10 أكتوبر 2012

الوصاية الامريكية علي الامة العربية والإسلامية




الدكتور عادل عامر

أمام العرب الآن خطر اسمه مشروع الشرق الأوسط الكبير لنشر الديمقراطية الحارقة وتغيير عقلية العرب وفقاً للنموذج الأمريكي، وهذه معركة أصبحت معركة حياة أو موت، فالإدارة الأمريكية تطرح الآن بل تنفذ ذلك للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وهو في الحقيقة التعبير الأخير عن الهيمنة الأمريكية وفرض الوصاية على الأمة العربية، والمشروع يدعي أن الهدف نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الذي يشمل الدول العربية والإسلامية جميعها من الغرب إلى موريتانيا وباكستان وافغانستان المحتلة حالياً من قبل قوات الناتو، وتقول الإدارة الأمريكية: إنها تريد تغيير الشعوب والحكومات في هذه الدول تكراراً لما فعلته في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، وقد بدأت الإدارة الأمريكية في مباحثات مع شركاء أوروبيين لبلورة هذه الخطة، وهذا المشروع يمثل الاستعمار الجديد للعرب والمسلمين، وما يعلن في التصريحات عن النيات الحسنة بأن الهدف هو إصلاح أحوال الدول العربية ليس إلا الغطاء السياسي وقد بدأ بالعراق وليبيا وتونس ومصر واليمن والسودان وما يجري من تآمر عربي على سورية وشعبها الأبي العظيم، هو طبقة السكر التي تغلف الدواء المر، وأول مرة أعلنت فيها أمريكا عن هذا المشروع عندما ألقى نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) السابق خطاباً في المنتدى الاقتصادي الدولي في دافوس بسويسرا عام 2003 وقال فيه (إن استراتيجيتنا القادمة نشر الحرية في العام تلزمنا بمساندة هؤلاء الذين يعملون ويضحون من أجل الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير، ونحن نناشد أصدقاءنا وحلفاءنا أنصار الديمقراطية في كل مكان وفي أوروبا على وجه الخصوص، الانضمام إلينا في هذا العمل)، وقبل ذلك أعلن (كولن باول) وزير خارجية أمريكا السابق عن مبادرة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط أثارت زوبعة من الاعتراضات من الشعوب العربية على أساس أنها تدخل مرفوض.‏ فالهدف إذن من مشروع الشرق الأوسط الكبير هو تغيير العالم العربي والإسلامي تغييراً كاملاً يشمل التغيير السياسي والتغيير الاقتصادي ومسائل الأمن والتسليح وتحديد الطريق أمام هذه الدول لتنفيذ ما يقال: إنه الإصلاحات المطلوبة، ولكن العرب لم ينتبهوا إلى هذا المشروع الإقليمي الصهيوني إلى أن وصلت الموجة إلى رقابهم، ولعلهم سمعوا ما قاله السيناتور الأمريكي (ريتشارد لوجار) رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق بمجلس الشيوخ الأمريكي في خطابه الذي دعا فيه دول حلف الناتو إلى احترام الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط على القيام بمهامها واستكمال هذه المهام وعدد منها، حفظ السلام، والقضاء على الإرهاب، والإصلاح السياسي والعسكري، ولعلهم سمعوا أيضاً ما أعلنه السيناتور (جون ادوارد) أحد المرشحين الديمقراطيين حين قال: (نريد تغيير العالم العربي بما يتفق ومصالح أمريكا المستقبلية).‏ أليست هذه هي الوصاية الأمريكية على الدول والشعوب العربية والإسلامية في القرن الواحد والعشرين.‏ والذي راكمت مخزونه الفائض عقود مريرة اتسمت بمحطاتٍ عدوانيةٍ أميركيةٍ بشعةٍ ، يضاف إليها مستمر التبني الأميركي للعدوانية الصهيونية المستمرة ورعايتها … فلسطين ، العراق ، لبنان ، أفغانستان ، الباكستان ، الصومال ، والسودان … لذا لم يكن تفجُّر ردة الفعل الشعبية ألأخيرة على الإساءة الأميركية لنبي الأمة ورسولها الأعظم يقتصرعلى مثل هذا الحدث المقيت المستفز بعينه فحسب ، وإنما لكونه كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس الممتلىء حتى الثمالة ، وكانت أقرب إلى التعبيرالتلقائي الكاشف عن مدى قبح الصورة الأميركية في الوجدانين الشعبيين العربي والإسلامي . ماتقدم لم يكن يوماً من الأيام بخافٍ على النخب الحاكمة في الوطن العربي والعالم الإسلامي ، وبغض النظر عن طبيعتها ومواقعها واصطفافاتها أومدى تبعيتها ، ومنها أولئك الحاكمين الجدد في مرحلة مابعد الحراك الشعبي العربي ، ومع هذا ، كادوا إن يبدوا جميعاً ، المحدث منهم والمزمن ، شبه متساوين في أن يظلوا ابعد مايكونون عن ما اعتمل ويعتمل في وجدان شعوبهم لجهة مواقفهم من معنى هذه الإسائة الأميركية المشينة ، المواقف التي إتسمت بالهزال ، أو الصمت ، أوالإرتباك ، وما لايستطيعون إخفائه من الحرج . الأمريكان لايمزحون فيما يتعلق بمصالحهم ولا يلقون بالاً إلا لما يتهددها فعلاً ، كما لا يخفون معاييرهم الصهيونية لسياساتهم في المنطقة ، ولايحترمون إلا من يتصدى لها . ولنأخذ مثالاً على ضوء الإساءة الأميركية الأخيرة وردود الأفعال عليها ، وليكن العلاقة الأميركية مع مصر . أولاً ، لأهمية مصر وموقعها ومكانتها ودورها المفترضين في أمتها وجوارها الإسلامي والأفريقي ، وثانياً ، بالنظر إلى العلاقة غير المتضحة بين مصر مابعد 25 يناير والولايات المتحدة وكيانها الصهيوني في فلسطين المحتلة ، أو غير المختلفة حتى الآن عنها في عهد مبارك . لم يعجب الأمريكان الموقف الرسمي المصري ، ومعالجته للمظاهرات التي حاصرت سفارتهم في القاهرة ، والتي حمتها وأدت الى إستشهاد متظاهرين وجرح العشرات ، ووصفوا هذه المعالجة بالرد “المتراخي” . حذَّر أوباما مصر بعبارةٍ تكشف عن مغزاها :

 إن مصر”ليست حليفاً ولا عدواً”. وأستلت واشنطن سيف المساعدات وشهرته في وجه القاهرة وضائقتها الإقتصادية ، ولنأخذ مثلين لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ المملكة العربيّة السعوديّة تقع اليوم تحت الحماية الأمريكيّة، أو بتعبيرٍ أدقّ: تحت الوصاية الأمريكيّة، حتى باتت المملكة تُوصف بأنّها "محميّة أمريكيّة".السعوديّة والوصاية الأمريكيّة وحماية الأماكن المقدّسة بل إنّ البعض يعبّر عن وجهة النظر هذه بطريقة أكثر صدقاً وواقعيّة، عندما يقولون:

 إنّ العلاقة بين البلدين تشابه ـ إلى حد بعيد ـ نمط العلاقات التي تقيمها "المافيا مع زبائنها"، تلك العلاقة التي تعتمد على مبدأ (أنت تدفع وأنا أقوم بحمايتك). الوصاية الأمريكيّة على العربيّة السعوديّة تأخذ طابع الوصاية العسكريّة أوّلاً، فالولايات المتّحدة تمتلك "تسهيلات جوّيّة خاصّة" في أراضي المملكة، أي: أنّها تسرح وتمرح كما تشاء، ووقتما تشاء، دون حسيب ولا رقيب، وليس هذا فحسب، بل قد زُرعت القوّات الأمريكيّة في قلب القواعد والمراكز العسكريّة السعوديّة، وهكذا، لتكون كلّ المخطّطات والتحرّكات السعوديّة مفضوحةً ومراقبةً عن كثب. ويُقال ـ أيضاً ـ: إنّ قاعدة الظهران ترتبط ارتباطاً مباشراً بالبنتاغون الأمريكيّ!! هذه القواعد الأمريكيّة المغروسة في أراضي المملكة يتواجد عليها عدد كافٍ من الطائرات والعتاد لردع أيّ عدوانٍ محتمل على آبار النفط السعوديّة، التي هي رأس المصالح الأمريكيّة في المنطقة!! فهناك 20 طائرة أواكس، وعدد من طائرات أوريون الخاصّة بالمراقبة، التي هي بمثابة عيون وآذان أمريكيّة مفتوحة في أرجاء المنطقة، من المحيط إلى الخليج!! وإذا ما أضفنا إلى ذلك حاملة الطائرات الأمريكيّة التي تتجوّل باستمرار في مياه الخليج، وزهاء عدّة آلاف من الفنّيين الذين ينتشرون في عددٍ من المواقع الهامّة في المملكة، عند ذلك نكون قد كوّنّا فكرةً واضحة تماماً عن متانة القبضة الأمريكيّة في المنطقة. كلّ هذا والسلطات السعوديّة لا تعترف "رسميّاً" بوجود هذه القوّات على أراضيها، والإعلام السعوديّ يُحظّر عليه أن يأتي على ذكرها أصلاً، إلّا بوصفها طائرات متواجدة في الخليج!! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هنا، أنّه من هو العدوّ الذي تخافه المملكة وآل سعود، والذي تتولّى الإدارة الأمريكيّة مهمّة حمايتها منه ؟

إنّ هذه الحماية موجّهة أوّلاً ضدّ الشعب السعوديّ، وخوفاً على النظام الاستبداديّ الذي يديره آل سعود من المشاكل والاعتراضات الداخليّة التي يُتوقّع أن تثور ضدّ الأسرة الحاكمة، من منطق أنّه سيكون من الطبيعيّ حينئذٍ أن يراجع الثوّار وأصحاب الانقلابات حساباتهم مرّات عديدة قبل التعرّض لعائلةٍ تقع تحت حماية القوّة العظمى الوحيدة في العالم. كما تهدف هذه الحماية، أو الوصاية،

 ثانياً إلى حماية النظام السعوديّ من جيران المملكة خشية أن تشتدّ شوكة بعض أُولئك الجيران فيسرقون جزءاً من الدور الإقليميّ الذي يحلم به آل سعود دائماً، وهو دور الوصاية على الشعوب العربيّة  و الإسلامية ودائماً تحت ذريعة: أنّهم حماة الديار والمقدّسات ألإسلامية

* دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

*ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

* عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

محمول

01002884967

ليست هناك تعليقات: