19 نوفمبر 2014

عمر صقر يكتب: أخيراً.. اعتزال يوسف زيدان

كاريكاتير :أسامة الطوخي 
ما أسوأ أن تتلقى خبر اعتزال الدكتور يوسف زيدان للثقافة،هذا الروائي صاحب السرد الساحر، اعتزال من هذا الوسط الذي أصبح بعض مثقفيه عبارة عن مجموعة من المتصارعين على وهم السلطة الخالي حقيقة من أي مغنم هذه الأيام، بل أن السلطة باتت لا تكتفي فقط بإثارة هذا الصراع بينهم وإذكائه بل وتلعب بهم وتوجه إبداعهم الذي تحطم وتهشم على صخرة الواقع بمنتهى الرقة وكأنهم قطع من البسكويت، فقط كل ما عليك فعله معهم أن تضع فلان مكان آخر لا يحبه ليتصارعوا كالدّيكة أمام الجمهور وتخرج به قرارات كالتي نراها تباعا بشكل عبثي مخجل.
عفوا أيتها الثقافة من هؤلاء ، عفوا لا تؤاخذينا ، لقد خدعنا فيهم ، كل واحد فيهم يسعى لصيد ويبحث عن مغنم ، لم يكن أحد فيهم يرجوا فهمنا ولا فهمنا ولا وعينا وكان كل واحد فيهم لا يتمنى سوى شيء واحد فقط هو أن يكون بجوار سلطة يسندها بسلن قلمه وعقله لتفتح له النوافذ ليحقق كل رؤاه وتطلعاته في البقاء وبقاء هؤلاء يتحدثون أمامنا بمنتهى الانتهازية التي فاقت انتهازية السياسيين بكثير. 
استيقظت اليوم على خبر الدكتور الألمعي يوسف زيدان وهو يريد الاعتزال ! نعم الاعتزال من الثقافة في مصر فالثقافة أيضا بها مباريات الاعتزال ولكني لم أعرف أنهم يتوقفون ويعتزلون عن الإنتاج والإبداع وإمتاع القارئ والمثقفين من اجل مواقف رخيصة، كان المثقفون قديما يعتزلون المجتمع ليكشفوا للناس عوراته ومثالبه ولتضح الرؤية أكثر أما في حالتنا فالدكتور يوسف يعتزل من أجل تعيين زميله السابق في مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين مستشارا ثقافيا لرئيس مجلس الوزراء الدكتور إبراهيم محلب ، بل والتوقف عن أي فعل أو تفاعل ثقافي نتيجة لهذا القرار والاستمرار فيه إلى أن يرحل، لا أعلم هل الثقافة بالأمر الحكومي أو حتى بالتعيين ومفهوم الترقيات ،ومتى كانت مصر تعيش بالثقافة الرسمية أو حتى مرتبط بها، أليست الثقافة فعل شعبي جماهيري يؤطر للمعنى الاجتماعي لوجهة نظر الشعب تجاه حياته والتي يترجمها الأدباء والكتّاب وعليه يتأسس الفن والقانون والمعاني وكل شيء ، أتعتزل يا دكتور يوسف من أجل تعيين شخص في حكومة لن تستقر أكثر من عام ؟ يا خسارة كل المحاضرات والروايات والقصص التي قرأتها لك والتي تعلمت منها مفهوم الحوار وقبول العيش في مجتمع يحمل تناقضاته والخروج بسياق تفاهمي مشترك ومحاولة إلغاء كل معنى متضاد، كنت أتعجب من حجم الشباب الذين حولك في ساقية الصاوي أو في الإسكندرية وكنت أراك ورقة ثقافية رابحة في مجتمع لا يؤمن بالصالونات واللقاءات الثقافية ولكن موقفك جعلني أفكر جيدا في هذا الأمر والتأكيد على أننا فعلا جيل بلا أساتذة ومن الواضح أننا سنبقى هكذا إلى أن تتغير خريطة الفكر في مصر.
لقد تعلمت في صباي كيف كان المثقفون يتبارون ويتصارعون وكيف كانت خلافاتهم على القضايا الأدبية البحتة فقط دون إقحام أوضاعهم وتفاصيل قضاياهم الشخصية في مجال التنافس وليس الصراع وكيف كنا ننهل منهم دراسات نقدية ناتجة من بحث أعمالهم لبعض وتصويب سهام النقد لتلك الأعمال الخالدة ، يا خسارة فعلا كل شيء ذهب مع قدوم هؤلاء ، الآن فقط عرفت لماذا أغنية "سمكة على بلطيه" باتت الأعلى صوتا من كلمات طه حسين "التعليم كالماء والهواء" 
دكتور يوسف إذا كنت تطمح في سلطة تعيين وعليه كان كل عطاءك الكبير لنا نحن الشباب فلا مرحبا بك في عقلي أما إذا كنت تحارب فساد خصم لك وترغب في انضباط الأمر الثقافي في مصر فليس هكذا تتم الحرب وليس هكذا تدار المعارك بين المثقفين بل تكون بتوعيتك وكلمتك المؤثرة وتفاعلك الثقافي من أجل أن لا تتكرر النسخ المشوهة التي تراها ونراها أمامنا ، كنا نتمنى أن يعتزل أهل السياسة لنرتاح من تصارعهم فإذا بأهل الثقافة يعتزلون ليتركونا وحدنا في معركة الحياة، ما أشبه أهل الثقافة هذه الأيام بأهل السياسة ولكنهم للأسف لا يعتزلون، لنا الله.

ليست هناك تعليقات: