01 سبتمبر 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : حين سجنوا مصر فى 1981

حين يواجه الناس نظاما مستبدا باطشا ينتهك الدستور والقوانين، ويصادر الحقوق و الحريات، ويقضى على العدالة ويؤمم الحياة السياسية ويحظر المعارضة ويطاردها، ويعتقل من يريد منها، وينشر أجواء من الشك والتخوين والتحريض والكراهية، ويحكم قبضة الامنية على كل شئ.
وحين يشعر الناس بالعجز ولا يعرفون ماذا يفعلون فى مواجهة كل ذلك، بعد ان تم تجريدهم من كل ادوات الرأى والتعبير والاعتراض والمشاركة، فانهم يبحثون فى تاريخهم القريب عن محن مشابهة علهم يجدون فيها دروسا او مخارج لمحنتهم ومحنة البلد الحزينة.
وكذلك حين يضرب داء الصمت قطاعات واسعة من المفكرين والمثقفين والسياسيين والنخب، فيصمتون عن آلة البطش والاستبداد بل ويباركونها احيانا. فانه قد يكون من المفيد تذكيرهم بمحنهم الشخصية حين كانوا هم الضحايا ونزلاء السجون.
***
فى مثل هذه الايام منذ 34 سنة، عاشت مصر محنة اعتقالات سبتمبر الشهيرة، حين انطلقت قوات الامن وسيارات الترحيلات لتعتقل آلاف المصريين وتشحنهم الى السجون.
بررها السادات حينها بان هناك فئات مخربة تهدد الوحدة الوطنية و السلام الاجتماعي و سلامة الوطن مما يستوجب اتخاذ تدابير استثنائية لإنقاذ البلاد. وقال بالنص فى خطابه فى 5 سبتمبر 1981:
((منذ فترة ليست بالقصيرة حاولت بعض الفئات المخربة في مراحل متعددة إحداث فتنة طائفية بين أبناء الأمة وعملت جاهدة للقضاء علي وحدتها الوطنية، مستعملة في سبيل تحقيق أغراضها بعض الشعارات المضللة والوسائل غير المشروعة نفسية ومادية لتعويق مسيرة الشعب في طريق تنميته وازدهاره وديمقراطيته، ..
وفي الآونة الأخيرة بصفة خاصة وقعت أحداث جسيمة هددت الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، إلا أن هذه الفتنة الباغية قد استرسلت في غيها واستهانت بكل القيم والقوانين، وتنكبت عن الطريق السوي وسلكت سبيل العنف والإرهاب وسفك الدماء وتهديد الآمنين، كما أن بعض الأفراد قد استغلوا هذه الأحداث وعملوا علي تصعيدها، الأمر الذي يجب معه اتخاذ إجراءات سريعة وفورية لمواجهة هذا الخطر الذي هدد الوحدة الوطنية وسلامة الوطن..))
***
كان القائمة الاولى للمعتقلين تضم 1536 شخصا، من الكتاب والمفكرين والسياسيين والمثقفين الذين ينتمون الى كافة التيارات الفكرية والسياسية المصرية بلا استثناء. ولأول مرة تجد القومى مع الاشتراكى مع الليبرالى مع الاسلامى مع الشيخ مع القس فى زنازين واحدة أو عنابر مشتركة.
كان من ابرز المعتقلين، فتحى رضوان، عبد العزيز الشوربجى، عصمت سيف الدولة، نبيل الهلالى، حلمى مراد، فؤاد سراج الدين، فريد عبد الكريم، محمد حسنين هيكل، محمد فايق، عبد العظيم ابو العطا، محمود القاضى، عمر التلمسانى، مصطفى مشهور، الشيخ المحلاوى، الشيخ كشك، اسماعيل صبرى عبد الله، فؤاد مرسى، عبد الغفار شكر، حسين عبد الرازق، عبد المنعم ابو الفتوح، حمدين صباحى، كمال ابو عيطه، ابو الفضل الجيزاوى، لطيفة الزيات، امينة رشيد، ميلاد حنا، ابو العلا ماضى، كمال السنانيرى، عبد العظيم مناف، صلاح عيسى، عبد العظيم المغربى وآخرين.
***
وتم تكليف اجهزة التحقيق، بالتعاون مع وزارة الداخلية، بتقسيم المعتقلين فرق و جماعات، وتفصيل وتلفيق التهمة المناسبة لكل فريق. وشهدت جلسات التحقيق مهازل نتيجة تهافت التهم والأوراق.
ولم يقتصر الأمر على الاعتقالات، بل صدرت حزمة إضافية من القرارات ضد عديد من الشخصيات والمؤسسات الأخرى:
· فتم نقل بعض أعضاء هيئة التدريس والجامعات والمعاهد العليا من وظائفهم بذريعة ممارستهم أنشطة لها تأثير ضار على الرأي العام، و تربية الشباب و تهدد الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن.
· كما تم نقل بعض الصحفيين والعاملين بالمؤسسات الصحفية القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلي للثقافة إلي هيئة الاستعلامات بنفس الذرائع.
· و تم التحفظ علي أموال بعض الهيئات والمنظمات والجماعات والجمعيات بذريعة انها مارست نشاطاً أو أعمالاً هددت الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو سلامة الوطن.
· كما تم حل بعض الجمعيات لنفس الذريعة .
· وتم الغاء التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ علي أموالها ومقارها.
· كم تم عزل البابا شنودة من منصبه، وتعيين لجنة خماسية من الاساقفة للقيام بالمهام البابوية، وهو القرار الذى صاحبه اعتقال عشرات من المسيحيين والزج بهم فى السجون ضمن القائمة الاولى، المذكورة عاليه، للمتحفظ عليهم كما كانوا يسمونهم وقتها.
***
وخرج رجال السادات، وصبية النظام فى البرلمان والمنابر والاعلامية والصحفية، يبايعونه كما يفعلون مع كل رئيس، بل ويزايدون عليه ويصرخون بأعلى أصواتهم ((أن اضرب بيد من حديد، فالشعب معك و وراءك))
وخرجت مانشتات الصحف الحكومية تتحدث عن المؤامرات والخونة والعملاء والفتن الطائفية وتختلق مزيد من التهم والادعاءات وتضخم وتبالغ فيها بغرض التشهير والطعن فى وطنية وشرف المعتقلين .
كانت ايام سوداء على مصر، لم يخفف من وقعها سوى ان الجميع بدون استثناء كانوا جنبا الى جنب فى السجون، فهونت،وحدتهم فى الظلم، عليهم وعلى ذويهم،. كانت مصر كلها مسجونة.
لقد كان هناك حالة وحدوية قريبة الشبه بحالة ميدان التحرير فى الثمانية عشر يوم الأولى من الثورة من 25 يناير الى 11 فبراير 2011، والتى أحب دائما أن أسميها ((الـ 18 البيض)).
***
كان السبب الذى اعلنه السادتيون فيما بعد تبريرا لهذه الحملة، هو انه اراد تأمين الجبهة الداخلية وحمايتها من اى معارضة او قلاقل، يمكن أن تعطى ذريعة لاسرائيل لإلغاء أو لتعطيل انسحابها المزمع من سيناء فى ابريل 1982.
أما السبب الفعلى هو ان القوة الوطنية المصرية كانت فى حالة مخاض ثورى فى مواجهة السادات ونظامه وكانت فى سبيلها الى تشكيل جبهة وطنية موحدة لإسقاطه، بعد ان سلم مصر للأمريكان، وتصالح مع العدو الصهيونى ووقع اتفاقيات كامب ديفيد التى قيدت السيادة المصرية فى سيناء، وأخرجت مصر من مكانتها العربية والاقليمية، وسلم ادارة الاقتصاد المصرى لصندوق النقد الدولى ونادى باريس، وفتح الباب لراس المال الاجنبى ووكلاءه من رجال الاعمال المصريين لاستباحة ثروات مصر ومقدراتها، ناهيك عن تعميق سياسات الاستبداد بترسانة من الاجراءات والقوانين المقيدة للحريات. 
ولكن للأسف الشديد، أدىت جريمة اغتيال السادات فى اكتوبر 1981، والإتيان بمبارك خلفا له، الى وأد هذا الحراك الثورى وتعطيله وتأجيله 30 سنة.
***
هل هناك فرق بين اجواء الاستبداد فى سبتمبر 1981، وبين أجوائه اليوم؟
بالطبع هناك فروق تتعلق بموقف النظام من القوى والتيارات والشخصيات السياسية المعارضة، ومن منها يقرر سجنه و حظره، ومن منها يكتفى بحصاره والتضييق عليه.
وهو موقف يرتبط بتقدير النظام فى كل عصر أو مرحلة، للقوى السياسية ودرجة خطورتها عليه، من حيث قدرتها على التأثير فى الرأى العام أو المنافسة على السلطة المحرمة على الجميع.
فى 1981، كان السادات يرى أن القوة المدنية أشد خطورة عليه من الاسلاميين. ولكن المعادلة اليوم، ومنذ سنوات طويلة، قد اختلفت بعد أن قام النظام بتوجيه ضربات متتالية للقوى المدنية، وبالذات لأجنحتها القومية واليسارية.
ولكن فى الحالتين؛ فى 1981 و 2015، فان الحظر شمل كل فصائل المعارضة الحقيقية اياً كان انتماءاتها السياسية او الفكرية. بدليل سجن عشرات من الشباب الذين شاركوا فى 30 يونيو، بالإضافة الى ما تتعرض له المعارضة المدنية، هى الأخرى، من حملات الشيطنة والتشهير والتضييق.
والخلاصة انه فى الحالتين، نحن بصدد "استبداد الدولة" وبكل ما تملكه من امكانيات ومؤسسات وأدوات للسيطرة والقمع، وبكل ما تروجه من مبررات وذرائع، فى مواجهة معارضة سياسية محاصرة ومجردة من اى امكانية للتعبير او للتغيير.
*****

ليست هناك تعليقات: