02 مارس 2016

النقطة صفر..هكذا بدأ الخراب منذ 200 عاماً


بقلم آيات عرابي
الأمور ليست كما تبدو
هذا هو ما تعلمناه من بعد الإنقلاب, فلا زعماء كتب التاريخ زعماء ولا الانتصارات التي صدعونا بها انتصارات ولا مصر استقلت لحظة منذ الحملة الفرنسية
الاحتلال لم يرحل مع أخر سفن الحملة الفرنسية بل استمر بأسماء أخرى
كان ذكياً خبيثاً شيطانياً تلك المرة, لم يعتمد أسلوب المواجهة المباشرة الذي جربه أكثر من مرة وتعود أن يخسره
كانت الخلافة العثمانية قد بلغت درجة مخيفة من التحلل الإداري وفي الوقت نفسه كان الاحتلال حذراً ولم يترك شيئاً للظروف, ففرنسا التي لم تكن قادرة على الاحتفاظ بمصر تحت الاحتلال, لم ترحل الا وقد تركت رجالها
وعادة ما يحيط الغموض بفترة محمد علي, فالمصادر التاريخية شديدة البخل أو شديدة السذاجة, فمعظم ما كتب عن محمد علي كان فيه عهده أو في عهد أولاده, وحتى حين ارادت المخابرات الأمريكية تغيير النظام ووضع العسكر مكان أسرة محمد علي, تعمد العسكر الا يتطرقوا لمناطق معينة في تاريخه, فظلت حتى اللحظة مظلمة معتمة لا يُلقى عليها الضوء الا قليلاً, ولذلك كان البحث فيما وراء محمد علي مرهقاً
ورجعت إلى عدد كبير من المصادر وفي بعض الاحيان كنت ارجع إلى كتاب ما من أجل معلومة أجدها في سطر, فأعيد البحث عنها في مصادر أخرى
كانت البداية منذ سنتين عندما قرأت كيف عرض محمد علي على قنصل فرنسا غزو الجزائر وكيف انتهى الأمر إلى موافقة الحكومة الفرنسية على أن يقوم محمد علي بإمداد جيشهم بالطعام فقط.
كان هذا يعني وجود علاقة سابقة بين الطرفين تبرر تلك الخيانة الحميمة
واستغرق البحث شهوراً
وتوصلت إلى الخطوط العامة التالية:
محمد علي في الاصل من أسرة شيعية من الأكراد, هاجرت من الاناضول إلى البانيا وكان يعتنق احد مذاهب الديانة الشيعية الضالة ويحيط نفسه بمعتنقيها كما ذكر الجبرتي رحمه الله
(وهو ما يفسر عداءه الشديد للأزهر والجرائم البشعة التي ارتكبها ضد المسلمين في الحجاز)
ترجع جذور محبة محمد علي لفرنسا إلى مسقط رأسه حيث تعهده تاجر تبغ فرنسي يهودي اسمه ليون من مدينة مرسيليا بعد مقتل عمه, وكان محمد علي يشعر نحوه بالعرفان حتى أنه دعاه لزيارة مصر بعد وصوله إلى الحكم ولكنه مات في الطريق من مرسيليا فارسل لأخته مبلغ 50 الف فرنك وهو ما يكشف عن ان محمد علي ربما يكون انضم الى المنظمات الماسونية مبكرا قبل وصوله الى مصر
سنة 1803 تم تعيين برناردينو دروفيتي سفيرا لفرنسا في مصر وهو احد مساعدي نابليون بونابرت, وبعدها بسنتين وصل محمد علي للحكم في مصر !!
وهذه الفترة معتمة تماماً لكن اليد الفرنسية واضحة بشدة, فكيف وصل مجرد عسكري ترفضه الدولة العثمانية إلى حكم مصر ثم الانفراد بحكم مصر الا اذا كان يتلقى العون من أسياده الفرنسيين ؟ فإذا علمنا انه كان ماسونياً وان فرنسا توسطت له لدى السلطان العثماني فيما بعد, سندرك أنهم كانوا وراءه من البداية.
قدمت الشرطة النمساوية تقريرا عن اعمالها بدءاً من العام 1818 حول الاختراقات الماسونية, تحدث عن (الجمعية السرية المصرية) وقال انها جمعية ماسونية انشئت بهدف (تحرير شعوب البحر الأبيض المتوسط) ولها محفلان في مصر احدهما بالاسكندرية والثاني بالقاهرة ولديها عناصر تعمل باليونان وتقبل عضوية جميع الأديان وبها في مصر وحدها 13 الف عضو اغلبهم من الاجانب وفي مناصب حكومية مهمة مثل بوغوص باشا رئيس وزراء محمد علي, ويرأس المحفل برناردينو دروفيتي قنصل فرنسا بالاسكندرية ومحمد علي باشا وعدد من قناصل الدول الأوربية ما عدا انجلترا حيث كان دروفيتي على علاقة عداء مع هنري سولت قنصل انجلترا, وقال التقرير ان الانضمام إلى هذا المحفل يبدأ بالقسم بمزامير داود وتحوي طقوسهم مراسم خزعبلاتية مثل الاحتفال بعيد القديس يوحنا والاحتفال بعيد انضمام نابليون إلى الماسونية في 15 اغسطس (الذي تُعلق صورته على ميدالية من الذهب على جدار المحفل)
وقال التقرير ان الجمعية تعمل ضد الدولة العثمانية وضد النمسا وتحظى بقبول فرنسا وانها تعمل على تحرير (هكذا في التقرير كتبت كلمة تحرير) الشعب المصري من الاحتلال العثماني وتحرير الشعب اليوناني من العثمانيين وان الجمعية تلقى تشجيعاً من فرنسا 
(جيرالد جالتير - الجمعية المصرية السرية لبرنادينو دروفيتي - أوراق البحر الأبيض المتوسط)
(الصحفي الانقلابي ابراهيم عيسى كتب عن المحفل الماسوني الذي يدير مصر وذكر معلومات عن رئاسة الخديوي توفيق للمحفل الماسوني ولكنه لم يتعرض لماسونية محمد علي)
وهو ما يفسر لك العلاقة الحميمة العجيبة بين محمد علي ودروفيتي قنصل فرنسا الذي كان يحضر تدريبات جيش محمد علي في فرشوط بأسيوط والذي قدم له محمد علي خطة احتلال الجزائر والتي لم توافق عليها الحكومة الفرنسية لأسباب مالية
(ارشيف الدولة الفرنسية - سبق نشره على الصفحة منذ حوالي سنتين)
وهو ما يفسر تقريب محمد علي للعلماء المتفرنجين من أمثال حسن العطار والذي كان عضواً بالمحفل الماسوني الذي اسسه كليبر سنة 1800 قبل رحيل الحملة الفرنسية.
وهو ما يفسر أيضاً خسارة محمد علي المتعمدة لمعركة نافارين والتي ادت لفصل اليونان عن الخلافة العثمانية ويفسر التناقض العجيب حين حشد محمد علي قواته للحرب في اليونان وسمح في نفس الوقت لاعضاء (جمعية الصداقة) اليونانية التي بدأت التمرد ضد حكم الخلافة العثمانية في اليونان بالعمل في مصر 
(امبراطوريات من الرمان .. النضال من اجل السيادة في الشرق الاوسط 1789 - 1923 ايناري كارش)
اكتشفت خلال البحث أيضاً أن سليمان باشا الفرنساوي مؤسس ما يسمى بالجيش المصري كان الخادم الشخصي لنابليون بونابرت في رحلته التي سافر فيها من مصر واستغرقت 47 يوماً ثم تدرب واصبح ضابطاً فيما يسمى بالقسم الخاص في الجيش الفرنسي (المخابرات الفرنسية) وانه اصبح متخصصا في الاستخبارات واختراق البلدان الصديقة والمعادية وبدأ عمله المخابراتي في منطقة شرق اوربا تحت إشراف نابليون بونابرت شخصياً بدءاً من سنة 1808 وكانت تعاونه جماعة تسمى الضباط الماسونيين الليبراليين, ثم عاد إلى مصر سنة 1819 ليبدأ تدريب جيش محمد علي وهو من قاد جيش محمد علي ضد الخلافة العثمانية مع ابراهيم باشا
أي أن قنصل فرنسا وقائد جيش محمد علي كان من رجال نابليون بونابرت الذي احتل مصر, ومحمد علي كان مجرد عضو في محفل ماسوني يرأسه قنصل فرنسا, ثم تجد من يقول أن محمد علي هو باني مصر الحديثة !!!
كان محمد علي هو أول من باع اراضي لليهود لإقامة أول مستوطنة في فلسطين
(مذكرات موزس منوتيفيوري)
وفي كتاب (المعلم يعقوب بين الاسطورة والحقيقة) قدم المؤلف الخطوط العامة التي وضعها احد مستشاري نابليون ثيودور لاسكاريس دو فينتيميل لما يسمى بالدولة المصرية
وكان من بين اقتراحاته فصل مصر عن الخلافة العثمانية (قدمت الاقتراحات لحكومتي انجلترا وفرنسا قبل وصول محمد علي للحكم في مصر)
وقدم مقترحات بشأن انهاء المماليك واقامة جيش على اسس اوربية ومقترحات بخصوص نظام الشرطة والامن الداخلي
وهو ما قام به محمد علي حرفياً وهو ما يفسر لك أيضاً الاجراءات التي قام بها الاحتلال البريطاني وانه لم يحتج سوى لإصلاحات بسيطة على النظام الفرنسي, مثل حل جيش عرابي (لظهور بؤرة مقاومة بداخله موالية للخلافة العثمانية) ومثل اقامة نظام الداخلية والذي يعتبر الاحتلال البريطاني والده الشرعي, وهو ما يفسر لك لماذا لم تمس المخابرات الامريكية ولا عميلها المقبور عبد الناصر مؤسسات دولة العسكر واكتفت باجراء اعادة هيكلة وانشاء المخابرات العامة والاذاعة واستقدام ضباط امريكيين والمان لتدريب جيش عبد الناصر ومخابراته (من بينهم اوتو سكورزيني الذي كان عميلا للموساد وهنا يكاد التطابق يكون تاما بين حالته وبين حالة سليمان باشا الفرنساوي او جوزيف سيف)
هذه باختصار هي قصة نشأة ما يسمى بمؤسسات الدولة منذ عهد الماسوني محمد علي رجل فرنسا المطيع
مؤسسات صنعتها فرنسا ورعتها انجلترا وادخلت عليها امريكا بعض التعديلات
وهذا هو محمد علي الذي يصورونه بأنه باني مصر الحديثة والحقيقة انه هو من فصل مصر واليونان عن الخلافة العثمانية وانه اكبر مخرب خادم للاحتلال في تاريخ مصر قبل المخرب الاكبر خادم السي آي إيه المقبور عبد الناصر
هكذا بدأ كل شييء حتى وصلنا إلى الحالة المزرية التي نحن عليها الآن !
هذه هي الحقائق التي ينبغي علينا جميعا ان ندركها قبل ان نكمل ثورتنا
يجب علينا ان ندرك اننا نواجه احتلالاً كاملاً حتى لو لم نكن نراه
لسنا بحاجة لرؤية الفيروس حتى ندرك أن الجسد مريض
ولا يمكننا ان نكمل ثورة دون أن نفهم كل هذا وإلا عدنا كل مرة إلى النقطة صفر
ولكن لا تقل بالله عليك انه من الضروري المحافظة على الفيروس حتى لا نهدم الجسد كما يولول بعض ارامل المؤسسات !!!
*ان شاء الله سأقوم بتخصيص مقالات اكثر تفصيلاً حول كل موضوع في عهد محمد علي رجل فرنسا
*ملحوظة: ربما ذلك ما قصده نعل بني صهيون عندما قال (نحاربهم من 200 سنة) يقصد الاسلام
*الشكر لصديقتي المغربية الجميلة التي ترجمت لي أجزاء من المصادر الفرنسية عن سليمان باشا الفرنساوي, رغم عملها الذي لا يترك لها وقتاً ومسؤولياتها المنزلية وانشغالها بزوجها بأطفالها.

ليست هناك تعليقات: