19 سبتمبر 2012

إستراتيجية "الحرب على الإرهاب" هل تصلح لولاية رئاسية جديدة؟!




د. أبا الحكم
المقدمة:
من المؤكد، أن الإستراتيجيات لا تستنسخ في التطبيق.. لأن الواقع الخارجي والداخلي متحركان بصورة دائبة وقد يتعارضان معها كلياً أو جزئياً.. ولكن من الصعب القول أن إستراتيجية إدارة أمريكية تنسف إستراتيجية أمريكية قادمة إلى البيت الأبيض. ومن السهل أيضا تصور أن تكون السياسة الإستراتيجية للرئيس الجديد لها امتدادات في التطبيق، وهذا الأمر يقترن بجملة من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والعسكرية.
المحافظون الجدد" وأفول نجمهم في أواخر عهد رئاسة "بوش الإبن"، يحاولون الآن ترتيب أوراق عمل استراتيجي وحشد قوى من أجل إعادة تطويق الإدارة الأمريكية بعناصر تدعو وتخطط وتدفع صوب ما يسمى إعادة مكانة أمريكا المتدهورة إلى رأس الهرم السياسي الدولي تمتلك القرار الأول فيه.. وإن محاولاتهم تكون عادة بدفع من الصهيونية الممسكة بالقرار الأمريكي من جهة، وبدعم من مراكز تصنيع السلاح والنفط بالدرجة الأولى من جهة ثانية!!
إستراتيجية "الحرب على الإرهاب"، وكما نرى مسارها في التنفيذ، كلما خفت أوارها وبرد، تظهر محاولات تأجيجها من جديد.. وهذا يعني، أن مسارها الإستراتيجي يشكل الخط الأساسي العام، كما يعني أن الملفات الساخنة التي تحظى باهتمامها لا تحجبها الولاية القادمة إلى البيت الأبيض.. ولكن الذي يحدث على مسرح الانتخابات الرئاسية الأمريكية، محاولات إضعاف بالتقابل للفوز بكرسي الرئاسة.. والدليل على استمرار تبني الملفات الساخنة ومنها على وجه التحديد " الحرب على الإرهاب" و " الملف النووي الإيراني على الرغم من التوافق الإستراتيجي بين واشنطن وطهران في العراق "، هو إبقاء طاقم العمل من كلٍ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأمريكيين في عملية الاستشارة وصنع القرار.
إن عملية إضعاف الخصم الرئاسي الأمريكي على هامش الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مسألة معروفة ومستمرة في التفتيش عن مواقع الضعف وتجميع الأخطاء والإخفاقات، وذلك للفوز بسحب أصوات الناخبين، وخاصة في مسألة العزف على وترين، الأول : تعزيز مكانة أمريكا قوة عالمية.. وهذا الاتجاه يقوده المحافظون الجدد الذين يحاولون تفعيل أدوارهم بشكل قوى تحت يافطة ضعف إدارة "باراك أوباما" أمام تهديد الخارج.. ولا يستبعد إطلاقاً أن يكون الفلم المسيء للرسول محمد صلوات الله عليه من صنع هذا التيار لضرب أكثر من عصفور بحجر:
أولاً- زيادة حدة التوتر في الخارج مع المنطقة العربية والعالم الإسلامي لإحراج إدارة أوباما ووضعها في دائرة العجز.
ثانياً- إظهار العرب - المسلمين في دائرة العنف والتطرف، الأمر الذي يعزز فكرة الحاجة إلى إستراتيجية " الحرب على الإرهاب ".
ثالثاً- الاستمرار في تنفيذ هذه الإستراتيجية وخاصة في ركنها العملياتي المتعلق بـ(محاولات إشعال فتيل الفتنة بين المسلمين- المسلمين، وبين المسلمين و المسيحيين، فضلاً عن تأجيج الصراعات العرقية بين القوميات المتعايشة.
رابعاً- الدفع بقوس النيران في المنطقة العربية تدريجياً لتعم الشرق الأوسط، ومن ثم الوصول إلى تخوم روسيا الاتحادية والصين الشعبية، ولأهداف، من شأنها منع هاتين الدولتين العظميين من النهوض بأعباء الأمن والسلم الدوليين والتعايش السلمي بين الشعوب.
الأهداف الأربعة هذه تشكل الخطوط الإستراتيجية العامة، فيما تبدأ بعض المؤشرات تأخذ طابع الإفصاح عن الترابط بين الخط السياسي لـ" ميت رومني" والخط السياسي لـ "نتنياهو"، صوب التصعيد والتشدد من جهة، ووضع الغريم "باراك أوباما" في زاوية الإحراج.. وكليهما يحتاجان لمباركة " إيباك " للصعود أو البقاء في البيت الأبيض.. وكليهما يمارسان المزايدات على حساب المجتمع الأمريكي.. ولكنهما في النهاية محكومان بالإستراتيجية الكبرى العامة.. والملفت في هذا الأمر التمويل الصهيوني السخي لكل من (رومني) و(نتنياهو) في آن واحد!!

الملاحظات :
أولاً- توقيت ظهور الفلم المسيء لرمز المسلمين في ذروة الصراعات في المنطقة.
ثانياً- اختيار مناسبة 11 سبتمبر- أيلول 2001 لتفجير الموقف له مغزاه.
ثالثاً- بعض الدول الإقليمية قد استفادت من ظهور الفلم واستفادت من ردود فعل الجماهير الغاضبة، التي صرفت الانتباه عن مشكلاتها الداخلية مثل إيران، بل وجدتها مناسبة لركوب موجتها.
رابعاً- أنجز اليمين الأمريكي المتطرف، على أعتاب خطوات" إستراتيجية الحرب على الإرهاب" تأجيج خلايا القاعدة، من العراق إلى سوريا حتى المغرب العربي مروراً باليمن.
خامساً- "المحافظون الجدد" يريدون إضعاف أوباما، والأخير قد يلجأ إلى سياسة التصعيد في الخارج، وهي سياسة قد تفضي إلى الاحتكاك عند فرض الوجود العسكري المكثف في مياه الخليج العربي.. لماذا؟ لأن الإدارة الأمريكية الحالية هي التي خططت ونفذت وصول الإسلامويين إلى قمة السلطة في مصر وغيرها.
فهل استنفدت إستراتيجية "الحرب على الإرهاب" أغراضها، ليصار إلى الالتفات إلى الداخل الأمريكي لتضميد الجراح، ومعالجة البطالة التي بلغت (35) مليون نسمة، والتضخم غير المسبوق، وإفلاس الشركات، ودمج الشركات المفلسة ظاهرة واضحة، والمديونية الخارجية التي بلغت أكثر من (4) تريليون دولار... أم ستعالج مثل هذه الأزمات بتصديرها إلى الخارج وإشعال الحرائق، ومعالجة الأزمات الاقتصادية بعولمتها؟! :
أولاً- الإمبريالية الأمريكية لا تستطيع تصعيد وتائر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها إلا إذا استطاعت أن تحقق شراكة إستراتيجية على مستوى التعبئة العسكرية.. وها هي تزحف إلى مياه الخليج العربي بسفنها الحربية مع شريكاتها تحت غطاء القيام بمناورة عسكرية لمنع إيران من إغلاق مضيق هرمز، وهي تعلم بأن إيران لا تستطيع أن تغلق على نفسها المضيق.
ثانياً- الدولة الإيرانية - ولأول مرة تفصح بشكل صريح بأنها أرسلت عناصر جيش القدس التابع لولاية الفقيه للقتال في سوريا – والمعنى في ذلك، أن القيادة الصفوية في طهران قد أدركت الخطر الجدي المحدق بالنظام السياسي في دمشق، الأمر الذي فعَلتْ دعمها عبر بغداد، المنفذ الإستراتيجي الوحيد القادر على أن يكون عمقاً سوقياً للعمليات على أرض الشام.!!
وأخيراً.. هل تسْلَمَ إيران وتركيا من العاصفة ما دامتا تمتلكان ملفات التناقض العرقي والديني، في ظل وجود المحرك القوي الضاغط باتجاه التغيير؟!
17/أيلول/2012

ليست هناك تعليقات: