23 نوفمبر 2012

العبث السياسي بين الشرعية الثورية والاعلان الدستورى- د محمود ابوالوفا



د محمود ابوالوفا
عندما ينسى السياسيون مصلحة الوطن والمواطنين ويتناسون مبادىء الثورة ويكون السجال على الساحة السياسية يدور حول الاشكال الديموقراطية التى رتبتها ونصت عليها النظم السياسية , ويتشدق كل اولئك بالالفاظ العصية  على فهم المواطن العادى , والذى هو محور النظم السياسية وهو الهدف من وراء تلك المبادئ السياسية واشكالها المختلفه , فيدور اولئك السياسيون – متعمدين – حول الفرع ويتركون الاصل ويهتمون بالاساليب ويهملون الهدف , يصبح المشهد خليطا من العبثيه واللامنطقيه , فى البدأ يجب ان نعرف ان النظم السياسيه التى استقرت على مدار القرنين الماضيين اكدت على ان الهدف الرئيسى من وراء هذه النظم هى الامه والتى هى مصدر السلطات فاذا تعارضت الاشكال والاساليب مع مصلحة الامه فليس ثم من القفز عليها وعلى الاجراءات للوصول الى مصلحة الامه , وقد عرفت الكثير من الامم هذا الوضع الاستثنائى فيما عُرف بالشرعيه الثوريه والتى تُنحى الاشكال والاساليب التى وضعت اطارها النظم السياسيه والتى تعرف بالشرعيه الدستوريه , فتُنحى الشرعيه الدستوريه والتى تعنى فى مجملها الاطار العام الذى يعمل من خلاله نظام الحكم , من خلال السلطات الثلاث التنفيذيه والتشريعيه والقضائيه , لكن يجب ان يكون واضحا لدينا ان تمسك أي نظام بمبدأ الشرعية لابد أن تكون النقطة الجديرة بالملاحظه هي مدى تمسك هذا النظام بنتائج المبدأ , فالنص على المبدأ في طيات الدساتير مع وجوب وجوده الا انه غير كاف ، ولا يحقق الغرض الذي تتوق اليه الشعوب والتى بذلت الدماء من اجل إرساء دعائم هذا المبدأ ، ولكن الذي يجعل هذا المبدأ محققا لأغراضه هو التمسك بالنتائج المترتبة على الأخذ به , وهي بمثابة الممارسة العملية للمبدأ، ولذا فأن الثوره تعنى ازاحة الشرعيه الدستوريه اما لان الدستور تم التلاعب به ليجعل الحاكم متسلطا على رقاب الشعب حتى اخر عمره المديد , واما للتلاعب بتنفيذ احكام الدستور فتقوم الفئه الحاكمه بقمع الشعب وحرمانه من حقوقه الدستوريه بالترهيب والتزوير والممارسات القذره التى يداس فيها على الشرعيه باحذية الفئه الحاكمه المتحكمه , ولذلك تظهر شرعية اخرى تسمى الشرعيه الثوريه , وفى المشهد المصرى عندما اتخذ الرئيس السابق قراره بالتخلى عن منصبه لم يترك خيار للشعب وانما مارس ديكتاتوريته بعيدا حتى عن الاجراءات المنصوص عليها فى الدستور المعمول به فى تلك الفتره وسلم الحكم للمجلس العسكرى , ومع تسليمنا بسقوط الدستور مع سقوط الحاكم وفئته , ولما كان مبارك قد اسس دوله عميقه - كما سماها من ينتمون الى مبارك وعصره - من الفساد بكافة انواعه سياسي واقتصادى وامنى واجتماعى على المستويين الداخلى والخارجى فقد اطبق ممن هم فى الدوله العميقه على مقاليد الامور بالبلاد لمساعدة المجلس العسكرى , فتلاعبوا بالشعب وتلاعبوا بالنخب السياسيه والتى لم يتجاوز ايا منها مرحلة الطفوله السياسيه , فسهل قيادها والتحكم فيها والتلاعب بها يمينا ويسارا من المجلس العسكرى, والدول العميقه لم تترك مكانا فى مصر الا وتخندقت حوله مع اعترافا بتجذرها بشكل يصعب من عملية اجتثاثها , وكان الاثر المباشر لكل ذلك ادثار وغياب مفهوم الشرعية الثورية عن المشهد المصرى بشكل شبه كامل , وأدّى ذلك إلى حالة التخبّط الشديد فى الشارع الثورى وساعد على تعزيز قدرة السلطات الغير ثورية او دولة الفساد العميقه فى الامساك بزمام الامور , وطبقا لكل النظريات السياسيه ولتجارب الثورات فاننى ازعم انه لو كانت الشرعية الثورية قد اخذت مكانها الصحيح فى المشهد السياسى المصرى لكانت الامور على غير ما هى عليه الان , ولما كان بوسع المجلس العسكري أن يتلاعب بالشعب بكافة طوائفه سواء اكانوا نخبا ام عوام ’ فقد استفتي الشعب على تعديل دستور ساقط بموجب الثوره , ولما كان له ان يصدر اعلان دستورى فقد اصدر لنا اعلان 30 مارس 2011 معيبا ليهدر اموال ووقت الشعب وقواه فى انتخابات محكوما بعدم دستوريتها ويضع الامه فى مأزق تاريخى خطير لم تستطع ان تتجاوزه طوال اكتر من عشرين شهرا , ولما كان قد وضع لنفسه كل الصلاحيات فى الماده 56 من ذلك الاعلان ولكن ولكى يزداد الموقف سوادا وعذابا فقد استثنى من هذه الصلاحيات التى تنتقل الى من ينتخب رئيسا من الشعب الفقره الاولى والثانيه من نفس الماده , فمن الغرابه ان يضع لنفسه كل بنود الماده وهو المعين من قبل من ثار عليه الشعب واسقطه اى ان المجلس فاقدا للشرعيه من الاساس ثم يقوم بتقليص صلاحيات الرئيس المنتخب من الشعب فمن اختاره الدكتاتور الساقط الشرعيه يتمتع بكافة الصلاحيات اما من اختاره الشعب فيصبح ناقص الصلاحيات , والسؤال الذى اطرحه اين كانت النخب من كل هذا , والاجابه معروفه انهم جميعا انشغلوا بالتعارك على عظمه , ولو كانت الشرعيه الثوريه قائمه لما استطاع المجلس العسكرى بعد ان قضى على الهيئه المنتخبه من قبل الشعب ليصدر الاعلان الدستوري المكمل ليجهز بالكامل علي صلاحيات السلطات المنتخبة ولتقوم المحكمة الدستورية بحل برلماناً منتخباً بأوسع مشاركة شعبية في تاريخ مصر, و لتُحدث بذلك القرار فراغاً هائلاً في مرحلة شديدة الحرج من تاريخ مصر, والسؤال اين كان الذين يسمون انفسهم ويسميهم الاعلام المضلل - وما اكثره - بالنخب , كانوا يتعاركون على العظمه , وكانت المحكمه الدستوريه - احدى مخرجات الدوله العميقه- قد اجهضت من قبل قانون العزل السياسى بدعوى عدم الدستوريه لتساعد بقرارها انتاج النظام القديم والقضاء على الثوره !! فلوكانت الشرعيه الثوريه قد اقيمت لاطاحة بالنظام كله بسلطاته الثلاث تنفيذى وتشريعى وقضائى وللمره المائه يقع من يسمون نفسهم بالنخب فى فخ الدوله العميقه , ولم يسأل عاقل منهم نفسه ما هى شرعية احد مكونات نظام مبارك حتى يحكم بالدستوريه او عدم الدستوريه ؟ ولماذا رضوا من الاساس بوجود هذه السلطه الوحيده التى لم تكسحها رياح الثوره كما تقول النظم السياسيه ؟ , مرة اخرى ربما يعود السبب إلى عدم وضوح مفهوم الشرعية الثوريه , والركون الى الاسهل وهو العودة إلى النظام والآليات الهيئات القضائية الموجودة منذ عهد النظام السابق , هذا الواقع الاسود كان لابد معه للنخب محاولة البحث والاتفاق على آليات لتفعيل مفهوم شرعية الثورة , والذى لابد ان يعرف الشعب والنخب الجاهله المتعاركه على البعوض ليس هناك ثورة في التاريخ تطيع دستور ساقط وحفنه ممن ينصبهم الحاكم المخلوع بثوره شعبيه , والا اجيبونى متى كانت الثورات دستوريه ؟ , ان الثورات دائماً وأبداً غير دستورية ومخالفة للقانون , فهى دائما تكون ضد القوانين والدساتير الفاسده او الغير مطبقه , هل كان دستور 71  يدعو الى الثوره ؟ ان مفهوم الشرعية الثورية يولد من  صلب مبدأ ان الثورة تستمد شرعيتها من نفسها وليس من أي قانون , الثورة هي حالة فوق دستورية وفوق قانونية ولا تخضع لأحكام القضاء , وحال قيام الثوره فان الدستور والنظام القائم عليه يسقط تلقائياً  دون الحاجة إلى أي إجراءات آخرى وذلك عندما تنتصر الثورة , ويصبح مفهوم الشرعية الثورية هو الاساس وتصبح مصلحة الشعب ومصلحة الثوره فوق كل اعتبار سواء اكان دستورا ام كانت احكاما قضائيه او قرارات عليا , بمعنى أن أحكام القضاء والاعلانات الدستورية الفوقية من الفئه المعينه من قبل من خلعه الشعب تُعتبر غير مُلزمة وغير شرعية إذا تناقضت مع شرعية ألثورة , فاذا كان الاصل فى مرحلة الثوره العمل على إنجاح الثورة , فيصبح الهدف في المرحلة الانتقالية هو تفكيك دولة الفساد العميقه والذى لن يتحقق الا اذا تم منع بقايا النظام من الالتفاف على الثورة وإعادة النظام القديم لذا فاننى ارى أن مجلس الشعب المصري "المُنحل" هو فى الاساس تم حله من سلطه سقطت بسقوط النظام لا شرعية لها وهذا ليس من عندى لكن هذا هو رأى النظم السياسيه التى استقر عليها رأى رواد النظم السياسيه , وهذا الرأى منطقى وواقعي وليس محض نظرية , ان كل التهم التى وجهت لرموز النظام الفاسد الذى ثار عليه الشعب وكل التهم الخاصه بقتل واصابة الشهداء قد تم الحكم فيها بالبراءه لان النيابه العامه قد احالت المتهمين الى القضاء دون استيفاء الادله وبعض القضايا تم اتلاف الادله بين الجهاز الشرطى والنيابى , والمعروف ان كلا الجهازين نيابه وشرطه من الموظفين العمومين وبناءا على النتائج حتى الان قد فشلا فشلا زريعا فى تحقيق ارادة الشعب واثبات الجرائم الثابته فى حق رموز النظام السابق , لذا يجب مسائلتهما ومحاكمتهما محاكم ثوريه والحكم عليهما اذا ما ثبت تورطهما وسوف يثبت  احد امرين اما اخفاء الحقيقه او الفشل فى اداء المهمه وكلاهما يستوجب العزل او العقوبه , ان مهرجان البراءه للجميع والذى اقيم تحت ادارة النائب العام وقيادات الشرطه يجب الا يمر مرور الكرام فهم يعملون لدى الشعب وقد رتبوا لانفسهم فى ظل الدوله العميقه وضعا فوق الشعب واصبحوا الهة , يستثنى الشرفاء منهم وهم كثير من كثير , ولذا لما يقوم الرئيس المنتخب باخذ خطوه نحو الشرعيه الثوريه التى لا تعترف بالشرعيه الدستوريه وبقوم البعض ممن يسمون انفسهم نخب بالاعتراض وحشد الناس تحت مسمىيات مختلفه , فانه يكون من قبيل العبث السياسي والتى لا اجد لها مسمى ابشع من هذا , واننى استغربكم فما طرف لكم جفن ولا دمعت لكم عين ولا خرج منكم صوت والمجلس العسكرى فاقد الشرعيه والاهليه يصدر البيانات والاعلانات السيئه ليعيث فينا فاسدا , اين كنتم ؟ ان الرئيس المنتخب ليس الها يعبد من دون الله وليس كل قراراته رشيده وسليمه مائه بالمائه , اننى اسأل كل من نزل معترضا على قراراته هل تريد التفريط فى دم الوطن والشهداء ؟ هلى تريد الا تبقى فى البلد هيئه منتخبه واحده ؟ هل تريد ان تمنع تعويض ذوى الشهداء ؟ ماذا تبقى من الاعلان ؟! تحصين قرارات الرئيس السابقه هل تريد الغاء اول اعلان دستورى للرئيس وبذلك يرجع المجلس العسكرى الذى عينه مبارك عندما خلعه الشعب ؟ لو انصفتم لاعترضتم على البنود التى تظنون انها سيئه واقترحتم حلول , ولايدتم المواد المنصفه للشهداء والوطن والمواطنين , كان اجدر بكم ان تنصحوا الرئيس وتتناصحوا معه بان يعيد المجلس المنتخب الذى حُل من سلطه باطله بقرارا باطل لكن لان مصلحتكم فوق مصلحة الوطن ولان اغلبية ذلك المجلس الذى انتخبه الشعب من منافسيكم فلتذهب ارادة الشعب الى الجحيم وليمت الشعب وانتم تعيشون لتحكموه , اننى لست مع تركيز السلطات فى شخص الرئيس ولذا ليس امامنا الا رجوع مجلس الشعب لننتزع من يد الرئيس سلطة التشريع ولنساعده حتى لا يتحول الى دكتاتور , واننى اتسائل لو كان اى واحد منا مكان الرئيس ماذا كان فاعلا , هل يترك للسلطه صنيعة مبارك ان تهدم السلطات المنتخبه وتعيد المجلس العسكرى اما انكم ايضا ولان الشورى غالبيته من منافسيكم اختارهم الشعب الذى لا يهمكم اختياره فليذهب الى الجحيم المهم ان تدمرو الشورى لتصلوا الى السلطه , اذا تحول الجالس على عرش مصر اليوم الى دكتاتور فستكونون انتم السبب الرئيسى فى هذا التحول لان تصرفاتكم تدفع الحليم لان يفقد عقله فى المشهد العبثى السياسي الذين تديرونه بمنطق المكاسب والمصالح الخاصه ,  قليلا من العقل والتعقل لتمر الشهور القليله القادمه بسلام وهناك الكثير من المخارج التى يمكن ان تسير بها السفينه الى بر الامان , لكننى اعتقد ان النيات ليست فى اتجاه مصلحة هذا الشعب , " ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا "
خبير بجامعة الدول العربيه
maw01000@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: