14 مايو 2013

فى الذكرى الخامسة والستين : النكبة... لاتزال حاضرة فى زمن الثورات بقلم دكتور رفعت سيد أحمد


* من أسباب الهزيمة التى لاتزال قائمة حتى اليوم :
* فقدان الحشد القومى العسكرى – غياب الاستراتيجية والتعاون العربى – غياب عنصر المفاجأة للعدو – انهيار الاقتصاد العربى وتبعيته للغرب – غياب القيادة الواحدة القادرة على الصمود والمواجهة غلبت القرار السياسى على القرار العسكرى .
* من أسباب الهزيمة أن إجمالى الجيوش العربية السبعة التى خاضت حرب 1948 لا يتعدى 25 ألف جندى فى حين كانت القوات الإسرائيلية 70 ألف مقاتل بأحدث الأسلحة والتقنيات القتالية !!
* العدو الصهيونى مهد للنكبة بسلسلة من المجازر داخل فلسطين فأصاب الفلسطينيين بالهلع (مثل مجزرة دير ياسين) .
* أبرز نتائج النكبة :
- تهجير 800 ألف فلسطينى من أصل مليون ومائتى ألف أى 60% من الشعب الفلسطينى.
- ارتكاب 34 مذبحة مروعة ضد الفلسطينيين .
- تدمير 400 قرية ومدينة وتهويدها بالكامل.
- فقدان 78% من أرض فلسطين التاريخية .
* المقاومة هى وحدها الحل لاسترداد فلسطين ، والثورات الجديدة لا قيمة ولا مستقبل لها من غير موقف حاسم من العدو الإسرائيلى – الأمريكى !!
دراسة بقلم د. رفعت سيد أحمد
* يمر اليوم 65 عاماً على نكبة 1948 ، وتأتى الذكرى وثورات الربيع العربى تحولت فى أغلبها – للأسف - إلى ثورات أمريكية بامتياز ، وتفككت دول كانت بالأمس موحدة ، وركب حلفاء الغرب على مصير دول أخرى بعد ثورات لم يشاركوا فيها ولم تعد فلسطين لوحدها هى الدولة المحتلة بل صارت دول عربية أخرى محتلة وتابعة وذليلة وكله للأسف باسم الثورات ، والثورات من هذا الحال البائس ، براء ، لقد نسيت الثورات الجديدة فلسطين وأسقطتها من حساباتها وفى ظنى أنه لا قيمة ولا مستقبل لتلك الثورات من غير موقف حاسم من العدو الإسرائيلى – الأمريكى رفضاً له ودعماً للمقاومة هكذا تنبئنا قضية الصراع العربى الصهيونى منذ النكبة وحتى اليوم 2013 ، وبعودة إلى ذكر النكبة يحدثنا التاريخ أن خلاصة حرب ١٩٤٨ تقول سطورها إنها بدأت منذ العام ١٩١٧ عام وعد بلفور، ثم جاءت الحلقة الثانية عام ١٩٢٠ - عندما وضعت بريطانيا فلسطين تحت الحكم العسكرى فى نهاية يونيو ١٩٢٠، ثم حولتها إلى الحكم المدنى، وعينت اليهودى الصهيونى هربرت صمويل أول «مندوب سام» لها على فلسطين «١٩٢٠ - ١٩٢٥»، حيث شرع فى تنفيذ المشروع الصهيونى ميدانيًا على الأرض،وتابع المندوبون «السامون» المسيرة نفسها، غير أن أكثرهم سوءًا ودهاء ونجاحًا فى التنفيذ كان «آرثر واكهوب» «١٩٣١ - ١٩٣٨»، حيث وصل المشروع الصهيونى فى عهده إلى درجات خطيرة، ويذكر المؤرخون أن فلسطين عاشت تحت الاحتلال البريطانى مؤامرة رهيبة، فحرم أهل فلسطين من بناء مؤسساتهم الدستورية وحكم أنفسهم، ووضعوا تحت الحكم البريطانى المباشر، وأعطى المندوبون السامون صلاحيات مطلقة. وضيقت بريطانيا على الفلسطينيين سبل العيش وكسب الرزق، وشجعت الفساد، وسعت لتعميق الانقسامات العائلية والطائفية وإشغال أبناء فلسطين ببعضهم، وفى المقابل شجعت الهجرة اليهودية، فزاد عدد اليهود من ٥٥ألفًا«٨٪ من السكان» سنة ١٩١٨ إلى٦٥٠ ألفًا «٣١٪ من السكان»سنة ١٩٤٨.
ويحدثنا التاريخ أنه رغم الجهود اليهودية البريطانية المضنية للحصول على الأرض، فإن اليهود لم يتمكنوا من الحصول سوى على نحو ٦.٥٪ من فلسطين بحلول عام ١٩٤٨ وكان معظمها إما أراضى حكومية أو أراضى باعها إقطاعيون غير فلسطينيين كانوا يقيمون فى لبنان وسوريا وغيرهما من البلاد العربية، وقد بنى اليهود على هذه الأراضى ٢٩١ مستوطنة.
وفى الوقت الذى كانت فيه السلطات البريطانية تسعى حثيثًا لنزع أسلحة الفلسطينيين، وتقتل أحيانًا من يحوز سلاحًا ناريًا، بل تسجن لسنوات من يملك رصاصات أو خنجرًا أو سكينًا طويلاً، فإنها غضت الطرف، بل شجعت سرا تسليح اليهود لأنفسهم، وتشكيلهم قوات عسكرية وتدريبها، بلغ عددها مع اندلاع حرب ١٩٤٨ أكثر من سبعين ألف مقاتل «٦٤ ألف مقاتل من الهاجاناه، وخمسة آلاف من الأرجون، وألفين من الشتيرن.. وغيرها»، وهو عدد يبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش العربية السبعة التى شاركت فى حرب ١٩٤٨ (كان إجمالى عدد كل الجيوش العربى لا يتجاوز 25 ألف جندى) .
***
مسلسل الهزيمة
أما بالنسبة لتسلسل وقائع الحرب ومقدماتها فيحدثنا التاريخ بأنها تمت على النحو التالى:
١- صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يوم ٢٩/١١/١٩٤٧ حين وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار رقم ١٨١ الذى يوصى بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة فلسطينية ولقد رحب الصهاينة بمشروع التقسيم، بينما شعر العرب والفلسطينيون بالإجحاف فرفضوه.
٢- تصاعدت حدة القتال بعد قرار التقسيم، وفى بداية عام ١٩٤٨ تم تشكيل جيش الإنقاذ بقيادة فوزى القاوقجى، وبحلول يناير ١٩٤٨ كانت منظمتا الأرجون وشتيرن قد لجأتا إلى استخدام السيارات المفخخة «٤ يناير تفجير مركز الحكومة فى يافا، مما أسفر عن مقتل ٢٦ مدنياً فلسطينياً»، وفى مارس ١٩٤٨ قام المقاتلون الفلسطينيون غير النظاميين بنسف مقر الوكالة اليهودية فى القدس، مما أدى إلى مقتل ١١ يهوديًا وجرح ٨٦.
٣- استشهاد عبدالقادر الحسينى فى القسطل يوم ٨/٤/١٩٤٨.
٤- مذبحة دير ياسين يوم ٩/٤/١٩٤٨، التى قتل فيها ٢٥٣ فلسطينياً وهجر الباقون مع تدمير البيوت والحقول، الأمر الذى أصاب العديد من المدن والقرى بالرعب فسقطت تباعًا «طبريا وحيفا يوم ١٩/٤/١٩٤٨ - بيسان وصفد ويافا ٢٢/٤/١٩٤٨ ثم توالى السقوط».
٥- فى ١٢ أبريل ١٩٤٨ تقر الجامعة العربية بزحف الجيوش العربية إلى فلسطين، واللجنة السياسية تؤكد أن الجيوش لن تتدخل قبل انسحاب بريطانيا المزمع فى ١٥ مايو، وكان الانتداب البريطانى على فلسطين ينتهى بنهاية يوم ١٤/ مايو / ١٩٤٨، وفى اليوم التالى أصبح إعلان قيام دولة إسرائيل سارى المفعول، ومباشرة بدأت الحرب بين الكيان الجديد والدول العربية المجاورة.
٦- المعارك فى فلسطين بدأت فى مايو ١٩٤٨ بعد انتهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل على المساحات الخاضعة لسيطرتها فى فلسطين، وتدفقت الجيوش العربية فى مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن ولبنان على فلسطين، ونجحت القوات العربية فى تحقيق انتصارات كبيرة،وفى السادس عشر من مايو ١٩٤٨ اعترف رئيس الولايات المتحدة (هارى ترومان) بـ(دولة إسرائيل) ودخلت أول وحدة من القوات النظامية المصرية حدود فلسطين وهاجمت هذه القوات مستعمرتى كفار داروم ونيريم الصهيونيتين فى النقب، كما عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردنى نهر الأردن إلى فلسطين، واستعادت القوات النظامية اللبنانية قريتى المالكية وقدس على الحدود اللبنانية وحررتهما من عصابات الهاجاناة الصهيونية.
٧- استمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخلت القوى الدولية وفرضت الهدنة الأولى «من ١١/٦ - ٨/٧/١٩٤٨» ثم اشتعلت المعارك لتعقد هدنة ثانية من «١٨/٧ - ١٠/١١/١٩٤٨»، ثم عاد القتال ليستمر حتى ٧/يناير/١٩٤٩ موعد الهدنة الثالثة وما بين هذه الهدن كانت إسرائيل تتسلح وتتسع وتقوى والعرب يتفرقون ويتراجعون لتنتهى الحرب بتوقيع مصر لاتفاق هدنة فى ٢٤ فبراير ١٩٤٩ تليها لبنان ٢٣ مارس ١٩٤٩ ثم الأردن فى ٣ أبريل ١٩٤٩ فسوريا ٢٠ يوليو ١٩٤٩، ودائمًا كانت مصر هى البادئة سواء بالحرب أو بالاستسلام وحتمًا سيتبعها العرب حتى يومنا هذا (زمن الثورات العربية التى ركبتها واشنطن !!) ، وكان من نتائج هذه الحرب سهولة احتلال الصهاينة لأغلب مدن الشمال الفلسطينى مع اللد والرملة والنقب، الذى كان يشكل لوحده نصف مساحة فلسطين، وذلك نتيجة انكسار الجيوش العربية بعد الأشهر الستة الأولى من القتال، التى عانت فيها العصابات الصهيونية، ثم استطاعت أن تستعيد زمام المبادرة وتنتصر نتيجة التفرق العربى وعدم التنسيق بين الجيوش، وعدم الاستعداد الجيد للقتال وغلبة القرار السياسى على القرار العسكرى وغيرها من الأسباب «الدروس» التى سنتحدث عنها لاحقًا.
ومن النتائج المؤلمة أيضًا لهذه الحرب إجبار حوالى ٨٠٠ ألف فلسطينى على الفرار والهجرة القسرية من ديارهم من أصل مليون ومائتين وتسعين ألف فلسطينى أى نحو ٦٠٪ من أهل فلسطين، وذلك نتيجة ارتكاب الصهاينة ٣٤ مذبحة مروعة، أثرت سلبًا على روحية الصمود الفلسطينى، وكان من النتائج الخطيرة لهذه الحرب – أيضاً - سقوط ٧٨٪ من أراضى فلسطين فى أيدى الصهاينة، فضلاً عن دمار قرابة الـ٤٠٠ قرية ومدينة مع تهويدها بالكامل.
***
إلا أن السؤال الآن، وبعد ٦5 عامًا من الحرب والصمود والمقاومة وبعد ٩ حروب متتالية مع هذا العدو، ما هى القراءة التاريخية الصحيحة لها فى ضوء أحداث وتطورات السياسة العربية اليوم والتى تتسم بالفوضى والتشرذم باسم الثورات للأسف ، سوف نحاول هنا أن نعيد القراءة بهدف أخذ العبر من خلال محاولة الإجابة عن سؤالين رئيسيين الأول: ما هو المشهد السياسى العربى قبل بدء الحرب مباشرة عام ١٩٤٨، وما هى أوجه تشابهه مع المشهد السياسى العربى الراهن 2013 ؟ والسؤال الثانى: ما هى الدروس المستفادة من حرب ١٩٤٨ من المنظور المعاصر، الذى نعيشه اليوم فى العام 2013 ؟ وفى الإجابة عن هذين السؤالين قد نكتشف الحقيقة الضائعة وقد تستفيد الثورات الجديدة - خاصة الثورة المصرية - من عبر ودروس الهزيمة حتى تعمل للتخلص منها .
***
الأمة عشية الحرب مسرح وأسرار العمليات
يمكن إجمال العوامل التى أثرت على الموقف العسكرى والاستراتيجى لحرب ١٩٤٨ بوجه عام قبل بدء العمليات مباشرة، من وجهة النظر الرسمية، التى تشكل سيناريو عاما «لمنطق الهزيمة عسكريًا» فى الآتى:
١- رفض الحكام العرب لفكرة بدء العمليات الحربية فى داخل فلسطين قبل يوم ١٥ مايو ١٩٤٨، نظرًا لبقاء فلسطين تحت سلطة الانتداب البريطانى حتى ذلك التاريخ، مما يجعل تدخل أى قوات عربية قبله «من وجهة نظر الحكام» اعتداء على الدولة صاحبة الانتداب «انظر كيف هى العمالة المبكرة للغرب والتى لاتزال حاضرة بنفس الأداء فى جميع قضايانا حتى بعد ثورات ما سمى بالربيع العربى والتى تحول حكامها الجدد إلى حلفاء لواشنطن والغرب ولكن بلحية !! ولنتأمل جيداً الحالتين المصرية والسورية تحديداً وكيف واستراحت واشنطن وتل أبيب على رأس (الثوار الجدد) وجعلتهم طيعين للغاية ومنفذين بإخلاص لأهدافهما فى كلا البلدين !!.
٢- إن الأسطول البريطانى كان يقوم بحراسة شواطئ فلسطين وحوض شرقى البحر الأبيض المتوسط، مما يجعل وصول إمدادات من الأفراد أو المعدات للصهاينة على نطاق واسع من قبرص وفرنسا أو إيطاليا، وغيرها من دول البحر المتوسط أمرًا متعذرًا وفق تصور الحكام العرب وقتذاك، وهو حسن نية مفرط لايزال حكامنا يتمتعون به إزاء واشنطن ودول الغرب.
٣- رأى القادة العرب الانتظار حتى تنتهى حراسة الأسطول البريطانى لحوض شرقى البحر المتوسط بمجرد انتهاء الانتداب وبدء العمليات فور انتهائه، وأن تتخذ هذه العمليات صفة خاطفة غرضها الاستيلاء على موانئ فلسطين لتعطيلها ولمنع الصهاينة من استغلالها.
٤- إن القادة العرب رأوا أيضًا أن تردى الأوضاع والآراء داخل الأمم المتحدة،بعد الموافقة على تشكيل هيئة إشرافية لفلسطين فى نوفمبر ١٩٤٧،ثم اختلاف الدول العظمى وقتذاك على طريقة تنفيذ وتشكيل هذه الهيئة، يشجع على القول بأن دخول قوات عربية فى فلسطين،عقب انتهاء الانتداب مباشرة وقبل قيام الهيئة الدولية المزمع تشكيلها للإشراف على فلسطين لن يعتبر انتهاكًا لحرمة ميثاق هيئة الأمم المتحدة «طبعًا وفق التصور الساذج للحكام العرب وقتذاك».
٥- كان من الحسابات المحتملة عسكريًا (والتى ثبت خطؤها فيما بعد) أيضًا أن عدد السكان اليهود فى فلسطين فى ذلك الوقت الحالى هو حوالى ٧٠٠ ألف نسمة يمكن تجنيد ٦٠ ألفًا منهم فى جميع أنحاء المستعمرات الصهيونية، وكان المحقق أن لديهم ٢٥ ألف مقاتل من الهاجاناة علاوة على جماعات إرهابية أخرى أهمها «أرجون زفاى لئومى» بين ٣٠٠٠ و٥٠٠٠ مقاتل وعصابة «شتيرن»، التى لا يتجاوز عددها بضع مئات، وتتركز معظم قوات اليهود الرئيسية حول تل أبيب والقدس وحيفا،وأن معظم أسلحة اليهود «رشاشات - مدافع هاون - سيارات مصفحة لنقل المؤن والذخائر»، وكان عدد الأسلحة الثقيلة محدودًا للغاية ومستعمراتهم محاطة بالأسلاك الشائكة والألغام، الأمر الذى رتب حسابات خاطئة لدى القادة العرب منها أن الصهاينة لن يقوموا بحرب نظامية بل حرب عصابات،لذا كان من المقدر لديهم أنه إذا دخلت القوات المصرية مجهزة بكميات كبيرة من الأسلحة الآلية والأسلحة المعاونة كالمدفعية ووحدات المهندسين وغيرها لتفوقت على العدو فى قوة النيران، كما قدر أيضًا أن أقل تشكيل يجب أن يشترك فى القتال هو مجموعة من لواء مشاة مستقل متماسك حتى لا يتعرض لأخطار لا مبرر لها من حرب العصابات الصهيونية، وكان من المفترض أن يتدخل عرب فلسطين لمساندة القوات المصرية. كل هذا لم يتم ولذلك وقعت الهزيمة !! .
٦- والأهم من كل هذا أنه كان من المقدر أن تتعاون الدول العربية جميعاً بالتدخل بقواتها النظامية فى عملية تحرير فلسطين، مما استوجب التفكير فى تخصيص قطاع للقوات النظامية لكل دولة منها وضرورة تنسيق الجهود لضمان الحصول على التفوق النهائى على قوات العدو المشترك.. طبعًا كل هذا لم يتم وبالتالى كانت الهزيمة.
***
خلافات الجيوش أدت للهزيمة
٧- من الثابت تاريخيًا أنه لم تكن هناك خطة عسكرية واحدة بين الجيوش العربية كافة، ويكفى أن نقوم باستعراض عام لخطة كل جيش على حدة لنلاحظ الانفصال العام بين خططهم خلال حرب عام ١٩٤٨.
أ. الجيش المصرى: كانت خطته هى الاحتشاد على الحدود فى منطقة العريش وكان هدفه هو قطاع غزة، على أن يناط بالبحرية المصرية واجب مراقبة السواحل الفلسطينية وفرض حصار عليها مع القوة الجوية المصرية «الطريف المؤلم هنا أن الحقائق تؤكد أن إجمالى قوة مصر الجوية كان يتكون من ٦ طائرات مقاتلة وطائرة للاستكشاف والتصوير وخمس طائرات نقل داكوتا» مما يعنى الضعف الكبير لإمكانات الجيش المصرى رغم شجاعة رجاله واستشهاد المئات من جنوده وضباطه (ملحمة أحمد عبد العزيز نموذجاً) .
ب. الجيش الأردنى: كانت خطته تقوم على تقوية فرقته المرابطة فى جسر الشيخ ياسين لتأمين الدفاع عنها ويوجه قواته كالآتى: لواء مشاة وهدفه نابلس - لواء ميكانيكى وهدفه رام الله - لواء ميكانيكى فى الاحتياط وهدفه منطقة خان الأحمر.
ج. الجيش العراقى: كانت مهمته أن يحتشد فى المنطقة الكائنة بين أربد والحدود، وهدفه التقدم على رأس أربد - جسر الجامع، وتطهير المنطقة من المستعمرات اليهودية واحتلال رأس جسر عبر الأردن فى منطقة جسر الجامع.
د. الجيش السورى: كان من المفترض أن يحتشد فى منطقة فيق، وكان هدفه التقدم على محور الحمة - سمخ، وإنشاء رأس جسر عبر نهر الأردن.
هـ. الجيش اللبنانى: كانت مهمته أن يحتشد فى منطقة الناقورة، وهدفه «نهاريا»، وتطهير المنطقة الكائنة بين الحدود، وأيضًا تدمير المستعمرات اليهودية الموجودة فيها كافة.
٨- إن أى محلل استراتيجى لديه أدنى إلمام بأدبيات الحرب يدرك إذا ما تأمل الوضع العام لخطط الجيوش العربية «كما حددناها آنفًا» مضافًا إليها تردى الأوضاع السياسية العامة فى المنطقة، وقبول أغلب القادة العرب وقتذاك لمنهج بيع القضية والخوف من الصدام مع قوات الانتداب البريطانى، مثل هذا المحلل سيدرك أن كل هذا سيؤدى حتمًا إلى انتصار إسرائيل بعد الهدنة الثالثة والأخيرة يوم ٧ يناير ١٩٤٩.
***
الانهيار الأخير
إن ثلاثة عوامل-كما يروى من عاشوا القضية-هى التى عجلت بالنهاية الدرامية لأحداث ١٩٤٨:
أ. تواطؤ بريطانى مع الصهاينة بتسليمهم بعض المناطق الاستراتيجية دون قتال.
ب. تآمر بعض الملوك العرب «الملك عبدالله ملك الأردن نموذجًا» مع القادة الصهاينة وتسليمهم بعض المناطق الاستراتيجية، بالإضافة إلى عدم الالتزام وغياب التنسيق بين الجيوش العربية كنتيجة لطبيعة التآمر.
ج. تصاعد الضغوط الدبلوماسية الأمريكية والغربية من جراء القدرة الصهيونية على استثمار الوضع الدولى العام لصالحها، خاصة داخل الأمم المتحدة «وهو ذات الموقف المعاصر اليوم بعد ثورات ما سُمى زيفاً بالربيع العربى التى ركبتها واشنطن وتل أبيب وانحرفت بها عن مساراتها الحقيقية والمأمولة !! مع خلافات شكلية بسيطة فى المواقع والأسماء والخنادق!!».
* إن ما يجرى هذه الأيام، سواء فى مصر أو فى غيرها من بلاد العرب من فوضى وركوب أمريكى (بقشرة إسلامية) للثورات العربية ، يؤدى إلى تكرار سيناريو النكبة فى فلسطين وإن بأشكال مختلفة ، إن حكام ما بعد ثورات الربيع العربى تماماً مثل حكام حرب 1948 آخر ما يفكرون فيه هو فلسطين،لقد نسوها تماماً،وبأوامر أمريكية وخليجية تابعة لواشنطن وتل أبيب .
***
عشرة أسباب للهزيمة
ولكى نبرهن على هذه النتيجة دعونا نتأمل ومن واقع وثائق حرب فلسطين وملفات العسكريين المصريين التى أعددناها وأصدرناها قبل سنوات فى كتابنا الموسوعى «وثائق حرب فلسطين - مكتبة مدبولى - القاهرة - ١٩٨٧»، أبرز الدروس والعبر المستفادة من تلك الحرب التاريخية فى مسار الصراع العربى الصهيونى، يمكننا بلورة هذه الدروس التى تفسر وتجيب عن السؤال المركزى الذى لايزال حاضراً وطازجاً ومراً: «لماذا هزمنا؟» فى عشرة أسباب رئيسية على النحو التالى:
١- غياب الغرض الاستراتيجى من الحرب:لقد أدى التدخل السياسى المستمر فى هذه الحرب إلى أن تسير دون غرض استراتيجى محدد، فالحكومة المصرية وقتذاك لم تبين بوضوح لرئاسة هيئة أركان حرب الجيش، فى أى وقت من الأوقات، الغرض الحربى من هذه الحرب، بل كانت الأغراض المؤقتة تعطى للقيادة فى الميدان تليفونياً أولاً بأول،وقد نتج عن ذلك ارتباط القائد بالأراضى التى احتلها حيث إنها أصبحت الغرض الوحيد الواضح أمامه، وتعرضت القوات العربية للاشتباك فى عمليات لا لزوم لها إلا المحافظة على هذه الأراضى، كما كان الجنود يسألون دائماً عن الغرض من الحرب خصوصاً فى الفترات الأخيرة من العمليات وقد كان لذلك تأثيره السلبى على الروح المعنوية والمقدرة على القتال.
٢- فقدان مبدأ الحشد العسكرى والسياسى:لم تكن للحكومات العربية عام ١٩٤٨ سياسة قاطعة حيال المشكلة الفلسطينية قبل انتهاء الانتداب البريطانى على فلسطين،ومع ذلك أنشئ معسكر للتدريب بالعريش فى أكتوبر ١٩٤٧،وكانت القوة التى تعمل به عبارة عن كتيبة من المشاة وكتيبة مدافع ماكينة، وعندما ظهرت بوادر تخلى الحكومة البريطانية عن انتدابها فى فلسطين طلبت رئاسة الجيش فى شهر مارس ١٩٤٨عدة طلبات حتى يمكنها تجهيز قوة مجموعة لواء كاملة للتدريب استعداداً للتدخل فى فلسطين١٥مايو ١٩٤٨ ولكن جميع هذه المطالب لم تجب فى الوقت المناسب لها، بسبب عدم البت فى خطة سياسية ثابتة للحكومة فى ذلك الوقت.والغريب أنه قد تقررت سياسة الحكومة المصرية-على سبيل المثال- حيال مشكلة فلسطين،أو على الأقل أخطرت رئاسة الجيش رسمياً بهذه السياسة قبل التدخل العسكرى الفعلى بأربعة أيام فقط، وبذلك لم يتسع الوقت لإجراء أى حشد لقوات الجيش عدا مجموعة لواء ناقصة التسليح والتدريب،جمعت على عجل من مناطق مختلفة، ثم أمرت بدخول فلسطين.
٣- انهيار مبدأ خفة الحركة:نتج عن قصر المدة التى جرت فيها التجهيزات أن دخلت القوات العربية المعركة دون أن يكون لديها وسائل الحملة الميكانيكية الكافية أو وحدات الاستطلاع والوحدات المدرعة الأخرى، وقد ظل هذا النقص ملموساً من أول العمليات حتى انتهائها.
نتج عما سبق عجز القوات عن تطبيق مبدأ خفة الحركة خصوصاً فى المراحل الأخيرة من العمليات، وبالتالى فقدت ميزة المبادأة التى انتقلت للعدو، وأصبح الجيش يعمل على خطوط مواصلات طويلة مهددة لا تمكنه من خفة الحركة، بينما يعمل العدو على مواصلات داخلية قصيرة آمنة تمكنه من تطبيق هذا المبدأ على أوسع مدى ممكن.
٤- فقدان مبدأ الأمن:فرضت «السياسة التى ينتهجها الحكام العرب على قادة القوات العربية بفلسطين التقدم السريع فى أول الحرب، فتقدمت القوات المصرية إلى غزة ثم إلى المجدل وأسدود، وإلى الخليل وبيت لحم، ثم احتلت خط المجد إلى الخليل، ثم اضطرت القوات تنفيذاً لذلك إلى ترك عدد كبير من المستعمرات ومواقعه القوية خلف خطوط المواصلات مما كان محل تهديد دائم لهذه الخطوط، ثم فرضت السياسة أيضاً دوام احتلال هذه المناطق بأى ثمن فى الوقت الذى لم تتمكن فيه من إحضار أسلحة أو عتاد جديد، وتمكن العدو فيه من زيادة قوته أضعافاً مضاعفة، وإكمال تسليحها وتدريبها تماماً،وبذلك انقلب الأمر وأصبحت القوات المصرية مهددة تهديداً أساسياً فى المناطق التى يحتلها بدلاً من أن تهدد مواقع العدو فيها، ونفس الأمر ينسحب على باقى القوات العربية مما أدى إلى فقدان تام لمبدأ الأمن الاستراتيجى، وانهيار خطط الدفاع العربية أمام هجمات حرب العصابات اليهودية وقتذاك.
٥- فقدان مبدأ الاقتصاد فى القوة:اضطرت السياسة العربية الحاكمة قادة القوات بفلسطين إلى احتلال مناطق واسعة، وكانت هذه المناطق أكبر بكثير مما يسمح به حجم القوات، وبذلك اضطر القادة إلى احتلالها كلها بقوات صغيرة ذات دفاعات رقيقة متباعدة غير متماسكة، ولم يتمكنوا فى أى وقت من تجميع أى قوة لازمة لأى عملية يضطرون للقيام بها أو لاستخدامها لإيقاف هجمات العدو وتهديده لخطوط مواصلاتها.. تمكن «العدو» بناء على ذلك من جعل القوات العربية فى حالة تيقظ تام واستعداد مستمر باستخدامه قوات صغيرة خفيفة الحركة للقيام بأى هجوم على النقط الضعيفة فى دفاعاتها، وقد تمكن من اختراق هذه الدفاعات عندما توفرت لديه القوة اللازمة لذلك، أى أن «العدو» طبق هذا المبدأ تماماً فى حين أن القوات العربية عجزت عن تطبيقه.
٦- غياب مبدأ العمل الهجومى التعرضى:تمكنت القوات العربية من تطبيق هذا المبدأ فى الأيام الأولى من العمليات فقط، حيث كانت لديها ميزة المبادأة والتفوق فى التسليح والسيادة الجوية، وبذلك أصبحت متمكنة من مهاجمة العدو وتهديد مستعمراته المتعددة وقواه المتفرقة، التى لم تكن لديه الوسائل الكافية للدفاع عنها بأجمعها.ولكن الحال انعكست بمجرد أن أرغمت المطالب السياسية الحاكمة القوات العربية على احتلال أراض واسعة والدفاع عنها،فارتبطت القوات بالأرض واضطرت للدفاع عن مناطق كبيرة متباعدة،وانتقلت ميزة المبادأة بالعمليات إلى العدو الذى قصرت خطوط مواصلاته،فزال التهديد عن مستعمراته المنعزلة التى لم تكن لدى العرب قوات كافية لمحاصرتها أو الاستيلاء عليها.
٧- مبدأ المفاجأة:جاء قرار الحكومات العربية بالتدخل عسكرياً فى فلسطين فى آخر لحظة قبل بدء التدخل فعلاً،وبذلك كانت المفاجأة لرئاسات الجيوش العربية وليست للعدو وكانت رسائل المخابرات فى ذلك الوقت بالغة النقص،وظلت كذلك أثناء العمليات،ولم يكن لديها لا الوقت ولا الوسائل اللازمة لجمع المعلومات عن العدو وعن قواته وتحصيناته ومواقعه،وقد كانت قوة تحصينات العدو وأسلحته مفاجأة تامة للقوات العربية،بل إن مواقع بعض المستعمرات كانت مجهولة للقوات.
٨- غياب مبدأ التعاون محلياً وعربياً:تمكنت القوات المصرية - فقط وإلى حد ما - من تطبيق هذا المبدأ بين أسلحتها البرية والبحرية فى أغلب العمليات التى اشتركت فيها، وقد يرجع السبب فى ذلك إلى أنه المبدأ الوحيد الذى لا يتأثر بالعوامل السياسية.أما التعاون بين القوات المصرية والقوات العربية الأخرى فقد كان فى حكم المنعدم تقريباً، لعدم وجود قيادة موحدة تشرف على العمليات جميعها، ولعدم صفاء النية نحو الغرض المشترك.فالقوات الجوية المصرية كانت تقدم المعاونة التى يطلبها الجيش الأردنى فى المراحل الأولى من العمليات دون تردد،وكذلك زحفت القوات الأرضية واحتلت«عجور وعرطوف»معاونة للأردنيين، ولكن لما جاء الدور على الجيش الأردنى لتخفيف ضغط العدو على القوات المصرية بالهجوم على جبهته لم يتم تحقيق المعاونة المطلوبة.هذا وقد كان للتدخل السياسى آثاراً أخرى ضارة بمسار الحرب،فقد اضطرت القوات العربية إلى قبول مواقف ومعارك كان من الأصوب تلافيها.
٩- عدم استكمال الشؤون الإدارية للجيوش:لقد أضيفت الشؤون الإدارية كمبدأ مهم إلى مبادئ الحرب المعروفة – وقت حرب 1948 وتحديداً كان ذلك عقب الحرب العالمية الثانية وذلك نظراً لتأثيرها على العمليات.وعندما بدأت حملة فلسطين فى ١٥ مايو ١٩٤٨، لم تكن الجيوش العربية مستكملة للشؤون الإدارية، فعلى سبيل المثال نجد أن الوحدات جميعاً كانت تنقصها الحملات الميكانيكية بشكل واضح ومؤثر، ولم تكن هناك وسائل كافية لنقل الوقود والمياه، كما كانت المطابخ الميدانية قليلة. وعندما اتسعت رقعة العمليات وتعددت الوحدات زاد الضغط على طلبات الذخيرة والأدوات الدفاعية والمخازن الميدانية جميعاً، ولذلك ركنت القيادة العامة فى مصر «على سبيل المثال» إلى عمليات الاستيلاء على المركبات المدنية لتواجه النقص الملموس فى الحملات الميكانيكية وفى غيرها من الأفرع الإدارية.
١٠- انهيار الروح المعنوية:يتفق المحللون العسكريون على أن الروح المعنوية الطيبة إذا ما توافرت تعتبر من أكبر الدوافع لإحراز النصر، وقد ظهر ذلك جلياً منذ فجر التاريخ فى جميع الحروب.ولقد دخلت القوات العربية وفى مقدمتها القوات المصرية - على سبيل المثال - فلسطين، وكانت الظروف تتماشى مع وجود روح معنوية قوية، الأمر الذى كان يعوض إلى حد ما النقص فى النواحى الأخرى واستمرت الحال على هذا المنوال حتى فترة الهدنة الثانية.
ولما تبدلت الظروف وعمد الاستعمار الغربى «البريطانى - الأمريكى» إلى معاضدة الصهاينة الذين تدفقت عليهم الأسلحة من كل مكان، تبدلت الحال وتأثرت الروح المعنوية للقوات، ولم يكن مستطاعاً السيطرة التامة على هذه الروح، لا سيما أن الحال لم تكن لتؤهل لذلك، فكان لهذا كله الأثر البالغ فى نتيجة العمليات فى الفترة الأخيرة، وقد صحبت ذلك كله مشاكل الأسلحة والذخائر الفاسدة التى تفجرت قضاياها فى مصر والبلاد العربية !! ، وما إلى ذلك، وأدى هذا جميعه إلى التدرج النفسى فى قبول الهزيمة أمام الصهاينة.
***
ما بعد الحصاد
* وبعد: إن الدروس المستفادة إذن من حرب ١٩٤٨ من وجهة النظر الاستراتيجية والسياسية، تدور حول فقدان مبادئ:المحافظة على الغرض-فقدان الحشد العسكرى والسياسى-خفة الحركة الاستراتيجية–الغياب الكامل لاستيعاب مفهوم الأمن-الاقتصاد فى القوة-العمل الهجومى التعرضى-المفاجأة لإرباك العدو - الدعم المنظم للشؤون الإدارية-الروح المعنوية-وأخيراً غياب مفهوم التعاون العربى محلياً وإقليمياً. إنها الأسباب التى لاتزال قائمة وخاصة بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربى والذى تركبه الآن واشنطن ، وتـقوده تل أبيب–للأسف-خاصة تلك الثورات التى تفكك وتدمر الاقتصاد وتطمئن إسرائيل وتسمى قادتها (أصدقاء) .
* الخلاصة هى أن حرب 1948 وفقاً لما قال ذات يوم القائد الصهيونى (شارون) : لم تنته بعد! نعم إنها تدور بأدوات أخرى ، لكن جوهرها لايزال كما هو ، أوطان محتلة وإرادات مشلولة ونخب تابعة ، وحكام خونة ، وثورات كانت رائعة وجميلة تحولت إلى فوضى ودمار ، كل هذا وفلسطين غائبة ، لقد نسيناها تماماً ، إن لم تكن قد سقطت بالجملة من أجندة هذا الربيع العربى الكاذب ، والذى نحسبه ، بثوراته وثواره الجدد ، لن يكون له مستقبل من غير إعادة الاعتبار للمقاومة ولفلسطين ، والله أعلم .




Email:yafafr@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: