15 سبتمبر 2012

عن التجنيس الأمني في بلدان الخليج العربي



عبد الهادي خلف يكتب عن التجنيس الأمني في بلدان الخليج العربي

السفير:GDF
في الرابع من كانون الثاني/ يناير 2007، فاز العداء البحريني مشير سالم جوهر في سباق الماراثون في إسرائيل، فأصبح بذلك أول رياضي من بلد عربي يشارك في بطولة رياضية إسرائيلية. لم يفرح البحرينيون بمنظر مواطنهم وهو يحمل علم بلادهم في إستاد طبريا الرياضي.

بل قابلوه بضجة استنكار، سارع بعدها اتحاد ألعاب القوى البحريني لشطب اسم ذلك العداء من قوائم الاتحاد، وقررت السلطات سحب جواز سفره وتجريده من اسمه البحريني. عاد المسكين إلى كينيا، بلده الأصلي، وإلى اسمه الحقيقي، ليونارد موشيروماينا، الذي اُشتهر به في الملاعب الرياضية قبل استقدامه إلى البحرين ضمن حملة تجنيس الرياضيين الأجانب.

لم تضع "فضيحة" العداء الكيني/البحريني نهاية لسياسة تجنيس الرياضيين في البحرين أو في غيرها من دول الخليج العربية. ففيما عدا الاشتراط على المجنسين الجدد عدم المشاركة في مسابقات رياضية في إسرائيل، لم توقف البحرين تجنيس الرياضيين. وكما رأينا في أولمبياد لندن مؤخراً، كان عشرة من ثلاثة عشر مشاركا ومشارِكة باسم البحرين هم من كينيا وإثيوبيا. فهؤلاء يمثلون بالنسبة للمسؤولين عن الرياضة البحرينية أسرع وسيلة، وربما أرخصها لرفع علم البلاد في المحافل الدولية. وما دام ممكنا الغرف من مخزون الرياضيين في أفريقيا وآسيا، فلن يجد المسؤولون سبباً لتوفير البنى التحتية والخدمات والخطط التدريبية اللازمة لإعداد رياضيين محليين. بل وربما رأى المسؤولون صحة نهجهم في الاعتماد على الخارج حين شاهدوا غالبية لاعبي كرة القدم وغيرهم من الرياضيين البحرينيين يساهمون في الاحتجاجات التي عمت البلاد في أوج انتفاضة دوار اللؤلؤة.
للتجنيس الرياضي مقابلٌ آخر أكثر انتشارا واكثر خطورة على النسيج الاجتماعي وعلى المستقبل السياسي في بلدان الخليج هو التجنيس الأمني. ويتمثل هذا في منح الجنسيات الخليجية لأجانب بعد تجنيدهم في القوات المسلحة والأمن والشرطة. تقليديا، وبحكم علاقات نمت في عهد الحماية البريطانية، كانت باكستان ومنطقة البنجاب الهندية المصدرِّين الأساسيين لعناصر الأمن في بلدان الخليج، في ما عدا السعودية. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ازدياد أهمية دور اليمن كمصدِّر للعنصر البشري اللازم لتوسع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي.

رغم تعدد البلدان التي يُستجلب المجنسون الأمنيون منها، فلكل نظام خليجي أفضلياته. في البحرين مثلاً، يشكل الباكستانيون البشتون والبلوش غالبية عناصر الأمن والشرطة. وتعتمد قوة الدفاع على اليمنيين والسوريين، بينما يعتمد الحرس الوطني على المغاربة والباكستانيين البنجاب.

أكثر التبريرات المعلنة تكراراً للتجنيس الأمني هي الإشارة إلى ضعف القاعدة السكانية. إلا أن هذا التبرير لا يصمد أمام التمحيص، وخاصة في حالة البحرين التي تعاني من بطالة مزمنة بين الشباب، ولكنها تفرض منعاً مشدداُ على تشغيل المواطنين الشيعة منهم في القوات المسلحة والقوى الأمنية.

يفسر الهوس الأمني في البحرين جانباً من سلوك العائلة الحاكمة التي تعتبر أن البلاد غنيمة أخذتها بحد السيف. فرغم مرور أكثر من قرنين على "الفتح"، ما تزال السلطة تتصرف كسلطة فاتحين يخشون من أن ينقلب أهل البلاد عليهم.

ولهذا ترى العائلة الخليفية أن احتفاظها بما لديها من امتيازات مالية واجتماعية وسياسية يستلزم الاعتماد على المجندين الأجانب واستمرار الجدار الذي أقامته بينها وبين غالبية الشعب.

لا تكفي الإشارة إلى الهوس الأمني، بما فيه الخوف من الأغلبية السكانية، لتفسير انتشار الظاهرة نفسها في بقية بلدان مجلس التعاون الخليجي. فالعوائل الحاكمة في هذه البلدان تتصرف على أساس اقتناعها بأنها تملك تلك البلدان ملكية خالصة وخاصة. وأن لها وحدها حق التصرف فيها، وإن عليها وحدها مسؤولية أمنها وحمايتها.

ينعكس هذا الاقتناع في ما خبرته بلدان المنطقة منذ بدء إقامة الأجهزة الإدارية اللازمة لتنظيم تصدير النفط ، قبل سبعة عقود من ممارسات جعلت من شيخ القبيلة المتنفذة حاكماً في دولة لكنها منعت في الوقت نفسه تحول الرعية إلى مواطنين. ومع زيادة الموارد المالية والقدرات السياسية في حوزة العوائل الحاكمة منذ الطفرة النفطية الأولى في السبعينيات، إزدادت جهودها الهادفة لإبقاء الرعية رعية، تتلقى المكرمات ولكن لا حق لها في المشاركة في القرارات التي تتخذها العوائل الحاكمة، ناهيك عن مساءلتها.

ولهذا نرى أن جميع العوائل الحاكمة في الخليج لا تكتفي بإحكام سيطرتها المباشرة على الموارد المالية لبلدانها بل وعلى قدراتها الأمنية والعسكرية. وفي هذا السياق، يلعب التجنيس الأمني دوراً أساسيا في تمكين العوائل الحاكمة من ذلك دون الاعتماد على الرعية.

لم يختبر أحدٌ حتى الآن مدى فاعلية المجنسين الأمنيين خارج مهمات القمع الداخلي. فلم تقع نزاعات عسكرية كبرى تطلبت تدخل قوات مؤلفة من مجندين أجانب في منطقة الخليج. ولهذا يبقى مستقبل أمن الخليج محفوفاً بالغموض. فليس ثمة سبب معقول لعدم افتراض أن يقوم مجنسون أمنيون بأفعال غير محسوبة مثلما فعل قبل خمس سنوات مجنس رياضي حمل علم البحرين في إستاد رياضي في إسرائيل.

ليست هناك تعليقات: