20 يناير 2013

حتى لو جاءت حكومة من السماء..!! بقلم طه خليفة



طه خليفة
لو جاءت حكومة من السماء فلن تصلح الأوضاع فى مصر ما لم يكن المصريون على استعداد لإصلاح أنفسهم وأحوالهم أولاً.
كوارث القطارات نموذج لما وصلت إليه مصر دولة ونظامًا وشعبًا من القوع فى الحضيض، وانهيار المساكن نموذج آخر، والفساد المتفشى كالسوس فى الخشب، والرشوة التى صارت قانون الحياة، والواسطة التى تدخل الطلاب الكليات العسكرية وتعين الوزير ووكيل النيابة وكل الوظائف حتى الخفير النظامي.
مصر الحالية انتهى عمرها الافتراضي، ومصر الجديدة تحتاج بناءً من جديد بأساسات جديدة بأجيال جديدة ولا أمل فى الجيل الحالى سواء فى الحكم أو المعارضة، فقد انتهت صلاحيتهم، فهم أبناء الماضي، وليس لديهم تطلع للمستقبل، وتسيطر عليهم عداوات وصراعات قديمة موروثة لن تزول.
الأمل فى أجيال شابة لم تتربَّ وتترعرع فى ظل حكم الفرد والكبت والقمع والإقصاء وتقديم أهل الثقة على أهل الخبرة والمنافع المتبادلة والسادة والعبيد.
الثورة التى لم تغير شيئًا حتى الآن، والحكم والمعارضة هما امتداد للجمهورية الأولى بكل أمراضها العضال، فهم كأفراد وأحزاب وجماعات نشأوا ورضعوا من ثدى النظام الديكتاتورى الذى كانوا محكومين به فخرجوا نسخة مشوهة منه.
نحتاج إلى أجيال جديدة لم تعش القهر ولم ترضخ له أو تعقد صفقات معه أو تناور أو حتى تدخل سجونه ومعتقلاته.
نحتاج إلى أجيال جديدة تفكر وتخطط وتبدع بكفاءتها وجدارتها وعلمها ومهارتها وليس بالحائط الذى يسندها ولا المصالح ولا العلاقات الخاصة. 
نحتاج لأجيال جديدة تشعر أنها تنتمى فعلاً لوطن اسمه مصر قبل أن تنتمى لنفسها، أو تنظيمها بشرط أن تقدم لهم مصر شيئًا فهذا يجعلهم يحبونها ويتمسكون بها ولا يشعرون تجاهها بالظلم والحرمان. 
نحتاج لأجيال متحابة متصافية متسامحة متنافسة فى شرف واحترام لبناء مصر مثلما حصل فى بلدان عديدة كانت فى أوضاع أسوأ منا، لكنها شمرت عن سواعدها وبنت بلدانها بجد وليس بالفهلوة والتصريحات الوردية وبناء قصور من الأمل فوق الرمال، وقد حصدت هذه الأجيال العائد ولم تحرم منه ولم يقتنصه رجال السلطة والانتهازيون والأفّاقون..نحتاج لأجيال لا تتصارع على السلطة والمناصب والنفوذ ولا تتملكها شهوة الامتلاك والتملك والأنانية.
هل يكون فى مصر جيل مثل جيل الشباب فى أمريكا الذى رجح كفة شاب أسود اسمه أوباما لرئاسة القوة العظمى ولفترتين متتاليتين فى انحياز له ولما يمثله عن اقتناع بالتغيير، وليس مجرد ترضية قطاع من السكان تعرض لمظالم تاريخية.
نحتاج إلى أجيال تؤمن بالعدالة الاجتماعية، ولا تتاجر بمعاناة الفقراء، وتساوى بين جميع المواطنين فى الفرص، فلا يأخذ أحد فرصة آخر أحق منه إلا وفقًا للكفاءة والجدارة والعلم والتفكير.
من هو المنتمى لمصر اليوم؟ ومن هو الذى يعمل لمصر اليوم؟
لا أحد، ودعك من كلام الأغاني، فهى نفاق فى نفاق، والبلدان المتقدمة لم تُبنَ بالأغانى الوطنية، إنما بالعمل والإنتاج والإبداع وبراءات الاختراع والتعليم الجيد والتصدير والشركات الكبرى.
ليس هناك انتماء، ولا ولاء، إنما الانتماء الوحيد للنفس، وللمصلحة، فإذا كانت لك مصلحة مع مصر فأنت منتمٍ لبعض الوقت، وعندما تنتهى المصلحة فلا تعرف مصر.
مرفق السكة الحديدية فاشل، ولا يصلح للآدميين، وسيلة نقل متخلفة، أقل فى المستوى شكلاً ومضمونًا عن المرفق فى سنوات سابقة.
المشكلة ليست فى الميزانيات التى تنفق على التطوير، إنما فى طريقة الصرف، وغياب الضمير حيث تتبدد الأموال وتسرق وتغش الأعمال والإنشاءات، ومن لا يصدق فعليه أن يركب سيارة ويسير بجوار خط السكة الحديد من أحمد حلمى وحتى بنها مثلاً، وإذا كان لديه وقت فليواصل المسير على الطريق الزراعي، حيث سيشاهد الأسوار والمزلقانات والمحطات والعمال فى غاية التخلف، وفى صورة تناسب بلدًا مثل الصومال أو أفغانستان، لا المقاول عنده ضمير، ولا الحرفى مبدع، ولا المسئولين الذين يراقبون حريصون على المال العام، فالجميع شركاء فى نهب هذا المال. فساد فى فساد من أكبر رأس حتى أصغرها فى كل المرافق. اصرفوا المليارات على ما يسمى التطوير وستكون الحصيلة متواضعة من أعمال غاية فى الكآبة والإهمال ولن يزيد عمرها على 10 سنوات ثم تنهار، أما الإنسان فإنه سيبقى كما هو لا منتمٍ ولا ضمير لديه ولا إبداع فى عمله.
هناك ثورة، لكن أين المصرى الذى تغير بدءًا من رئيس الدولة وحتى أصغر مسئول، وأصغر مواطن، لا أحد تغير، هو نفس الإنسان فى عصر مبارك وما قبله.
المصرى شكلاً ومضمونًا، حكمًا ومعارضة، بهوات وأفندية وهوانم ومواطنين ومواطنات من قاع المجتمع لا علاقة لهم بما يجب أن تكون عليه مصر، أو بمصر التى تحدث عنها الشيخ السعودى محمد العريفي.
لقد أصبحنا عبئاً على مصر.
tmyal66@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: