03 فبراير 2018

محمد سيف الدولة يكتب: انتخابات بالإكراه

بالإكراه سيقوم عبد الفتاح السيسى باعتلاء مقاليد الحكم فى مصر لأربع سنوات أخرى على الاقل، بالانتهاك والتحدى لكل القواعد والممارسات الدستورية والقانونية والسياسية المنظمة لأى انتخابات حقيقية نزيهة، ليعيد الى مصر ما قد انقطع على أيدى ثورة يناير، من احتكار رجلا واحدا لراس كل السلطات الى ما شاء الله.
***
كانت الصورة فى الأيام الماضية شديدة الوضوح؛ اعتقال وتشويه سامى عنان، الاعتداء البدنى على هشام جنينة، توقيف وترحيل وتهديد احمد شفيق، تلفيق قضية ماسة بالشرف لخالد على، الحكم بالسجن 6 سنوات على أحمد قنصوة، اختيار مرشح صورى لتحليل وشرعنة الانتخابات، كلمات التهديد والوعيد الصريحة التى وردت فى خطابه يوم الأربعاء 31 يناير الجارى، والتى شن فيها هجوما حادا على ثورة يناير، وأضاف القوى المدنية لأول مرة الى قائمة "أهل الشر" الذى يتحدث عنهم كثيرا، والتى كانوا حتى تاريخه يقتصرون على الاخوان المسلمين، واتهم كل المعارضة بالجهل فى شئون الدولة وعدم الصلاحية للمشاركة فى الحكم أو حتى ابداء الرأى، واتهمها بتهديد أمن مصر واستقرارها، وتوعدها باتخاذ اجراءات بوليسية ضدها تماثل مع ما فعله مع الاخوان المسلمين..الخ
مع ما واكب كل ذلك على امتداد عدة اسابيع من توظيف كل مؤسسات الدولة وكبار رجالها وكافة موظفيها لجمع توقيعات لحملة "علشان تبنيها" بالاضافة الى مئات الالاف من تفويضات الترشيح التى يكفى 25 الف منها، قيام اكثر من 500 نائب من برلمان الاجهزة الامنية لتفويض السيسى، هرولة كل الصحف والقنوات الفضائية لشيطنة اى مرشح جديد بمجرد ان يعلن عن نيته على خوض انتخابات الرئاسة.
***
ولكننا لم نكن نحتاج الى الانتظار الى ما قبل الانتخابات الرئاسية 2018 لكى نكتشف نية السيسى للتلاعب بها والاستيلاء على حكم مصر بلا منازع، فلقد كانت الحكاية واضحة وجلية منذ الايام الأولى لظهوره فى المشهد السياسى وقيامه وباقى جماعة الثورة المضادة، بسلسلة من السياسات والاجراءات التى مهدت لما نحن فيه اليوم :
· تجريد الشعب المصرى من السلاح الوحيد الذى كان يمتلكه لمواجهة استبداد السلطة وجبروتها، بتجريم الحق فى التظاهر الذى انتزعته ثورة يناير بعد عقود من الحظر، ودفعت في سبيله اثمانأً باهظة من الدماء والشهداء. والزج بمئات من "الجناح المدنى" من شباب الثورة فى السجون والمعتقلات، ناهيك عن عشرات الآلاف من الاسلاميين.
· تصفية اى وجود لشخصيات أو احزاب أو اطراف محسوبة على ثورة يناير، من اجهزة الدولة والحكومة، فتتم اقالة وزارة حازم الببلاوى التى تشكلت بعد 3 يولية 2013 والتى كانت تضم شخصيات محسوبة على ثورة يناير مثل كمال ابو عيطة وحسام عيسى، بعد ان استنفذ اغراضه منها، واستخدمها كغطاء وساتر لبضعة شهور ليخفى نواياه بالعصف بشركائه وحلفائه فى جبهة 30 يونيو، واقصائهم من الحياة السياسية.
· مع فرض حصار امنى وسياسى وإعلام على احزابهم وقياداتهم، وإغراق المشهد بأحزاب ديكورية تابعة، تأتمر بأوامر الأجهزة الأمنية.
· تسييس الاحكام القضائية وصدور احكام ادانة بالمؤبد والإعدام بالجملة، وتوسيع مدد الحبس الاحتياطى الى ما شاء الله، لتكون سيفاً على رقاب اى معارضة سياسية.
· عودة التعذيب بأبشع صوره، واستحداث ظاهرة اجرامية جديدة لم يرها المجتمع المصرى من قبل، وهى ظاهرة الاختفاء القسرى.
· انحياز الدولة له انحيازاً كاملاً فى الانتخابات الرئاسية 2014 مع التلاعب فى نتائجها، وعلى الاخص فى أعداد المشاركين والناخبين، لكى يدعى انه حصل على نسب مشاركة وتأييد لم تحدث فى انتخابات 2012.
· تكليف الاجهزة الامنية بتشكيل برلمان موالى تماما للسيسى ومعادى لثورة يناير، مع استبعاد اى شخصيات تتسم بقدر ولو قليل من احترام الذات واستقلالية القرار، الى درجة استبعاد شخصيات عامة كانت ضمن الحملة الرئاسية الاولى للمشير.
· تأميم الاعلام الرسمى والخاص، وادارته عبر خطاب اعلامى موحد، يشرف عليه ويوجهه ضباط تابعين لأجهزة الامن. وحظر الظهور فيه على أى صاحب رأى مخالف أو معارض. واختيار أردأ العناصر الامنية ليتصدروا المشهد السياسى والاعلامى.
· وتشكيل ترسانة من الهيئات الاعلامية والصحفية لفرض القبضة الحديدة على الاعلام والاعلاميين والصحفيين، واختيار عناصرها من العناصر المعروفة بتبعيتها للأجهزة الامنية.
· الضغط والحصار والتهديد للصحف الخاصة وملاكها وهيئات تحريرها، لتفريغها من أى كتابات أو كتاب معارضين جذريين.
· فرض الحظر على مئات المواقع الإلكترونية المعارضة والمستقلة، واستحداث تشريعات تتيح للسلطات مطاردة ومحاكمة وتجريم رواد وسائل التواصل الاجتماعى .
· اطلاق حملات اعلامية لتشويه وشيطنة وكراهية ثورة يناير وكل من شارك فيها من الشخصيات والتيارات والقوى الوطنية.
· الانتهاك اليومى للنص الدستورى القاضى بان السيادة للشعب وحده، بممارسات وقرارات وخطابات اعلامية وسياسية، تؤكد على ان السيادة للرئيس والدولة والجيش والشرطة، وتعتبر اآ حديث عن الشعب حديث مكروه ومعادى.
· والعودة الى زمن الفرعون والزعيم الاوحد وعصور "انا الدولة والدولة أنا"، وتخوين كل من يعارضه وتعريضه الى مخاطر جمة.
· استنفار كل مؤسسات الدولة واعلامها للترويج والتبرير والدفاع عن كل قراراته وسياساته حتى لو كانت تتضمن التفريط فى ارض الوطن أو التحالف مع اسرائيل أو الخضوع التام للرئيس الامريكى، أو الاذعان لتعليمات صندوق النقد الدولى من تعويم للجنيه والغاء الدعم ورفع الاسعار وافقار الناس.
· كسر ما تبقى من استقلال للقضاء، من خلال تحدى احكامه الباتة النهائية، لارسال رسالة الى الجميع بانه لا صوت يعلو على صوت عبد الفتاح السيسى، وهو ما ظهر جليا فى صفقة تيران وصنافير.
· نزع ما تبقى من استقلال الهيئات القضائية وهيئات التدريس بالجامعات، باصدار تشريعات جديدة تلغى حقها فى اختيار وانتخاب قياداتها، وتستبدله بالتعيين بقرارات يصدرها رئيس الجمهورية.
· والانتقام من اى قضاة او رؤساء مستقلين للهيئات الحكومية، مثلما حدث مع المستشارين هشام جنينة واحمد الدكرورى.
· حظر العمل السياسى بالجامعات، الذى كان من اهم مكتسبات ثورة يناير التى استطاعت ان تعيد الجامعة الى سابق عهدها ودورها فى الاعداد والتربية الوطنية والسياسية لالاف الطلبة، وهو الدور الذى كان قد الغاه انور السادات بعد اتفاقيات كامب ديفيد فى 1978 بموجب اللائحة الطلابية 1979 التى حظرت العمل السياسى بالجامعة.
· مع اعادة الحرس الجامعى مرة اخرى، بعد أن تم الغته ثورة يناير، ليعود هذه المرة فى شكل شركات أمن خاصة تابعة للاجهزة الامنية .
· تأميم النقابات المهنية وعلى الأخص نقابة الصحفيين، وقمع دورها التاريخى كمنبر واسع للحريات وكحاضنة لكل التيارات السياسية ولكل اصوات المعارضة فى مصر، الى مجرد مؤسسة تابعة للنظام تأتمر بتعليمات وتوجيهات الأجهزة الأمنية. من خلال اقتحام قوات الامن لحرمها وتلفيق قضايا لقياداتها النقابية.
***
لقد قام بتوظيف أخطاء الاخوان وأخطائنا جميعا والانقسام الحاد بين جناحى الثورة المدنى والاسلامى، لاجهاض ثورة يناير وتصفية منجزاتها الديمقراطية من انتخابات نزيهة واشراف قضائى حقيقى ومنع التزوير واطلاق الحريات السياسية والنقابية والاعلامية والصحفية بلا اسقف، مع الحق فى تداول السلطة وحق تشكيل الاحزاب والنقابات المستقلة وحق تنظيم المظاهرات وعقد الاجتماعات... فقام بالقضاء على كل هذه الحقوق والمكتسبات، تحت غطاء القضاء على الاخوان المسلمين، ليكتشف الجميع اليوم ان رقبة ثورة يناير وثوارها هى التى كانت مستهدفة وليس رقبة الاخوان وحدهم.
لقد كانت خريطة الطريق المعلنة هى اعداد دستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية حقيقية تشارك فيها القوى المدنية التى اشتكت وغضبت لاقصاء الاخوان لهم، ولكن الخريطة الفعلية كانت هى تصفية ثورة يناير ومكتسباتها وحرياتها والقضاء على ثوارها، مع اقصاء أشد قسوة وعنفا لكل القوى السياسية المصرية، لا فرق فى ذلك بين مدنى واسلامى.
***
للاسف لم يتعظ عبد الفتاح السيسى وجماعته مما جرى لحسنى مبارك وجماعته. فمصر تعيش اليوم حالة من الغليان قريبة الشبه بأجواء ديسمبر 2010 بل أسوأ منها بكثير. حفظها الله من كل سوء.
*****
القاهرة فى 3 فبراير2018

ليست هناك تعليقات: