23 أبريل 2014

عن فرقعة الجيش المصري الحر – فهمي هويدي

التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن أخطار خارجية تهدد أمن مصر لا تحتمل الهزل،
وأحذر من أن تؤخذ على محمل الجد قبل التثبت من مصادرها ومراميها
(1)
يوم السبت 19/4 كان عنوان الصفحة الأولى لجريدة الصباح كالتالي:
«الجيش الحر» يتحرك على الحدود
ــ والقوات المسلحة: نار جهنم في انتظاره».
وتحت العنوان نشرت صحيفة «الوطن» النص التالي:
رفعت المنطقة الغربية العسكرية أمس حالة التأهب للتصدي لأي اختراق بعد رصد كاميرات حرس الحدود تحركات مجموعة من 800 عنصر مما يسمى بـ«الجيش المصري الحر»، باتجاه الحدود المصرية،
وأفادت بأن تقارير مخابراتية تفيد باعتزام هذه العناصر اختراق الحدود بسيارات الدفع الرباعي، مؤكدة استعداد القوات للتعامل معها فورا.
وذكرت مصادر عسكرية أن المخابرات الروسية أمدت القوات المسلحة بمعلومات تفصيلية حول تحركات «الجيش المصري الحر» الذي جرى تشكيله في 3 معسكرات داخل ليبيا من نحو 1000 عنصر بينهم 300 إخوان» دخلوا ليبيا بأوراق مزورة،
وقالت إن تلك المجموعات في انتظار إشارة القيادي الإخواني الهارب محمود عزت لاقتحام الحدود الغربية بالتزامن مع اقتحام عناصر من حركة حماس الحدود مع غزة لتهريب القيادات الإخوانية بالسجون، واستهداف منشآت عسكرية وشخصيات على رأسها المشير عبدالفتاح السيسي المرشح الرئاسي واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية،وقالت مصادر مطلعة إن الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع ناقش مع قيادات عسكرية الأوضاع على الحدود الغربية وكانت الأجهزة السيادية رصدت اجتماعا لعناصر «الجيش الحر» مساء أمس الأول (الخميس 17/4) في قاعدة جوية ليبية تسيطر عليها ميليشيات مسلحة، بحضور شريف رضوان أحد قياديي «أنصار الشريعة» قائد «الجيش الحر»، وأبوعبيدة الليبي، وقرة زادة مسؤول التنظيم الدولي بعد دخوله ليبيا سرا، لبحث ضم عناصر جديدة من مالي والجزائر واليمن لتكوين أول «جيش إسلامي» لمواجهة الجيش المصري بعد الاستعانة بأحد أكبر خبراء المفرقعات في غزة وجلب مواد متفجرة من إسرائيل وتركيا
وأشارت إلى أن التنظيم الدولي أنشأ صندوق تبرعات مؤخرا لدعم الجيش الحر في ليبيا ومقره الأصلي تركيا. بإشراف يوسف ندا وقرة زادة، القياديين بالتنظيم،فيما تمكنت الأجهزة السيادية من فك شفرة الاتصالات بين عناصر «الجيش الحر» الموجودة على الحدود داخل ليبيا، بعد رصد استخدامهم أجهزة تركية وإسرائيلية وشبكات دولية لنقل المعلومات إلى أعوانهم في مصر.
هذا التقرير الذي نقلته نصا ليس الأول من نوعه، ولكن الصحيفة ذاتها نشرت في الأيام السابقة تقارير حول نفس الموضوع تحت العناوين التالية:الجيش المصري الحر يستعرض عسكريا في ليبيا
ــ مصادر: تركيا وقطر وإيران تدعم المسلحين وأغلبهم مصريون
ــ مساعدو الظواهري يقودون التدريبات (17/4)
ــ خطة دولية لحرق مصر
ــ صحيفة أمريكية تنشر سيناريو المعركة برعاية تركية قطرية إيرانية (16/4)
وكانت صحيفة «التحرير» قد نشرت في 22 فبراير الماضي تقريرا مماثلا تحت العناوين التالية:
حرب الظواهري القادمة على حدود مصر
ــ 70 ألف مسلح في 10 معسكرات ليبية يقود معظمها إرهابيون مصريون
ــ المعركة الدائرة في سيناء ستنتقل إلى حدودنا الغربية مع 3 معسكرات لتكفيريين يقودهم ثروت شحاتة.
(2)
حين رجعت إلى الإنترنت وقلَّبت مواقعه لمتابعة خلفيات القصة لاحظت ما يلي:
< أن التقرير الذي أوردته منسوب إلى جريدة «الوطن» المصرية التي وضعت عليه أسماء ثلاثة من الصحفيين، وجدته منشورا في نفس اليوم بصحيفة «الرأي» الكويتية تحت نفس العنوان،لكنها نسبته إلى وكالة أنباء «أونا» التابعة لإحدى المحطات التلفزيونية الخاصة، التي يملكها أحد رجال الأعمال المصريين الذي يحاول أداء دور سياسي وله ارتباطات وثيقة مع بعض الشخصيات الأمنية النشطة في منطقة الخليج.
< أن المعلومات الأساسية في التقارير الموجودة على الإنترنت واحدة مكررة، سواء فيما خص هوية الشخصيات التي نسبت إليها أدوار في المخطط المذكور، أو مواقع المعسكرات ومخازن تكديس السلاح، وإن اختلفت تقديرات الأرقام،ففي حين تحدثت صحيفة التحرير عن 70 ألف مسلح، فإن المصادر الأخرى تحدثت مرة عن ثلاثة آلاف ومرة ثانية عن ألف.
وقال أحد «الخبراء» الاستراتيجيين إن عددهم يتراوح بين 700 و800 إرهابي.
< أن المنابر الإعلامية التي تتناقل قصص وتفصيلات ما يسمى بالجيش المصري الحر تتراوح بين مصادر إعلامية سعودية، أو جهات سعودية التمويل (موقع إيلاف مثلا) أو صحيفة تمولها دولة الإمارات العربية في لندن أو مواقع تمولها الدول ذاتها في مصر.
< أثار انتباهي في سيل الأخبار والتقارير المنشورة كثرة ترديد اسم أبوعبيدة الليبي الرئيس السابق لغرفة ثوار ليبيا. حيث ينسب إليه القيام بدور قيادي في ملف الجيش الحر ومخططاته التي يقال إنها تستهدف مصر.
وحين رجعت إلى أوراقي وجدت أن الرجل ــ اسمه الأصلي شعبان مسعود خليفة ــ كان قد ألقي القبض عليه بالإسكندرية في شهر يناير الماضي إثر دسيسة أمنية ادعت عليه أنه دخل بوسيلة غير مشروعة ويقوم بدعم الإرهاب والتآمر على مصر، وأنه ينسق مع رئيس المخابرات القطرية. وهو ما أبرزته الصحف المصرية الصادرة آنذاك.
ثم تبين أن الرجل جاء إلى مصر بتأشيرة شرعية، وأن له بيتا بالإسكندرية، وأنه قدم للعلاج ومواصلة رسالة يعدها للدكتوراه، فأطلق سراحه بعدما ثبتت براءته.
< وقعت على تسجيل لإحدى الحلقات التلفزيونية التي قدمها في 17/4 الأستاذ مصطفى بكري على إحدى القنوات التي يملكها آخر من رجال الأعمال،
وبعد أن تحدث عن تفاصيل كثيرة متعلقة بالجيش المذكور، وأشار فيها إلى أسماء أشخاص ومواقع وبلدات، قال إن أيمن الظواهري الذي خلف أسامة بن لادن في رئاسة القاعدة قام بزيارة سرية لليبيا بعد الإعلان عن تشكيل الجيش المصري.
وعجبت أن تظل الزيارة خافية على أجهزة المخابرات العالمية وعلى رأسها الأمريكية، في حين علمت بأمرها مصادر زميلنا الذي احتفظ بها لكي «ينفرد» بها في برنامجه التلفزيوني.
< وجدت أيضا إلحاحا في بيانات الإنترنت المعتمدة على المصادر المختلفة على أن الجيش المذكور الذي يتولى إرهابيو القاعدة تدريبه، يسانده ويموله القطريون والأمريكان والأتراك والإيرانيون والإسرائيليون، وأن منظميه يستعينون ببعض الخبرات من غزة،
وتلك صياغة واضح فيها أنها تخاطب السلطة في مصر، وتحاول إقناعها بأن كل المختلفين مع النظام القائم وخصومه يقفون وراء الجيش ومؤامرته.
< وقعت في ثنايا الخلفيات المنشورة على حوار أجراه في شهر فبراير الماضي رئيس تحرير جريدة الحياة اللندنية الزميل غسان شربل مع السيد محمود جبريل رئيس الوزراء الليبي الأسبق الذي نحي عن منصبه بعد الثورة،
وفي ذلك الحوار شن الرجل هجوما شديدا على قطر، وانتقد معارضيه الإسلاميين في ليبيا،
وقال إن هناك محاولة لاستعادة نظام الإخوان والدكتور محمد مرسي عبرالحدود الغربية مع ليبيا وحذر من تكرار التجربة السورية في مصر.
< في السيناريو المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن حملة إسقاط النظام في مصر بواسطة الجيش الحر، التي قيل إنها تنتظر الإشارة من نائب مرشد الإخوان الذي لا يعرف مكانه الدكتور محمود عزت، ستتم من خلال هجوم من الغرب عبر الحدود الليبية، يقابله آخر من الشرق مصدره قطاع غزة.
(3)
الكلام كبير وخطير، وإذا صح فإنه بمثابة إعداد لإعلان حرب على مصر، يتم على أبوابها، وتحت سمع وبصر مسؤوليها،
الأمر الذي لا أتصور أنه يمكن السكوت عليه، حيث لا يمكن الهزل فيه، ولا تقبل أي درجة من الجدية فيه حتى وإن كانت نسبته نصف في المائة.
استطلعت رأى مسؤول كبير في وزارة الخارجية المصرية فكان رده أنه لم يصدر تصريح رسمي من القاهرة حول الموضوع، وكل ما قيل بشأن الجيش الحر هو سرديات إعلامية، لا تتجاهلها مصر ولكنها تراقبها وتتابعها.
ألقيت السؤال ذاته على مسؤول ليبي وثيق الصلة بالنظام القائم فقال:
إن حكومة بلاده لم تتلق أي سؤال رسمي من القاهرة يتعلق بمسألة الجيش الحر.
ولكن حين سئل وزير الخارجية الليبي السيد محمد عبدالعزيز (المتخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة) فإنه رد على إحدى المحطات المصرية يوم 13/4
ــ قائلا إن مسألة الجيش الحر شائعة روج لها البعض، ولا أساس لها من الصحة.
ولا يمكن أن تقبل الحكومة الليبية بوجود أي تجمع مسلح أو غير مسلح على أراضيها يستهدف مصر.
أضاف محدثي الذي طلب عدم ذكر اسمه أن هناك مجموعات تابعة لنظام القذافي شكلت جيشا إلكترونيا هدفه تشويه الثورة الليبية والوقيعة بينها وبين مصر،وهذه المجموعات التي تعمل جنبا إلى جنب مع مجموعات أخرى مسلحة كشف عنها الساعدي ابن القذافي بعد إلقاء القبض عليه هي التي تصور بحسبانها جيشا يهدد مصر،ثم قال صاحبنا إن مصر تعلم ذلك جيدا وأن أجهزتها الاستخبارية لابد أن تكون على دراية كافية بالحقيقة.
حيث لا يعقل أن يعمل في ليبيا مليون و800 ألف مصري ولا يكون هناك وجود قوي للأجهزة الأمنية.
استطرد المسؤول الليبي قائلا إن حكومة طرابلس تعرف جيدا من يقف وراء تلك الحملة،كما أن لديها شكوكا في أن بعض الليبيين الموجودين في القاهرة ممن كانوا أعوانا للقذافي من الضالعين في حملة الدس والوقيعة التي يبرز أخبارها الإعلام المصري.
(4)
أفهم أن هناك نزوعا للإثارة في بعض وسائل الإعلام المصرية، لكنني لم أستطع أن أستوعب فكرة استخدام مشروع إعلان الحرب على مصر لكي يصبح ورقة في لعبة الإثارة.
كما أنني أستغرب أن تظل القصة معلقة في الهواء دون نفي أو تأكيد رسمي، الأمر الذي يحولها إلى مصدر للتخويف والبلبلة.
ولا أجد تفسيرا لصمت المتحدث العسكري المصري إزاء أمر خطير كهذا.
في الوقت ذاته فإنني لا أشك في أن أغلب المعلومات التي بثت عن حكاية الجيش الحر مرت ببعض قنوات المؤسسة الأمنية المصرية. الأمر الذي يرفع من مؤشرات الحيرة والبلبلة.
لقد قرأت في تعليق أحدهم على تقارير «الجيش الوطني» قوله إن مصر في خطر وعلى الجيش والشرطة الاستنفار والتحسب لمواجهته.
ولا أعرف ماذا وراء هذه الدعوة.
وهل تحثنا على الاحتشاد وراء المشير السيسي في انتخابات الرئاسة.
أم أنها تستفزنا لكي ننشغل بالخطر الموهوم القادم من الخارج وتصرفنا عن هموم ومشكلات الداخل.
ليست عندي إجابة على شيء من تلك التساؤلات لكنني أعرف أن التهديد بالحرب على مصر لا ينبغي أن يكون موضوعا للإثارة أو محلا للعبث وتصفية الحساب.
ثم إنه في أمر جلل كهذا يجب ألا تلتزم الحكومة أو المتحدث العسكري بالصمت، لأن الصمت في هذه الحالة لا يمكن أن يعد فضيلة.
ولا أريد أن أتصور أنه صمت الذين استسلموا للتحريض والوقيعة وراحوا يدبرون لأي رد فعل مجنون، ينطبق عليه المثل المصري الذي يتحدث عن ذلك الذي أراد أن يكحلها فأعماها!

ليست هناك تعليقات: