29 مايو 2012

مصر : الثورة البتراء(ج1) بقلم الطيب بيتي العلوي

الطيب بيتي العلوي 

يقول داهيةالسياسة الفرنسي الأكبرطاليران TALLEYRAND(1754-1838):"لانجدفي ازمنة الثورات مزايا نبيلة(للثوار)سوى الجرأة والصلافة،وطغيان التهويل والمناورات–في نهايات الثورات- بدل الشموخ بالثورة إلى العليين"
مقاربة انثروبو-سياسية
ألا بعدا،لأولئك المثقفين والسياسيين والثوريين المزيفين الذين يثيرون الغبارأمام أعيننا لمجرد التحايل وإستجلاب الإعجاب ببهرجتهم وضجيجهمفي لحظات الفتن والضعف الإنساني،فننبهربهم في حالات الغيبوبة واليأس والقنوط والإحباط،ولكن سرعان ما تنفرالقلوب الفطرية منهم،فتنكرههم،وتستخف حتى بوجودهم""بول فاليري"
مصر التي في خاطرنا وتلك التي في خواطرهم:
إن مصر التي في خاطرالشعوب العربية والإسلامية، هي تلك البلاد التي تفرد شعبها وتاريخها بظاهرتين في الزمان والمكان-هما:القدم والاستمرار،...أوالسبق والإستقرار..،تلتقي فيها القارات القديمة وتفترق وتتواصل فيها البحارالمعروفة في الشمال والجنوب من الهندي إلى الأطلسي،تولدت فوق أرضها أول حضارة إنسانية، شكلت ذلك التجانس التاريخي لشعوب المنطقة عبرمدينة"صور"(1)،حيث توطدت عبرها سلسلة من العلاقات السلالية العرقية الوطيدة بين أقصى الجنوب (مصر)، وشاطئ المتوسط  من جهة،وبين بلاد ما بين النهرين (العراق)(2)من جهة ثانية، حيث عبًرالتجانس التاريخي لشعوب المنطقة(لما بين الدلتيين)عن نفسه- سواء في المستوى الثقافي اوالروحي- في اكتشافات(اوغاريت وإيبلا وماري)عندما بلغت شعوب المنطقة من النيل الى الفرات،اوج تلاقحها،حين إستقر فيها الكنعانيون في الألف الثاني قبل الميلاد، عندما كانوا يتكلمون اللغة العربية وهي لغة أجدادهم في الجزيرة العربية (3)
غيرأن مصر التي في خواطر كواسر الغرب الضارية المتربصة للإنقضاض –دوما- على عباد الله رغبة في التأليه على أرضه ،تعطشعا للمزيد من نهب وإغتصاب خيرات الشعوب في  كل أركان وزوايا مهبات الرياح الأربعة،فهي تلكم المصرالمفككة  والمفتتةالقادمة بعدإشعال الفتنة فيها-كيفما كانت نوعية الطيف السياسي الواصل للسلطة بموجب مفاجئات الأطروحات الجديدة المخزنة في الثلاجة المغلقة المعدة خصيصا للمصريين سلفا(ولكل بلد في رصيد الغرب ثلاجته المغلقة)-، وبعد أحاطة مصر احاطة السوار بالمعصم  وتكبيله باشاعة  المزيد من الفوضى فيما حوله ، قصد إشغال كل بلد بفتنه الداخلية(حيث سيعمل أتباع النظام السابق بالتنسيق مع خدم الإمبراطورية في المنطقة على التمكين لعودة "الدمى"و"النظام"أو حرق الأرض ومن عليها في مصروبلاد الشام(سوريا ولبنان)،ليحقق الغرب–عبرثلاجته المغلقة- تلك "المصرية"ذات الماضي الزاخرمنذ القدم بشتى أصناف القهر الإجتماعي، سواء أكان قهرا دينيا أو سياسيا حتى أصبحت على مدارات التاريخ  ثقافة اجتماعية،
والغرب لن يرتضي للمصريين اليوم-ونحن في القرن الواحد والعشرين-غيرمصرالفرعونية،التي عانى فيهالمصريون افظع اشكال القهرالإجتماعي والديني والسياسي،فالفرعون كان ظل الإله في الارض وهو صاحب السلطتين معا:الدينية والدنيوية،تحيط به جوقة من الكهنة المدربين والحاملين لأغرب الروحانيات المزيفة"للإستسرارات الإبليسية"(والأحوط أن نسميها خفائيات القبالة (وهم كهنة الإله"آمون"الذي يخول لهؤلاء الكهنة كل السلطات فتفننوا في حبك المؤمرات،واشتهروا في المرحلة التاريخية المسماة ب"حكم الكهنة"حيث بلغت قدراتهم على المؤامرات اوجها في تمكنهم من إحباط عمليات التوحيد التي نادي بها"أخناتون"وقوضها الكهنة من جذورها لإحكام قبضتهم على شئون الحكم،وقصصهم مع موسى وفرعون مصرعليه السلام لا تحتاج إلى تفصيل،ذكرها حتى العلامة اليهودي النمساوي سيغموند فرويد في كتابه"موسى والتوحيد"في نظريته في تحليله للنفسية اليهودية(ولقد توفي فرويد قبيل قيام الدولة الصهيونية والا لما كتب ما كتب عن اليهود ولتحول عن المصداقية والموضوعية، كما تحول-لأسباب أصبحت معروفة- عن أصول نظرياته الأولى عن المثلية والشذوذ الجنسي،لتتحول من الحالة الباثولوجية المرضية الى الحالة المشاعية والطبيعية.. ! فانظر !)
ولقد كان لبناء الأهرامات وما شاكلها من مقابر اثرية عظيمة  غالت علوم  الاستشراق وعلوم المصرياتegyptolgyفي اعلاء شأوها وتمجيدمآثرها ومنقباتها، سوى لون من الوان السخرة والاستعباد،تلبست ثوبا شفافا من العقيدة الدينية السائدة في مصر التي زرعها الكهنة في نفوس الفلاحين حتى اصبح القهر الديني جزءا من التكوين النفسي والإجتماعي  للفلاحين  
فلا غرابة ان تنصب الدراسات الاستشراقية والدارسات الإثنولوجية والتاريخية والسياسية الدقيقة المتخصصة في الشان المصري-بالمنظور"التاريخاني"الغربيHistorecité-على تمجيد شخوص الحكام وتأليههم والحط من قدرالرعية(مع التنويه بان التاريخ العربي بمجمله منذ آل بني امية وآل بني العباس الى اليوم هو تاريخ الأسر الملكية وعلمائهم)حيث ان تاريخ مصر في الدراسات التاريخية الغربية"الدقيقية"هو تاريخ الفراعنة وليس تاريخ الشعب المصري في صراعاته اليومية ضد الطغاة من اجل لقمةالعيش التي غالبا ما اغفلها المؤرخون الغربيون رغم ادعائهم الموضوعية والنزاهة وسارعلى نهجهم مؤرخون  مصريون وعرب أكاديميون
وعلى الرغم من ان بعض المؤرخين المنصفين لا يبخسون إسناد العظمة الحقيقية لبعض الفراعنة أمثال تحتمس الثالث ورمسيس الثاني، غيران البعض منهم–الذين مرعليهم المستشرق الفرنسي الكبير-الجزائري المولد-"جاك بيرك" مر الكرام ،في كتابه الشهير"مصرالاستعمار والثورة"الذي كتبه اثناء اقامته بمصرفي بدايات عام 1947لسنوات دارسا ومتمحصا كل كبيرة وصغيرة في المجتمع المصري وتاريخ مصر قبل ثورة 1919-قد ذ كروننا بثورات الفلاحين المصريين القديمة في ازهى العصور الفرعونية التي تعد بالمئات-أغفلها الكثير من المؤرخين لغاية في نفس يعقوب- وتكررت الثورات في ظل الاستعباد الفرعوني القديم ترجمتها لنا النصوص الادبية القديمة كذلك في شكل إيزيس وأزوريس 
ومن هذا المنظور...،فإن المصريين الذين هم في خواطرالشعوب العربية والإسلامية،ليسوا أولائك الأقوام الذين تشيد بغبائهم وبعبوديتهم وخنوعهم حفريات الإستشراق المغرضة،وتشوهها علوم"المصرياتegyptolgyالتي تأسست أصول نظرياتها ومناهج تدريسها ودراساتها في معاهد الدرسات الشرقية في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان،تم التأصيل لها بأبحاث حفنة قليلية من اليهود الأوروبيين،بمعية الماسونيين الأنغلوساكسونين،وفعًلها بونابرت"الماسوني"-قبيل غزوه لمصر عبر تأسيسه لمعهد اللغات الشرقية بباريس،لتدريس الهيروغليفية واللغة العربية لطاقم الحملة البونابرتية المجهزة والمعدة للإنتشار في مصروبيت المقدس،للعمل على محو مصرالعروبة والاسلام من الأذهان المصرية والعربية  لترتبط  مدلولات ومفاهيم :الشعب والأرض والتاريخ المصري،بحصرية الماضي الفرعوني السحيق،وبتليد فرعونيتها وعظماء ملوكها وأمجاد سحرتها وكهنتها وطقوس معابدها لإحياء طلاسم أسرار"البنائين"الفراعنة القدامى الملهمين لرهوط -الماسونيين-الذين انتشروا في بريطانيا العظمى(الذين معظمهم كما هو معروف من  شتات يهود الخزرالمكونة لجذورالأسرة الحاكمة وعلية القوم في إنجلترا،التي حققت حلمها التوراتي الى نهاية القرن التاسع عشر بالسلطنة والهيمنة على الأرض(الإمبراطورية التي لا تغرب عنهاالشمس،والتي تفسر لنا بوضوح ارتباط مآسي العرب والمسلمين بالعرق الأنغلوساكسوني في شقيه الأنجليزي والأمريكي الى يومنا هذا)–حيث تم الدفع بالكثيرمن المثقفين الغربيين والمصريين،إلى تأليه بناة لأهرامات والمعابد وقبورالسلالات الملكية الفرعونية الحاكمة وربطها بطقوس إستسرارات القبالة اليهودية،وخفائيات تعاليم التلمودية،تيسيرا للتطبيع الروحي والذهني والوجداني مع الكيان الإسرائيلي،والصمت عن إختراقات المحافل الماسونية لسيادات دول عربية في العلن مع بهرجة الربيع العربي–وهو ما دأبت علي نشره الكثير من النخب المصرية منذ مشروع كيسينغر وزير الخارجية الأمريكية ومستشارأمنها القومي–في آن واحد-الذي تمكن بعقليته اليهودية المتحجرة والإبليسية،ان يلقن مريده الفرعوني الصفي"أنورالسادات"أهمية خداع الشعب المصري بأوهام الفلسفة الجديدة المسماة ب"العقلية المتفتحة" open-mind،وجاء نظام مبارك ومثقفيه المتفرعنين ليقعروا هذا المفهوم في ذهنيات الشعوب العربية والمصريين،التي تفننت وزارة الثقافة المصرية منذ خطاب السادات"الإنفتاحي"المشبوه، بالإيغال في تعظيم فرعونية مصر،وغالت وزارة السياحة في تمجيدها إستقطابا لأطرياء وطريات الغرب الموثورين،لتتحول مصر في عهد مبارك الى"ماخور مقنن"إقليمي ودولي للعربدة الزولوجية المستشيطة الإقليمية والدولية،إرضاء لميولات المرضى والمعتوهين من الشبقيين العضوانيين لسائر خلق الله في المدارين،واصبحت مصرسيركا دوليا للفانتازمات والإيروتيكيات المصرية القديمة والشرقية العربية الجديدة،استجلابا لأكياس الدولارات  وأطنان القمح ،لا نصيب للشعب المصري منها سوى تلميظ الشفاه، ولعق الأصابع والتحسرعلى الذي ضاع، والعيش على الآمال الوردية التي لن تأتي ولن تَشفع، وأهام الرفاه والجاه التي لن تُشبع !
كما أن أعين وقلوب الشعوب العربية تتوجه إلى إخوتها المصريين من العرب والمسلمين والمسيحيين  من الذين لم  تذل طفولتهم عبادة آلهات الفراعنة القدامي وكهنتهم الذين أجبروا الشعب المصري في كل تاريخه على أن يتعلم الركوع قبل أن يحبو أويمشي على الاقدام،ولقنوه ترانيم الصلوات الكهنوتية الفرعونية قبل ان يلقنوه التهتهة أوفصيح الكلام ..،بينما تفنن الفراعنة الجدد بتلويث فطرة المقهورين ليركعوا تحت اقدام جبروت طواغيت السلطة ومافيات المال 
اما كواسرالغرب المفترسة-من مثقفين مزيفين وسياسيين وتجار- فهي الأكثر تطلعا من العرب والمسلمين-للغرابة-لما يجري في قاهرة المعز،التي هي في عرف"الإستشراق السياسي"عاصمة الإسلام والعرب الفعلية بعد سقوط بغداد وقرطبة،تلك العاصمة التي قاومت في الماضي الصليبيين وردتهم على أعقابهم ودرأت ويلات المغول،بعد أن عاثوا في الأرض فسادا،فأنقدت الشرق الأدنى من خطرين داهمين :خطرالصليبيين وخطر المغول، ومن حسن الفطن –والحالة هذه- من محاصرتها اليوم من قلبها النابض بالغليانات، بساحة الحرية: حلبة الإصطدامات والمناورات وتصفية الحسابات،بالكلام ،او بالبلطجة والفتوة والسحل وسفك الدماء، وذلك هو المطلوب
وهاهي قاهرة مابعد الدمية والنظام ،مطالبة اليوم اكثرمن أي وقت مضى، بمقاومة شراسة الأطماع اليهودية العالمية المتزايدة على مصر(لأسباب تاريخية ليس مجال التفصيل فيها هنا،يجد بعض القراء إشارات واضحة لها في تصريحات نبي الثورات العربية الأعزل بيرنار هنري ليفي في مؤتمره الصحفي لمهرجان كان السينمائي  الدولي)والتنبه للحد من خطر حملات الصليبيين والمغول الجدد من الخارج،ومقاومة طوابيرأعداء مصر والأمة العربية من الداخل، المتمثلة في تلك الشرائح الإجتماعية التي ظهرت من حالة الكمون الى حالة السفور، في المرحلة الساداتية المقترنة بما إصطلح على تسميتها بسياسة"الانفتاح"التي مارست كل أشكال الغموض، يتماشى مع لغزالتسمية التي تعني–مضمونا-الرأسالمية العنيفة الهادفة الى تحقيق الربح السريع الفاحش–على النهج الامريكي الداعر-بالممارسات الأكثرعهرا، وهي تلك الشرائح التي تدورفي فلك  مبارك وحزبه الحزب الوطني الحاكم سابقا وبعض"المتأسلمين"التجاريين ،وبعض طوائف المتصوفة المنفزعة من غلو(السلفية-التيمية)وسلفية معظم الإخوانيين،وبعض صغارالطفيليين التجاريين المحتمين برجالات العسكر والامن من الذين استفحل شرهم وجشعهم في زمن مبارك وشيعته، وتلك الشرائح هي الاخطر على الثورة المصرية على المدى المتوسط والبعيد من الأعداء الخارجيين، لكونهم أصلوا لميكروبية إطلاق العنان لرؤس الأموال الأجنبية المشبوهة، لتحطيم الصناعات الصغيرة الوطنية، وخلق مستفيدين متعهرين، لا عمل لهم سوى الفساد والإفساد في جميع المجالات الحيوية للبلد،بإشاعة سلوكيات إستهلاكية على النمط الأمريكي البشع،تتجلى في شكل ظهور قيم اجتماعية جديدة سلبية تعيق تنمية الثروات القومية تنميات حقيقية، وتحول دون تحويل المجتمع إلى طاقات منتجة، مما يستحيل معه لأية حكومة قادمة –مهما حسنت نواياها ،وكيف ما كان طيفها السياسي والإديولوجي، من تحقيق العدالة الاجتماعية سواء بالمنظورالاسلامي اوالعلماني الإشتراكي( وهذه الظاهرة تسري على كل البلدان التي طالها الربيع العربي او ما يزال)
* باحث انثروبولوجي /باريس

baiti@hotmail.fr

ليست هناك تعليقات: