10 مارس 2013

الصراع على سوريا ...متى تنتهى المؤامرة؟ دراسة بقلم د- رفعت سيد احمد


(1)
* لا نبالغ إذ قلنا أن الصراع الدائر اليوم فى سوريا ، هو فى أصله ، (صراع على سوريا) وليس فحسب فى داخلها ، حيث تجاوز الصراع مطالب الإصلاح السياسى / الاقتصادى المشروعة لفئات عديدة من الشعب السورى ، إلى توظيف ، وصل إلى حد التآمر الخارجى على " سوريا الدولة " ، وليس (سوريا – النظام) ، تحت لافتات مضللة ، وخادعة تارة باسم الثورة وأخرى باسم الطائفية ، والمذهبية ، وثالثة باسم حقوق الإنسان.
إن الأمر فى تقديرنا تجاوز ذلك تماماً ، بعد أكثر من عامين على اندلاع الأحداث ، ووضح جلياً أننا أمام تكتل دولى واسع الطيف تقوده واشنطن ودول الخليج لتفكيك سوريا ، وإنهاء دورها القومى ، الحاضن للمقاومة ، والداعم الرئيس لها فى المنطقة وتحديداً فى (لبنان والعراق وفلسطين) .
(2)
* صحيح ، ثمة فساد واستبداد وحقوق إنسان مهضومة كانت ولاتزال قائمة فى سوريا خلال الأربعين عاماً الماضية ، ولكن بالمقابل كانت هناك ممانعة للمشروع الإسرائيلى والأمريكى ، سواء بشكل مباشر أو عبر الحلفاء من المقاومة العربية ، ونحسب أن ثورات ما سُمى بالربيع العربى لا يستقيم أن نطلق عليها اسم ثورة دونما موقف واضح وجلى من (إسرائيل) والعداء الأمريكى للحقوق العربية فى فلسطين والعراق ؛ وإذا ما غاب هذا البعد عن تلك الثورات فهى حتماً ليست (ثورات) ، بل ومن المحتمل جداً أن تصبح (ثورة مضادة) بالمعنى المباشر للكلمة ، مضادة لثورات وأشواق الشعوب الحقيقية ، إذ أن تجارب المنطقة خلال المائتى عام الماضية منذ اصطدامها بالاستعمار الغربى ، أكدت نتيجة رئيسية منطقية وهى أنه لا يستقيم أن تساند (الثورات الحقيقية) قوى الهيمنة والاحتلال ، فهذا خلل فى قانون التاريخ ، وإذا ما طبقنا الآية الكريمة " وما جعل الله لمؤمن من قلبين فى جوفه " فإن الله ما جعل لثائر من ثوار الربيع العربى الحقيقى الجارية أحداثه الدامية هذه الأيام ، من قلبين فى جوفه فهو إما ثائر وإما C.I.A ، وهذا هو الحال تحديداً فى الأزمة السورية ، وهو سر تعقيداتها المتتالية ، إن ما يجرى هناك هو صراع ، وفوضى ، ومؤامرة على سوريا ، مستغلة أوضاعاً اقتصادية وسياسية ومذهبية متوترة ، لتحدث تفكيكاً وانهياراً (للدولة) وللنسيج الاجتماعى الواحد ، وللأسف لعبت (الجامعة العربية) ومنظومة الخليج العربى التى كانت بلدانها وفقاً للمعايير الحقيقية لعلم الثورات هى الأولى بالثورة وبالربيع العربى الحقيقى ، ولكنها الفوضى فى المفاهيم والقصف الإعلامى المزيف للحقائق الذى جعل من الحق باطلاً ومن الباطل حقاً.
(3)
* إن تفكيك سوريا وإنهاء دورها العربى المعادى لإسرائيل والمدافع عن الحقوق الفلسطينية هو الهدف الأبرز لما يجرى فى سوريا وهو عين ما صرح به قادة الكيان الصهيونى أكثر من مرة ، من أنهم يتمنون ، بل ويسعون إلى إسقاط نظام بشار الأسد ، كتمهيد منطقى لضرب منظومة المقاومة العربية والإسلامية المعادية لتل أبيب ممثلة فى حزب الله وإيران وبعض حركات المقاومة الفلسطينية (مثل الجهاد الإسلامى فى فلسطين وحماس الداخل وليس حماس الخارج !! حيث هنالك فارق كبير من وجهة نظرنا ليس هنا مقام إبرازه) ، ومن هذه التصريحات وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما يجرى فى سوريا بأنه " مجزرة تجرى ضد المدنيين بمساعدة إيران وحزب الله " ، وقال إن ذلك يكشف وجه محور الشر هذا بكامل بشاعته ، كما دعا دانى أيالون – نائب وزير الخارجية الإسرائيلى – إلى إرسال قوات دولية إلى سوريا ، وهو ما دعا إليه أيضاً الرئيس شيمون بيريز .
وتصاعدت حدة التصريحات بحديث نائب رئيس الحكومة وزعيم حزب كاديما شاؤول موفاز عن جريمة ضد الإنسانية فى سوريا ، واعتبر أن " صمت قوى العالم يتناقض مع المنطق الإنسانى برمته " ، وأشار إلى أن العالم يكتفى فقط بالإدانة المتراخية بدلاً من التدخل للإطاحة بالأسد . [ تصريحات تبدو وأنها صادرة عن قادة لمنظمات حقوق إنسان وليس لقتلة محترفين ضد الشعب الفلسطينى !! ]
بالإضافة لذلك يأتى تصريح صرح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق إفرام هاليفي بأن عدم الإستقرار في سورية يشكل مخاطر أمنية صارخة بالنسبة لإسرائيل ولكنه أيضا يوفر فرصة لتوجيه ضربة قوية لطموحات إيران الإقليمية وبرنامجها النووي. 
جاء ذلك في مقابلة أجرتها صحيفة 'لوس أنجليس تايمز' الأمريكية مع هاليفي'وهو الآن محلل سياسي بارز. 
ويذكر أن جدلا يسود في إسرائيل خلال الأسابيع الأخيرة حول الحكمة من شن ضربة عسكرية ضد المنشأت النووية الإيرانية. 
ويعتقد هاليفي الذي تولى أيضا رئاسة جهاز الإستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في الفترة من 1998 إلى''2002 إن إسرائيل يجب أن تركز أيضا على إستغلال الفرصة لضرب إيران سياسيا ودبلوماسيا من خلال إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد الحليف القوي لإيران. 
وقال المسئول الإستخباراتي السابق إن إسرائيل يجب أن تنظر إلى إيران وسورية بإعتبارهما طرفين في نفس المشكلة. ووصف هاليفي سورية بأنها 'حصان طروادة' بالنسبة لإيران حيث أستثمرت طهران جهودا ضخمة لتأمين سورية كشريك كبير ، فالأقلية العلوية قريبة من الشيعة في إيران والجيش السوري يعتمد في الأساس على القيادة العلوية ولديه وحدات من العلويين فقط وهذا مايزيد من أهمية الاستثمار الايرانى. 
وأضاف هاليفي أن سورية هي السبيل لتسليح إيران لحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة. وأوضح قائلا 'إذا سقط النظام في سورية وتم طرد الإيرانيين سيمثل ذلك هزيمة مشينة بالنسبة لإيران'. 
وقال إنه لا يعتقد في التقارير التي تتحدث عن جهود تنظيم القاعدة لتكوين معقل له في سورية وإنه ليس قلقا تجاه أن يحل نظام سني مسلم محل نظام الأسد العلوي وهو أيضا أكثر عداء لإسرائيل. وقال إن''أي بديل لبشار الأسد أفضل " .
هذه التصريحات الإسرائيلية وغيرها تؤكد أننا إذا لم نكن إزاء (مؤامرة) على سوريا فنحن على الأقل إزاء توظيف واستفادة إسرائيلية كبرى من هذه الأزمة وأنها تقدم لها خدمة جليلة كما أكد قادة الكيان الصهيونى .
* ولعل هذا الاستنزاف المستمر للجيش السورى لأكثر من عامين يمثل أكبر هدية تقدم لتل أبيب ، فلقد تحقق لها ما لم تكن ستتمكن من تحقيقه بالحرب المباشرة مضافاً إليه تدمير المدن والقرى والتراث ونشر الفوضى والخراب وفقدان الأمن لدى ملايين السوريين ، وهى نتيجة المستفاد الأول منها ولاشك إسرائيل وواشنطن وأنقرة المتواطئة عبر الـ 24 قاعدة أمريكية فى أراضيها فى هذا الصراع والخراب المشتغل فى سوريا .
أما دول الخليج وتحديداً (الرياض وقطر) فهما فى إطار (الأدوات) المنفذة والممولة لهذا الصراع وليسوا فى دور العقول المدبرة والمخططة له ، وإذا ما حدثت تسوية ما (وحتماً ستحدث خلال الشهور القادمة) سيتم تجاهل أدوار الخليج والقفز عليها باعتبارهم مجرد (أدوات) لا يليق بها أن ترتقى – وفقاً لواشنطن – إلى مناط القيادات التى تتقاسم ثمار الصراع ، وطبعاً هذا ليس معناه تجاهل إلقاء بعض الفتات لها ، من قبيل المشاركة الضئيلة فى استثمار الغاز المكتشف حديثاً فى البحر المتوسط قبالة سوريا !! فماذا عنه ؟!
(4)
* ويحدثنا الواقع المعقد للأزمة السورية فيذهب بنا إلى أن الصراع حول النفط والطاقة (والغاز تحديداً) شكّل أحد الأبعاد السرية المهمة لهذه الأزمة ، ووفق دراسة مهمة للباحثة (هناء عليان) تحمل عنوان (حروب الغاز هى سبب الاضطرابات فى الشرق الأوسط) تقول فيها :
لا شك أن حرب الغاز، تشكل إحدى الخلفيات المهمة للأحداث في سورية، والظلال الخفية لهذه الحرب يتم التستر عليها، ولكن الغاز والسباق على استثماره من جهة، والبحث عن خطوط إمداد جديدة له إلى أوروبا ليشكل بديلاً للغاز الروسي من جهة أخرى، هما من أبرز خلفيات العدوان الحالي على سورية.
في الواقع، وإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة مع الحرب التي كانت قائمة على ليبيا من قبل الفرنسيين والأميركيين لنهب الغاز فيها، يبدو أن الأمور تتكرر هي هي في سورية، بحيث أن شهية بعض الحكام العرب والغربيين لالتهام الغاز في سورية مفتوحة، والهدف الحقيقي من الحرب عليها ليس لفرض الديمقراطية، إنما هو للسيطرة على مواردها الطبيعية، لا سيما الغاز الذي يتوافر بكميات كبيرة، على أن هذا المخطط يصطدم بالجدار الروسي التي تعتبر الآن المزود الأساس لأوروبا.
وكان تردد في الآونة الأخيرة بعض المعلومات، التي أشارت إلى أنه لدى قطر مشروع لمد أنبوب لنقل الغاز منها إلى حمص عبر الأراضي السعودية والأردنية، وأن هذا الأنبوب سيلاقي الأنبوب "الإسرائيلي" في الأردن، ومن حمص سيتجه هذا الأنبوب إلى تركيا، حيث ينقل إلى ضفاف بحر البوسفور، ومن هناك إلى البر الأوروبي، لكن لا معلومات مؤكدة بعد في هذا الإطار.
هذا ويحوي حوض البحر المتوسط على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، لذلك من الطبيعي أن يكون محط أطماع جهات خارجية عديدة، ترغب في الهيمنة على هذه الحقول، لكن – وفقاً لهناء عليان - ينصب التركيز على سورية في هذه المرحلة، لأنها جزء حيوي من مشروع خط الغاز العربي الممتد على 1200 كلم، ومشروع خط الغاز العربي، هو خط لتصدير الغاز المصري لدول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا، وتتضمن الخطة إنشاء خط من مدينة العريش شمال سيناء إلى العقبة جنوب الأردن، والجزء الثاني من المشروع يصل بين العقبة والرحاب في الأردن، والتي تبعد 24 كلم عن الحدود السورية، أما الجزء الثالث للخط فطوله 324 كلم من الأردن إلى دير علي في سورية، ومن هناك سيمتد ليصل إلى قرية رايان، وعام 2006 تم الاتفاق بين مصر وسورية والأردن ولبنان وتركيا ورومانيا على توصيل خط الغاز إلى الحدود السورية – التركية، ومن هناك سيتم وصله بخط غاز نابوكو ليوصل بالقارة الأوروبية، وكانت سلطات مصر والأردن ولبنان وسورية، قد اتفقت عام 2004 مع العراق على توصيل خط الغاز العربي مع العراق، لتصدير الغاز العراقي لأوروبا أيضاً، لكن الخطط تأجلت بسبب الأوضاع التي طرأت على المنطقة عاماً بعد عام، وتنقلت بين دولة وأخرى. إلا أن ما سبق – والقول لهناء عليان – " يوضح أن تغيير النظام السوري كان مخططاً له، كما الحال مع العراق وليبيا والصومال والسودان وحتى إيران، وإن لم تنجح الثورة الخضراء عام 2009، وبالطبع إن الدور المركزي لسورية في خط الغاز العربي، يفسر لماذا أصبحت اليوم مستهدفة بهذا الشكل ".
(5)
* إن هذه الأبعاد العالمية والإقليمية والداخلية للأزمة فى سوريا ، تعنى أن حلها أو التسوية بشأنها لابد وأن تنطلق منها وأن تأخذها فى حساباتها ، وإذا جاز لنا أن نتصور شكل التسوية القادمة للصراع الدائر (فى) و(على) سوريا ، فإنها حتماً ستتضمن بقاء النظام الحالى مع تغييرات فى الشكل والأداء الديمقراطى للحكم ، وذلك لأن الحقائق على الأرض أثبتت استعصاء عملية إسقاطه بالقوة رغم الدعم المالى والتسليحى والسياسى والإعلامى الكبير لمخطط إسقاطه عبر الحلف السباعى (واشنطن – تل أبيب – أنقرة – الرياض – الدوحة – باريس – لندن) ؛ وإذا ما خرج النظام الحاكم فى سوريا بدون إسقاطه بالقوة خاصة شخص الرئيس ، مع إحلال قيادات آخرى بديلة (يتردد اسم فاروق الشرع) وبقاء التحالفات الإقليمية الرئيسية (إيران – العراق – لبنان – حزب الله) والدولية (روسيا – الصين) ، فإن موقفه من العدو الإسرائيلى سيظل ثابتاً مما سيمثل هزيمة استراتيجية لواشنطن وتل أبيب وقوى الحلف السباعى ، وهو ما ستحاول روسيا والصين تعويضه ربما بمفاوضات سياسية مستقبلية حول ملفات الجولان ومزارع شبعا ، وقضية اللاجئين السوريين (ربما لهذا السبب أثارت الدول الغربية والخليجية للمعارضة السورية ملف وأحداث مخيم اليرموك) والملف النووى الإيرانى؛ سنكون أمام مقايضة سياسية كبرى للصراع . بيد أن التسوية القادمة للأزمة فى سوريا لا ينبغى لها أن تغفل عناصر جديدة مقلقة حتى للأطراف الدولية الداعمة للمعارضين ، عناصر دخلت على الأزمة وتكاد تكون هى الممثل الحقيقى للمعارضة السورية ونقصد بها جماعات تنظيم القاعدة (جبهة النصرة تحديداً) والتى قد تعطل تكتيكياً الحل السياسى الشامل ، ولكنها لن تمنعه استراتيجياً خاصة إذا ما أغلق عليها صنبور الدعم اللوجستى الخليجى والأمريكى .
***
* على أية حال .. إن الأزمة فى سوريا تعد بمثابة (الكاشفة) أو (يوم القيامة) العربى والذى سيتحدد بناء على نتائجه النهائية ، شكل المنطقة ومسارها المستقبلى ، وهو مسار للأسف خرج من بين أيدى أبناء هذه المنطقة ليقع بين أيدى المصالح والاستراتيجيات الدولية الطامعة ، بأقوى مما كان الأمر عبر المائتى عام الماضية من تاريخ هذه المنطقة مع الاستعمار الغربى.. فهل ما تبقى مستقلاً (وهو قليل عدداً ودوراً) من قوى وجماعات ودول قادرة على المواجهة ، وتغيير مسار المنطقة ومصيرها بعد انتهاء الأزمة فى سوريا ؟ سؤال يبحث عن إجابة !! .
E – mail : yafafr@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: