29 مايو 2014

القدس اللندنية : ضعف التصويت «صفعة على وجه النظام»



فشلت كافة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية خلال الايام الثلاثة الماضية في اقناع اغلبية الناخبين المصريين بالتصويت لاختيار الرئيس المقبل، في مفاجأة ربكت حسابات النظام.
و شملت تلك الاجراءات كافة اشكال «الترغيب» عبر ابتزاز المشاعر الوطنية، في حملة اعلامية شرسة عمادها الاغاني المرتبطة بانتصارات وتحولات تاريخية، وحشد المعلقين السياسيين والعسكريين في البرامج الحوارية لربط الامتناع عن التصويت بـ «الخيانة» وعدم الانتماء، وبالتالي «سقوط الحق في المطالبة بالحريات او الوظائف او التنمية(..)» كما قال احدهم. 
ومن ثم اضطرت الحكومة الى اللجوء الى «الترهيب» بالتلويح بفرض غرامة قدرها خمسمئة جنيه (نحو سبعين دولارا) على المقاطعين، وهو مبلغ كبير بالنسبة للكثيرين، ما دفع البعض وخاصة من كبار السن الى الذهاب مضطرا الى اللجان مساء الثلاثاء، خوفا من ان تخصم الحكومة الغرامة من معاشاتهم. اما الشباب فاما واصلوا مقاطعتهم غير مبالين بالغرامة، او ذهبوا الى اللجان وابطلوا اصواتهم.
وعلى اي حال فان مشاهد اللجان الخاوية على عروشها اكدت استمرار ضعف المشاركة حتى بعد التهديدات بالغرامة التي قد تكون «قانونية» الا انها في حقيقتها «غير اخلاقية» وتدخل في اطار «تزييف ارادة الناخبين»، وتدل بوضوح على مدى انزعاج النظام وحرجه بعد ان تلقى «صفعة سياسية على وجهه» ادت الى فضح الخطاب الاعلامي الزائف والمزيف لحقيقة موقف الرأي العام فيمصر تجاه كثير من التطورات الدراماتيكية التي شهدتهامصر منذ الثلاثين من حزيران/يونيو الماضي، وليس الانتخابات الرئاسية فقط.
وبعد ان خرجت بعض وسائل الاعلام المؤيدة للنظام في اليوم الاول من التصويت تتحدث عن «ثورة ثالثة في صندوق الاقتراع»، جاءت صور اللجان الخاوية لتكشف كذب الماكينة الدعائية التي لم تتوقف عن الحديث على «اقبال كثيف» حتى بعد قرار الحكومة بجعل ثاني ايام التصويت اجازة رسمية، في اعتراف ضمني بضعف الاقبال.
وسيكون على النظام ان يواجه اسئلة صعبة بشأن احجام اغلب المصريين عن المشاركة في الانتخابات في الوقت الذي كان بنى فيه «شرعيته» على «خروج الملايين» في الثلاثين من حزيران/ يونيو والثالث من تموز/يوليو ثم السادس والعشرين من تموز/يوليو. فما الذي حدث لهذه «الشعبية» التي استخدمها كمبرر لاطاحة رئيس منتخب؟
وفي الواقع لا يصح لاي حزب او جماعة او تيار بعينه ان يعتبر ضعف الاقبال انجازا له، في ضوء تنوع الاسباب والشكوك والهواجس التي تقف وراء قرار عشرات الملايين من الناخبين بالامتناع عن التصويت، رغم كافة وسائل الترغيب والترهيب التي مارسها النظام.
ويستطيع المراقب على الارض ان يلمس هذا التنوع بين مختلف فئات وشرائح المجتمع، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
٭ اولا: يشعر كثير من الذين شاركوا في التظاهرات ضد حكم الاخوان في الثلاثين من حزيران/يونيو ان الثورة تعرضت للسرقة مجددا على ايدي «فلول مبارك» الذين سارعوا الى الترويج لحكم المؤسسة العسكرية باعتباره «قارب النجاة» لهم، مع تصوير الامر للجماهير عبر الماكينة الاعلامية الضخمة على انه «قارب النجاة للبلاد». ومع انخداع كثيرين بمن فيهم بعض من يسمون بـ «المثقفين»، الا ان القاعدة الشعبية رفضت بحسها الوطني فطريا الانجرار الى هذا الفخ، بغض النظر عن استمرار كثيرين منهم في انتقاد جماعة «الاخوان» او التعاطف معها.
٭ ثانيا: وقع النظام خلال الشهور الماضية في اخطاء وخطايا كبيرة جعلت الكثيرين يحجمون عن تأييد استمراره، حتى وهم يقرون بعدم وجود بديل جاهز. وبكلمات اخرى قرروا منحه فرصة قد لا تزيد عن عام لتحقيق انجازات على الارض بشأن عودة الامن وحل مشاكل البطالة ووقف التدهور في الخدمات الحيوية بشكل خاص، ثم تكون هناك وقفة للحساب معه.
٭ ثالثا: كشف ضعف الاقبال على التصويت عن تماسك تيار الاسلام السياسي رغم كل ما تعرض له من ضربات، اذ فشلت القيادات السلفية في اقناع القواعد بالمحافظات في النزول الى اللجان الانتخابية، رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها وشملت تنظيم المسيرات والمؤتمرات وتوفير الحافلات لنقل الناخبين مجانا، والتي اعتبرها مراقبون اكبر من جهود الحملة الرسمية للمشير السيسي نفسها في الانتخابات. ويكشف هذا الموقف عن تضامن قواعد السلفيين مع جماعة الاخوان فيما تعرضت له من ظلم، كما يدل على زيف ادعاءات بعض القيادات السلفية بشأن تمثيلها وسيطرتها على قواعد الدعوة السلفية الذين يقدرون بنحو خمسة ملايين شخص.
واخيرا فان النظام يقف امام خيارين ردا على «صفعة الانتخابات»، اولهما الا يفعل شيئا، وعندئذ سيخاطر بتحول هذه «المقاطعة» تدريجيا الى خانة التحرك والاحتجاجات، او ان يبدأ فورا مراجعة شاملة لخطابه السياسي والاعلامي، احتراما لرأي الاغلبية الشعبية التي امتنعت عن «تفويضه» في صندوق الاجتماع، وهذا امر يتطلب كثيرا من الشجاعة والحكمة والقرارات الصعبة. 
فهل يفعلها؟



ليست هناك تعليقات: