12 مايو 2013

رحلات شيخ الأزهر للخليج – فهمي هويدي


الزيارات الخليجية التي يقوم بها شيخ الأزهر مصطحبا معه بعض العلماء تبعث على الحيرة والقلق بأكثر ما تبعث على الارتياح، ذلك أن الشيخ ليس رجل دولة تحكمه الأعراف والمجاملات التي يقتضيها تبادل المصالح السياسية، ولكنه رجل دعوة يحتل موقعه على رأس مؤسسة عريقة أدت رسالتها التاريخية بجدارة باعتبارها جامعا وجامعة، تدرس الدين وتبلغه للناس كافة. 
قد تحقق زياراته بعض النتائج الإيجابية، لكن تلك النتائج تظل خارج الدائرة التي تتوجه إليها رسالة الأزهر.
إن شئت فقل إنها تصب في هوامش مهمته وليس في صلبها. 
إنني أشم في تلك الزيارات رائحة السياسة التي هي في طبيعتها مشكوك في براءتها.
ذلك أن شيخ الأزهر حين يدعى إلى مناسبات لا علاقة لها بالدور العلمي أو الدعوي الذي تقوم به المؤسسة الكبرى التي يرأسها، فإن ذلك لابد أن يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب. 
وحين يدعى الشيخ إلى بلد على غير صفاء أو وئام مع الدولة المصرية التي ينتمي إليها، فإن ذلك يفتح الباب لاحتمالات عدم البراءة،
ومن ثم الشك في أهداف الزيارة التي قد يظن أن المراد بها فصل الأزهر عن الدولة. 
وحتى إذا كان ذلك الاحتمال الأخير مبالغا فيه ويحمّل الأمر بأكثر مما يحتمل، فالذي لاشك فيه أن الشبهة قائمة، وثمة قرائن عدة تؤيدها.
وحرىٌّ بشيخ الأزهر ألا يضع نفسه في ذلك الموضع.
ثم حين تتزامن زيارات الإمام الأكبر للدول الخليجية مع حملة الإبادة التي يتعرض لها المسلمون في ميانمار مثلا،
وتنشر له صور مع أكابر القوم ووجهائهم في الخليج جنبا إلى جنب مع صور جثث ودموع أولئك المسلمين البؤساء.
فربما عذرنا من توجه إليه بالعتاب قائلا إنه يقف في غير مكانه ويغيب حيث يجب أن يوجد. 
لست أشك في أن شيخ الأزهر يسعى في الخير ويتحرى المصلحة حيث يذهب.
ولست بحاجة إلى الحديث عن صدق نواياه في هذا الصدد.
لكنني أتحدث عن الحسابات والاعتبارات المعقدة التي ينبغي أن تراعى في ترتيب زياراته، كي لا يستدرج إلى ساحات غير تلك التي ينبغي أن تستأثر باهتمامه، وحتى لا يوظف دور الأزهر ووزنه بعيدا عن دوره كمنارة هادية على أصعدة المعرفة والتجديد والتبليغ. 
ليس سرا أن جهات عدة تحاول استثمار دور الأزهر في المعادلة السياسية.
وذلك أمر ليس جديدا على تاريخه.
فمنذ قام علماؤه بعزل الوالي التركي خورشيد باشا من منصبه حاكما على مصر وعينوا محمد علي باشا مكانه وألبسوه «خلعة الولاية» في عام 1805،أدرك الحاكم الجديد خطورة تلك المؤسسة فعمل على احتوائها والسيطرة عليها هو وخلفاؤه الذين جاءوا من بعده. ولم يختلف الأمر كثيرا بعد ثورة عام 1952. وكتاب الدكتورة ماجدة علي صالح «الدور السياسي للأزهر»، الذي أصدره مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد في جامعة القاهرة يؤرخ لتلك المرحلة بشكل مفصل، خصوصا أنه يغطي السنوات ما بين عامي 1952 و1981. 
وعقب ثورة يناير 2011 قام الأزهر بجهد معتبر في تحقيق الإجماع الوطني من خلال بعض المبادرات، إلا أن بعض العناصر والشخصيات السياسية حاولت استدراجه لكي يصبح طرفا في التجاذب السياسي،
إذ ذهب إلى المشيخة قبل أسابيع نفر منهم عقب حادث تسمم طلاب مدينة البعوث الإسلامية، مدعين أن ثمة «مؤامرة» ضد شيخ الأزهر من جانب الإخوان، وأنهم جاءوا للتضامن معه في مواجهة تلك «الهجمة»،
إلا أن الشيخ لم يتجاوب مع رغبتهم وفوت على القادمين مسعاهم الذي أرادوا به إدخاله في لعبة التجاذب ودفعه إلى الاشتباك مع الإخوان،ولا أستبعد أن يكون هؤلاء على دراية بأن الإمام الأكبر يقف على مسافة منهم، وأن علاقته بالإخوان لم تكن إيجابية دائما. 
وكان ذلك واضحا أثناء رئاسته لجامعة الأزهر، حين أثيرت مسألة ما سمي بميليشيات طلاب الأزهر الإخوانية (عام 2006)، التي تعامل معها الدكتور أحمد الطيب بشدة لم يكن الموقف يقتضيها. 
وسواء تم ذلك استجابة للضغوط الأمنية أو تأثرا بخلفيته الصوفية كواحد من أقطاب الطريقة «الخلوتية» التي تقودها أسرته في صعيد مصر، فالشاهد أن ذلك أسهم في توسيع الفجوة بينه وبين الإخوان. 
لا أعرف إلى أي مدى أثرت تلك الفجوة في علاقة الشيخ بالسلطة القائمة في مصر التي يعد الإخوان طرفا أساسيا فيها.
إلا أن المراقبين يستطيعون أن يرصدوا بعضا من أصدائها، خصوصا حين جاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ضيفا على القاهرة،
وفوجئ الجميع بأنه هوجم وجرى إحراجه حين زار شيخ الأزهر. 
وليس بمقدوري أن أعرف مدى إسهام تلك الخلفية في الدعوات التي وجهت إلى الشيخ لزيارة بعض الدول الخليجية المستاءة من الثورة والأشد استياء من الإخوان.
إلا أنني أزعم أن السلطة في مصر إذا كانت قد حاولت في الماضي استخدام الأزهر للقيام بدور في الخارج فضلا عن الداخل، فإن الدعوات الخليجية المتلاحقة التي وجهت لشيخ الأزهر تمثل تطورا جديدا وغير مسبوق، يحاول من خلاله الخارج أن يوظف الأزهر للقيام بدور في الداخل، وهو استنتاج أرجو أن تثبت الأيام أنه ليس صحيحا.

ليست هناك تعليقات: