان معظم منجزات التاريخ كانت نتاجا فرديا ودعا لها افراد ولم تكن تحوز على رضا الاغلبية مدللا فى ذلك على المعاناة التى لاقاها معظم قادة الفكر فى التاريخ على يد ديكتاتورية الاغلبية بدءا من الانبياء مرورا بكوبرنيق وانشتاين وغيرهم.
كما ظهرت روح الكاتب ومعاناته فى ظل نظام مبارك الامنى , الذى كمم الافواه وعادى المثقفين وراحت اجهزه امنه تطارد كل الوطنيين فى مصر , وتستذلهم عبر اغراقهم فى مشكلاتهم الحياتية البسيطة , والمعاناة المادية والنفسية المفرطة , متنبئا بحدوث الثورة التى تطيح بكل هذا الجور الذى وصل لحد العفن فى المجتمع , حيث تلاشت السعادة وانكفأ الشرفاء على انفسهم فيما تسلق الجهلة والخونة والاغبياء وصاروا يعتلون قمة المشهد فى كافة المجالات.
كما ظهرت بجلاء روح القومية العربية لدى الكاتب حيث خصص لها فصلا كاملا مؤكدا ان العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة وان الرسول محمد "عليه الصلاة والسلام" هو مبعث القومية العربية ومفجرها الاول , وان الاسلام جاء فصدق على الثقافة العربية السائدة , حيث ابقى على الصالح منها وغير العادات السيئة , ولذك فالاسلام نشأ بثقافة عربية وطورها ونشرها فى العالم كله , مما يعنى رقى تلك الثقافة وقدرتها على الريادة العالمية.
ويصرخ الكاتب " هل أصبحت لفظة العربى مرادفًا لليهودى التائه؟
لست أري هل أصبح الفكر العربي تائهًا؟
يقول نيقولا ميكافيلي: "إن طول فترة السلام تصنع شعبًا مخنثًا" .. والمشكلة في ان الإنسان العربي لا يسعي إلي الحرب .. بل إن الحرب هي التي تسعي إليه .. وانه يريد السلام ولكن العالم لا يريد لنا الاستسلام والقبول قصرًا بكل ما هو أجنبي؟".
ويقول الكاتب " لم يخفق البعد القومي العربي ولكن أخفق شخوص المرحلة في قيادته أخفقوا في قيادته لأنهم لم يكونوا صادقين النوايا في إحيائه.
والدليل علي أصالة البعد القومي هو أنه لم ينهر حتي الآن في نفوس الشعوب العربية وإن كان قد انهار فعلاً منذ زمن طويل لدي الحكومات.
الشعوب تتواصل والساسة يقطعون .. الشعوب تتألم للافتراق والساسة يعتبرونه نجاحًا .. الشعوب تقاوم التغريب والحكومات تفرضه علي شعوبها".
وناقش الكاتب بشئ من الكثافة المشكلات السياسية العربية فى السودان والجزائر وليبيا وسوريا واليمن ودول منطقة الخليج , كما دافع عن استقلال العراق بشدة وكاشفا عن خيوط المؤامرة التى تحاك لها ومحذرا من اخطارا تحقق جميعها , وقال الكاتب أن الولايات المتحدة الأمريكية عمدت إلي تأصيل مغاير جديد لوعي العالم يتجه نحو الأطر المادية البحتة باعتبارها غاية الغايات، متجاهلة في ذلك كل الأطر القديمة السائدة والخاصة بالمعتقد الايديولوجي والمعرفي والحق والخير والجمال.
وهذه الأطر التي روجت لها الولايات المتحدة الأمريكية علي حياء أحيانًا، وبجرأة في أحيان أخري تعظم دور الانتفاع والاستغلال باعتباره عملاً يستحق التقدير حتي لو جاء علي حساب مقدسات معتقدية وإنسانية واجتماعية.
ورغم أنها تكرس لسيادة البراجماتية هذه إلا أنها – وهو الأمر المضحك – تتخذ من الدعايات الإنسانية غطاء لهذا الغرض رغم ما نراه من هذا التناقض البديهي يضاعف من حجم المصيبة.وكذلك ناقش ما قال عنه انه وهم تنظيم دولة العراق الاسلامية , نحن لا ننكر وجود تنظيم القاعدة ولا اشكك فى جهادية الشيخ اسامة بن لادن والدكتور ايمن الظواهرى وغيرهما ولكن اخشى ان ينسب اليهم ما ليس فيهم , وان يستعملوا كمعاول للهدم لا للبناء , خاصة مع انه فى كل مرة تنتشر حقيقة براءة القاعدة من هجمات سبتمبر نفاجئ بشريط يؤكدان القاعدة هى من نفذته, أليس بتلك الشرائط تعطى الذرائع لقتل ملايين المسلمين فى كافة إنحاء العالم تحت مسمى "مكافحة الإرهاب".
إذا أرادوا تدمير العراق قالوا ان هناك علاقة بين صدام والقاعدة وتخرج علينا التسجيلات التى تؤكد ذلك , وإذا أرادوا تقسيم اليمن ظهرت الطرود المفخخة وتصدير الطابعات الحديثة من "اليمن" الى "أمريكا" ,وإذا أرادوا جعل البحر الأحمر بحيرة مغلقة للأساطيل الأمريكية والصهيونية ظهر القراصنة الصوماليون , واذا ارادوا ارهاق مصر بالتفجيرات  والفوضى هددت "دولة العراق الاسلامية" بتدمير الكنائس المصرية وتحرير فتيات مسلمات تقول انهن مختطفات فيها , مع انه كان أولى لهذا التنظيم تحرير العراق لا مصر."
وسرد الكاتب فى هذا الشأن معلومات غاية فى الخطورة تؤكد ان تنظيم دولة العراق الاسلامية ما هى الا وهم من صنع المخابرات الغربية.
كما ناقش الكاتب الثورات العربية والمؤامرات التى تحاك حولها متسائلا عن الاسباب التى تجعل الغرب يؤيد ثورات فى بعض الدول العربية ويرفضها فى البعض الاخرى ويسمى هذه ثورة وهذا تمرد .
كتاب . رؤي فى الوطن والوطنية تطرق الى بعض الظواهر غير المألوفى مثل القدرة وحسن والطالع والصدفة وكثير من القوانين غير المنطقية التى يراها الناس محاولا ايجاد تفسير قد يبدو منطقيا لها .
من خلال الكتاب يظهر بوضوح تأثر الكتاب بتطبيقات كتاب "الامير " لميكيافيللى و"طبائع الاستبداد ومصارع الحكام " لعبد الرحمن الكواكبى , و"كفاحى" لهتلر و"فى سبيل البعث" لميشيل عفلق وقراءة مستفيضة لافكار عدد كبير من الفلاسفة امثال كيركجارد وبرتراند راسل وسارتر وهيجل وكانط ونيتشه وغيرهم بحيث اتسم اسلوب الكتابة بمنطلقات فكرية فلسفية , مع جذالة اللفظ وقوة اللغة والالفاظ , فضلا عن القدرة الشديدة على اللعب على النسق الفكرى والمنهجى , الامر الذى يجعل القارئ يغوص فى النسق دون توقف حتى انهاء الكتاب.
كما نجح الكاتب فى ان ينقل صدق مشاعره واحاسيسه وقناعاته للقارئ لدرجة تجعلك تصف الحبر الذى خط الكلام حبر من الدم , عزيز الالفاظ وينتهج ابسط الطرق للحقيقة , حتى وان كانت مؤلمة

02 يناير 2012

فلول الثورة


سيد أمين
أتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة حالة صاخبة من التخوين لنشطاء حقوق الإنسان ممن كان لهم دور كبير فى تفجير ثورة يناير المجيدة.
وأعتقد أن سيلا من المستندات وإغراقًا فى المعلومات والتفاصيل ستخرُّ علينا من كل حدب وصوب فى وسائل الإعلام المحسوبة على النظام الحاكم، وذلك بهدف تكوين قناعة لدى رجل الشارع البسيط بأن هؤلاء النشطاء الذين يصدعون الرءوس بالحريات هم خونة يعملون لصالح قوى ودول معادية لمصر.
وفى الحقيقة كنت أتوقع حدوث تلك الهجمة ضد الثوار والنشطاء منذ عدة أشهر مضت، وكنت أتلمس بدايات تلك الحملة فى وسائل الإعلام آنذاك وإن كانت قد بدأت على حياء بغية التمهيد لهذا الانقلاب علي الثورة وتهيئة الأذهان له عبر تشكيل قناعة بأن من يطالبون باستكمال الثورة هم يهدفون فى الأساس إلى إسقاط مصر.
وإذا كان المنطق يؤكد أن الحاكم العميل ألصقت به العمالة من خلال ممارساته الموالية للخارج واختياراته المطابقة لإرادة الأعداء ، وأن جميع رجاله هم على شاكلته فانه أمر لا شك فيه لأن رجال مبارك لاسيما فى مؤسسات الدولة الحيوية والمفصلية يسيرون على نفس منواله وإلا فما كان ليختارهم ليكونوا مسانديه طيلة ردح كبير من الزمن.
إن فهما على هذا النحو لما يحدث الآن فى مصر سيجعلنا نقلب الطاولة ونقول إن من يخون الوطن هم من خانوه على مدى سنوات طوال عجاف حكموا فيها البلاد ولا يزالون يحكمونها وليس النشطاء الذين كان لهم دور كبير فى تفجير الثورة والقضاء على رأس دولة الظلم.
وتعالوا نفهم سويا ماذا يحدث فى مصر أو عالمنا العربى – لأن الخطة كبيرة لا تفصل مصر وعالمها العربى - عبر ما أشرت اليه فى عدة مقالات سابقة حملت عناوين "ربيع الشرق الاوسط الكبير " و" فزاعات الثورة .. والدعم الرباني" و"ومبارك يؤيد مبارك ولا عزاء للثورة"و "مخطط تخريب الثورة وتسفيه الثوار" و"انها هى .. نظم بوش المارقة".
لقد خططت الولايات المتحدة الامريكية لإحداث تغييرات جوهرية فى نظم بعض الدول العربية فى خطة أسمتها " خطة الترميم والهدم" وهى خطة تقوم على ترميم النظم الرئاسية الموالية لها بهدف الحيلولة دون سقوطها كما فى مصر وتونس وذلك من خلال اطلاق ثورة شعبية تتم السيطرة عليها سياسيا ، وهدم النظم المعادية لها بهدف انشاء نظام جديد يدين لها بالولاء كما فى ليبيا وسوريا والسودان والعراق والجزائر واليمن عبر تصنيع ثورة بأيادٍ خارجية سرعان ما تأخذ زخما شعبيا جراء القمع المفرط لها من قبل السلطات.
وتتضمن الخطة فيما تتضمن أن تتولى حركة"الإخوان المسلمون" الحكومات فى كل الدول العربية فيما تنفرد أمريكا وحلفاؤها بالسيطرة على الجيوش العربية والمحافل القضائية على غرار ما تفعله فى تركيا على أن تقوم الاخيرة بتوجيه الحكومات "الاخوانية" والسيطرة عليها من الشطط والمروق واى محاولة للتحرر.
وقد يكون الهدف الابعد بالنسبة لامريكا وصمتها ازاء قيادة "الاخوان" للحكومات العربية أن تستخدمهم – دون قصد منهم – فى اثارة حالة من ململة شعبية لدى جميع الاقليات الدينية والعرقية فى العالم العربي مما ينتج عنه تكريس لحالات انفصالية تتزعمها القوى الغربية وتدعمها عسكريا لاحقا فضلا عن اعطاء صورة عالمية بأن تجربة الديمقراطية فى العالم العربي لم تجلب سوي المتطرفين، الامر الذى يبرر لها – اى لامريكا - مساندتها للنظم الديكتاتورية طيلة العقود الماضية.
وقد يكون هذا الرضا هو محاولة لتشكيل درع اسلامية سنية موازية للتغلغل الايرانى فى المنطقة العربية حال انتهاء لعبة تبادل المصالح بين واشنطن وطهران.
هذا هو المشهد العربى ، ولكن المشهد فى مصر اكثر دهاء ويأتى عن طريق سحب البساط تدريجيا من تحت اقدام الثورة والثوار، ومن ثم اعادة انتاج النظام الذى لم يسقط بعد ، فلقد خططت القوى الغربية بالتعاون مع بقايا نظامه الحاكمة فى مصر الان – بحسب اعتقادي - لانقاذ نفوذها المقبل على الانهيار فى حال سقوط مفاجئ وغير محسوب لنظام مبارك مما يعرضها لفقدان حليف استراتيجي فضلا عن خلق نظام قد يناصبها العداء او يقاسمها المصالح ويخالفها فى التوجهات على غرار ما حدث فى الثورة الايرانية ، لذلك عملت على هدمه واعادة بنائه قناعة بمبدأ بيدى لا بيد عمرو.
وكانت تتضمن الخطة ترك العنان لحدوث ثورة شعبية محدودة مستغلة حالة السخط الشعبى على مبارك وتغييره بعمر سليمان الا أن حالة الغضب الشعبى كانت اكبر من المتوقع فاسقطت سليمان ومن بعده احمد شفيق ولم يتسن اخمادها الا باحتيال المجلس العسكرى عليها ، حيث راح يهادنها ويدعى حمايته لها ، رغم انه يضمر لها العداء ويسعى لتفتيت القوى التى شاركت فيها ، تارة بالاستفتاء على التعديلات الدستورية ، وتارة بالدستور نفسه ، وتارة بالاحزاب ومحاولة ابراز نقاط الاختلاف بينها ، أو بالتخوين وطوابير الجواسيس "المفبركين" ، ومحاولات الاستقطاب ، والعصا والجزرة ، والتلميع والتجهيل ، والاغراق فى التفاصيل والوقائع ، والانفلات الامنى ، والترويع الاقتصادى …الخ.
وانا اتصور ان من خطط لما يحدث فى مصر ، يمتلك حسا دراميا عاليا ، وفعل كما يفعل المؤلف السينمائى البارع الذى راح يربط المشاهد المتنافرة ، ويوجد علاقة بين هذا المشهد الذى ظهر فى اول العرض وذاك الذى يأتى فى منتصفه أو آخره.
ورصد المخططون – ربما قبل اندلاع الثورة – عبر مراكز الاستطلاعات العملاقة التى تنفق فيها ملايين الدولارات القوي الثورية التى سترفض خطة خنق الثورة وستصر على استكمالها ، فراحوا يجهزون لها "عدة" التخوين لفض الناس عنها ، وتم تفصيل التهم وحياكة المستندات لهذا وذاك كلا فيما يناسبه ، فالسلفى يصلح ان يكون عميلا للسعودية والاخوانى يصلح أن يكون عميلا لقطر وتركيا ، والليبرالى عميلا لأمريكا واسرائيل واليساري مناهضا للدين الاسلامى ويتحرك بحقد طبقى ورعونة ، ثم تلوح بتلك الاتهامات فى وجه كل من يرفض النكوص عن الثورة ، فضلا عن الدس ببعض عملائها بينهم وتلميعهم اعلاميا ثم تقوم بكشفهم فى لحظة ما وهو ما يسمى اعلاميا بتكنيك "القطيع" ، وكذلك الزج ببعض عناصرها لتضييع الوقت كما فعل المحامى الذى قام برفع دعوي رد قاضى محاكمة مبارك والذى رفضت دعواه بعد تداول دام اربعة اشهر لسبب بسيط يحمل قدرا من المؤامرة ان هذا المحامى مشطوب من عضوية نقابة المحامين، كل هذا وقد يفاجأ الجميع فى نهاية العرض ان حاميها حراميها.
وتعالوا نتأمل خبرا نشرته الاهرام فى 23 يناير 2011 وقبيل اشتعال الثورة بيومين مفاده ان عمال قرية البضائع بمطار القاهرة فوجئوا اثناء تحميلهم لطرد مكون من 39 صندوقا بسقوط احدها وتدفقت منه سبائك الذهب ، هنا هرولت قيادات الشرطة وقاموا بحصر محتويات الصندوق واعادتها لمكانها فى طريقه الى السعودية ولم يذكر الخبر من صاحب هذا الطرد .. وتأكد بعد ذلك انه يخص مبارك.
والمتأمل لاسلوب الشرطة فى فض التظاهرات فى الفترة ما بين 25 يناير حتى تنحى مبارك سيلاحظ فيها امرين اثنين ، ان الشرطة قامت بتقطيع الشوارع وحاصرت المتظاهرين من كافة الجهات ولم تترك منفذا ليعودوا منه وهو الامر الذى يعد من ابجديات فض التظاهرات ، بل انها اطلقت الغازات بغزارة غير معهودة وكأنها تحث الناس للخروج من منازلهم للمشاركة فى الثورة.
ولو اضفنا الى ما سبق البطء الشديد فى محاكمة قادة وزارة الداخلية المتهمين بقتل الثوار ، وما تردد عن قيام جهات رسمية بالدولة بمساومة اهالى الضحايا لقبول الدية مقابل التصالح ، يؤكد أن من أمر الضباط بالقتل هو الان يحميهم.
حتى معاملة "العسكر" الرقيقة لمبارك والتقاء قيادات الدولة به فى مشفاه - منتجعه – هو دليل امريكى قاطع بانها لا تفرط فى رجالها ، والمقصود بالقطع ليس مبارك فحسب بل الرئيس القادم.
albaas10@gmail.com

21 ديسمبر 2011

العدل‮ ‬يريد تطهير القضاء


سيد أمين

ونحن نخطو أولي خطواتنا نحو الديمقراطية.. يجب علينا أن نتلمس الطريق الصحيح جيدًا حتي لا نضل في تشعبات الطرق.. ولما كان التحرر من الخوف هو أولي خطوات الطريق إلي الحرية.. يبقي الأجدي والأكثر إلحاحا أن نحطم كل التابوهات المفروضة علينا.. خاصة أنها مفروضة من غير مقدس.. فرضها بشر علي بشر، وأحيانًا دون رضا رب البشر الذي يجب أن ندين له بكل سمع وطاعة.
وإذا كان رسولنا الكريم ومعلمنا الأول يقول جازمًا بأن »قاضيًا في الجنة وقاضيين في النار« فإنه الأولي بنا ونحن بشر لم يوح إلينا كما أوحي إليه أن نسلم بحكمه ونرفع القداسة التي أضفيناها علي بشر مثلنا لم يوح إليهم فهم يخطئون ويصيبون، ولا علاقة لذلك بمذمة فيهم ولا مدح، فما يندرج علي البشر يندرج عليهم.
في الحقيقة، أكاد أجزم بأننا ونحن نعيش هذا الزخم الثوري الهائل سنخوض عما قريب سجالاً في شأن حصانة القضاء، قد يتطور ليمس شخوص بعض القضاة، أنفسهم، وهو إن حدث سيخسر فيه القضاة جزءًا كبيرًا من مهابتهم.
والغريب أن البعض يصر متعمدًا أن يخلط بين مهابة القضاء وأحكامه، وهو خلط لا محل له من الإعراب، فقد يكون الحكم ظالمًا، وهنا تصويبه لا يأتي في إطار انتقاص القضاء أو الحط من شأن القاضي الذي أصدره، فها هو معلمنا عمر بن الخطاب يطلب من رعاياه أن يقوموه لو أعوج عن الطريق السليم.
إن الخلط بين المهابة الواجب توافرها للقاضي وبين أحكامه هو خلط يقصد منه التبرير لكل ما يصدر عن القاضي وإضفاء العصمة عليه رغم أن القاصي والداني يعلم يقينًا أنه لا عصمة إلا لنبي، وأن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
أتصور أن شعار »الشعب يريد تطهير القضاء« سيأخذ زخمًا عما قريب في الشارع وأري أن الأجدي أن يتحول هذا الشعار إلي »العدل يريد تطهير القضاء«. نعم فالعدل والعدالة لا يمكن أن تقبل بأن ينتمي إليها من يرفض التطهير ويكافح الفساد، ولا تقبل بأن تستخدم العدالة لذبح العدالة، بل إنني أتوقع بأن يهب قضاة مصر الشرفاء أنفسهم وهم كثر ليرفعوا هذا الشعار حفاظًا علي مهابتهم ومهابة العدالة وحتي ينضموا إلي طوابير القديسين وذلك لأن القاضي العادل أوتي جزءًا من القداسة الربانية متي حكم بأمر الله.
وأتذكر أنني قرأت ذات يوم خبرًا عن قيام أحد القضاة بإصدار حكم بحبس شاب لمدة ثلاث سنوات لعدم سداد قرض قيمته ٥ آلاف جنيه من أحد البنوك، وأتذكر أيضًا أن سيدة صرخت في اتصال هاتفي بمقدم برنامج تليفزيوني شهير بأن حكمًا بحبس زوجها أضاع مستقبل أطفالها وجعلهم يتسربون من التعليم بعدما عجزت عن دفع مصاريفهم، بل إنهم يتسولون في الشوارع لسد رمقهم وملء بطونهم، والمدهش أن المبلغ الذي حبس عليه الزوج لم يتجاوز سبعة آلاف جنيه كان قد أنشأ بها مشروعًا بقرض من صندوق التنمية الاجتماعي إلا أنه تعثر حتي صدر عليه حكم بالحبس ٤ سنوات أمضي نصفها وتطمح أن يتم العفو عنه في عيد الشرطة.
ولا أخفيكم سرًا أنني تألمت بشدة في بادئ الأمرلسماع وقراءة مثل هذين الخبرين لا سيما أنني أعلم أن المبلغ الذي سجن بسببه الشاب وقضي به علي مستقبله وحرم الأبناء من أبيهم وأذاقهم شظف العيش قد يصرفه طفل من أطفال السادة الحكام في هذا الوقت في يوم واحد دون إكتراث، إلا أنني أقنعت نفسي بأن العدل هو العدل وصرت أقرأ مثل هذه الأخبار دون أن يرجف لي قلب بعدما تجمد وتبلد.
تعالوا نقارنها بالأحكام التي تصدر الآن لمن قتلوا الناس وسرقوا الملايين.. سنكشف أن القضاء يساوي بين من سرق خمسة آلاف جنيه »تحت ضغط الفقر والعوز« ومن سرق خمسة ملايين أو حتي مليارات، الأمر الذي ذكرني بالمثل الإنجليزي الشهير لو اقترضت خمسة آلاف جنيه من البنك وضعك البنك تحت ضروسه ولو اقترضت منه خمسة ملايين وضعت البنك بين ضروسك.
في الواقع، نحن نحترم القضاء ونري ضرورة تهيئة الأجواء اللازمة لكي يحكم القاضي بالعدل، ولكن ليس معني ذلك أن القاضي لا ينطق عن الهوي، فهذا أمر لا يمكن أن يتماشي مع المنطق، خاصة في ظل ظروف كانت سائدة وأظنها مازالت تخضب فيها كل شيء بالفساد حتي القضاء.
وللمصارحة ـ ومع تبديل الكلمة بالكلمة واتخاذ أنمق الألفاظ ـ نتساءل: ألم يمر وقت كان التعيين فيه في النيابة العامة سواء أو مجلس الدولة أو النيابة الإدارية بالواسطة والمجاملة؟ وبتعبير أكثر ثورية وجرأة بل مصارحة ألم يرتكب العديدون من السادة القضاة في مستهل عملهم جريمة الرشوة للتعيين لهذه الوظيفة؟ هل ينكر أحدنا كل في قريته أو شارعه أن »س« أو »ص« دفع رشوة أو قدم مجاملة كبيرة أو وسَّط مسئولاً كبيرًا ليتم تعيينه أو تعيين ابنه ليكون في النيابة العامة؟ أليست هذه جريمة يعاقب عليها القانون؟ وهل يجوز لمن يرتكب مثل هذه الجريمة أن يظل في منصبه أو علي أقل تقدير نضفي عليه القداسة ونقول عنه وعن من عينه إن لا ينطق عن الهوي؟ في ذات يوم قادتني الظروف للذهاب لأداء عمل ما في مكتب الشهر العقاري بمدينة الشروق، تحدث إليَّ الموثق أن أغلب زبائنه من القضاة، يأتون لتوثيق عقود الفيلات والقصور التي اشتروها لهم ولأبنائهم وإخوانهم لدرجة جعلته يجزم بأنه لا يوجد فيلا في مدينة الشروق لم تمر بقاضٍ كمشتر أو بائع، وأن عددًا من القضاة يقومون بشراء أكثر من فيلا بأسماء زوجاتهم.
والأمر المثير للريبة أن تجد أسرة بالكامل يعمل افرادها بالقضاء .. وكأن العدالة خلقت من أجل أن تخصص لهم دون غيرهم .. أليس هذا احتكارا للسلطة ؟!
وداهية الدواهي.. أن تقوم الوزارات بانتداب مستشاري مجلس الدولة للعمل لديها.. الأمر الذي جعل السلطة القضائية تخضع لنفوذ سلطة أقل منها وهي السلطة التنفيذية حيث يتقاضي المستشارون أجورًا خيالية وكبيرة للغاية لو قورنت بأعمالهم، الأمر الذي يشكك في حقيقة دورهم.
نحن لا نسعي لنكأ الجراح القديمة ولكننا يجب أن نغير المفاهيم ونحطم التابوهات، كما أن هذا »الجيتو« المثير للجدل لا بد أن يقنن عبر وضع قواعد واضحة تقضي علي الواسطة والمحسوبية في شغل الوظائف لا سيما لو كانت بمثل تلك الرفعة، فلا يعقل أن نكافئ صاحب التقدير العلمي الأقل لنعينه في القضاء بينما صاحب التقدير الأعلي يبقي محاميًا، يجب أن ننظر لهما كفرعي عدالة وأن نميز بينهما بالعلم ولا شيء سواه اللهم إلا الأخلاق والتي تتضمن فيما تتضمن عدم السعي لأخذ توصية من هذا أو ذاك أو دفع رشوة ليحصل البعض علي حق ليس له.
وتاريخيًا، كان فساد القضاء في أوربا هو واحد من معالم عصور الظلمات فيها، كان الملك يصدر حكما وما علي القاضي إلا النطق به، فاكتوي الناس بالظلم وسادت مظاهر الغبن وفقد الناس الثقة في كل مقدس.
ولو يدري جاليليو أنه سيكون أخلد من القاضي الذي أصدر حكما بإعدامه بناء علي أوامر من الملك وكهنوت الكنيسة لطلب الموت وسعي إليه، فقد مات الملك ومات القاضي ومات كهنة الكنيسة وبقي جاليليو وعلمه خالدين.

التيار القومي في مصر تحت الحصار


التيار القومي في مصر تحت الحصار

سيد أمين

المتأمل للخارطة الفكرية في مصر الثورة سيكتشف بسهولة حجم الجور الذي يعانيه أصحاب خط الفكر القومي.
ورغم أن القاعدة الشعبية لمعتنقي الفكر القومي في مصر قاعدة عريضة تضم فيمن تضم هذه  الطبقات التي عادت إليها بشكل مباشر مردودات الحقبة الناصرية .. كالفلاحين والعمال والصناع والطلاب وعدد لا بأس به من النخبة المثقفة، إلا أن أنصار القومية العربية تم تغييبهم عن عمد في وسائل الإعلام في زمن الثورة.
ولقد ساهم القوميون ـ أو قل الناصريون ـ المصريون بشكل فعال في إشعال أوار ثورة يناير المجيدة وتصدروا مع غيرهم من تيارات فكرية المشهد الثوري من أجل ازاحة نظام مبارك الاستبدادي وبذلوا علي قدم وساق مع غيرهم الدم من أجل الخلاص إلا أن خطابا إعلاميا منظمًا لافتًا للنظر راح يقصيهم تمامًا من المشهد السياسي.
قسم الخطاب الإعلامي المغرض تيارات الفكر في مصر إلي قسمين عريضين إما إسلاميًا  وإما  ليبراليًا .. وهو تقسيم خاطيء لكونه وضع جميع التفاح في سلة واحدة رغم التباين الشديد في الروئ.
بل ان هذا الخطاب راح يزعم بل ينكر بهذا التقسيم وججود القوميين أساسًا رغم أنهم يشكلون الطريق الثالث بين هذا وذاك ويشاطرون الاسلاميين قاسمًا كبيرًا من ثوابتهم ولكنهم يمزجون رؤاهم بنكهة خليط من التيار اليساري خاصة فيما يتعلق بفكرة العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات تارة ومع التيارات الليبرالية فيما يتعلق بالحريات المسئولة. ومن المثير للعجب أن التيارات اليسارية والاشتراكية بجانب القومية وضعت عن طريق الخطأ في سلة الليبرالية رغم التعارض الكبير معها.
لقد ضرب نظام مبارك حصارًا إعلاميًا صارمًا ضد انصار الفكر الإسلامي والفكر القومي علي حد سواء، وضيق عليهم المنابر الإعلامية وقد تبدلت تلك الصورة عقب ثورة يناير حيث خرج الاسلاميون من دائرة الحصار فيما بقي القوميون داخلها.
وكما اخترقت أجهزة أمن مبارك كافة القوي السياسية المصرية علي تنوعها  اخترقت فيما بينها التيارين القومية والناصري من جانب والتيار الإسلامي من جانب آخر.
وفي هذا الصدد راح جهاز أمن مبارك يزج بعناصره  بينهما بل ويخلق من بينهما زعامات ومرجعيات واحزابًا من فرط تواطئها وهشاشتها وعدم صعودها لسقف التوقعات والطموحات المرجوة منها انفض الناس عنها واعتبروها أكبر طعنة وجهت إلي هذين التيارين.
ويأمل القوميون في مصر وهم علي اعتاب مرحلة جديدة من الخلاص الوطني، ان تكون تلك المرحلة نموذجًا ديمقراطيًا بحق لا تغلق فيه صحيفة ولا يحجب فيه قلم ولا يقصي فيه صاحب رأي بسبب  رأية خاصة أن الجاني حينئذ سيكون هو المجني عليه سابقًا، ولا يصح أخلاقيًا أن يجلد الضحية بذات السوط الذي جلده  به الجلادون الغابرون.
وليتذكر الاسلاميون علي اختلاف مشاربهم أن التيار القومي المصري وقف مدافعًا بشدة ضد إقصائهم وراح يساند قضية مظلوميتهم.
ويجب أن يتذكر رفقاء  نضالنا من الاسلاميين ان مهلكة التاريخ الحقيقية في لعبة تبادل الأدوار وعمليات الكر والفر وذلك لأن كل انتصار يعقبه انكسار وكل قوة يعقبها ضعف ولولا هذا وذاك لبقي المنتصر الأول منذ بدء الخليقة منتصرًا حتي الآن.