16 أبريل 2012

بتأكيد اكبر واشد: اذا تكلم عزة ابراهيم فانصتوا 3 و4

صلاح المختار

قل لي من هو شريكك اقول لك من انت
مثل محور أصله (قل لي من هو صديقك اقل لك من انت)

جاء الخطاب المتلفز بالصورة المتحركة والصوت للرفيق المناضل عزة ابراهيم، الامين العام للبعث والقائد الميداني الاعلى للثورة العراقية المسلحة، لمناسبة ذكرى تأسيس البعث العظيم يوم 7/4/2012 ليكشف، ويؤكد بنفس الوقت، مجموعة حقائق معاشة بارزة ومجسدة في وقائع من المستحيل تجاهلها اذا كان الباحث عن الحقيقة موضوعيا ومجردا من الغرض المسبق، وفي مقدمة تلك الحقائق تحديد طبيعة الصراع الستراتيجي الدائر في الوطن العربي والاقليم كله المسمى بالشرق الاوسط، في المرحلة الجديدة وهي مرحلة انتقال ايران من موقع الطرف الثاني في غزو العراق بعد امريكا الى الطرف الغازي الاول في الغزو بعد تحول امريكا الى الطرف الثاني نتيجة تسليمها العراق لايران وانسحاب اغلب قواتها بعد هزيمتها امام المقاومة العراقية الباسلة، لذلك ولاهمية وخطورة هذا التطور لابد من طرح سؤال جوهري وهو : ما الذي اكد عليه الرفيق عزة ابراهيم؟
ان الاطروحة الرئيسة هي ان الرفيق عزة ابراهيم ابرز خطورة تسليم امريكا العراق الى ايران بعد هزيمتها امام المقاومة العراقية وان عملية التسليم هذه تشكل نقلة نوعية في الصراع الستراتيجي اكدت بما لايقبل الشك بان الحرب الرئيسة الان بدأت تدور مع ايران في العراق، بكل امتداداتها العربية المعقدة ولكن الواضحة، بعد ان كانت تدور مع امريكا اولا ومع ايران ثانيا، ولذلك فان انسحاب امريكا من العراق بصورة كبيرة واعتمادها في ان واحد على قوات النخبة والمخابرات في ادارة الازمة في العراق وعلى الدور الايراني المخصص لمواجهة المقاومة العراقية والشعب العراقي، احدث تحولا ستراتيجيا رئيسا وخطيرا في العراق والمنطقة كلها.
وهنا لابد من المصارحة بان تقدم ايران لاحتلال موقع امريكا كدولة احتلال مباشر وصريح للعراق يؤرخ بدأ الحرب الثالثة الشاملة بين الامة العربية بكافة قواها الوطنية والقومية والاسلامية وايران التوسعية الاستعمارية، بعد القادسية الاولى التي فرضت الاسلام على بلاد فارس، وبعد القادسية الثانية التي وقعت بين عامي 1980 و1988 والحرب الثالثة الحالية اشد ضراوة وخطورة وتعقيدا واهمية ستراتيجية منذ بداياتها من الحربين السابقتين لان امريكا والغرب الامبريالي والصهيونية يصطفان مع ايران علنا الان بكل قدراتهما المختلفة، كما رأينا ونرى خصوصا منذ غزو العراق، من اجل قيامها باكمال الدورين الاسرائيلي والامريكي اللذين قاما على تنفيذ خطة ستراتيجية عظمى هي تفتيت وتقسيم الاقطار العربية، على اسس طائفية ودينية وعنصرية، لتنتهي العملية الصهيوامريكية – ايرانية بالغاء الهوية العربية للاقطار العربية وبلا اي استثناء.
ولاجل تجنب سوء الفهم لابد من الاشارة بوضوح وبلا لبس الى ان التحليل هذا لا يقصد به الاساءة لاحد او دانة احد بل هدفه طرح صورة الوضع المتشكل تدريجيا في ضوء ما حصل حتى الان اي انني اقدم ما هو موجود دون ان اضيف اليه شيئا غريبا عليه، ولذلك فانني كباحث مختص اتحمل وحدي مسؤولية ما سيرد هنا.

تطوران خطيران
ولعل اكبر داعم ومؤكد لصحة ما ورد في خطاب الرفيق عزة ابراهيم حول هذه النقطة، وهو القائد الميداني الاكبر للجهاد في العراق ضد الاحتلال وهذه الصفة تضفي على ما قاله قيمة استثنائية، هو التطور الاول الذي كشفت عنه وكالات الانباء قبل يوم واحد من الخطاب وهو ان الرئيس الامريكي اوباما قد بعث برسالة الى علي خامنئي ديكتاتور اسرائيل الشرقية يؤكد له فيها ان امريكا لا تعارض وجود برنامج نووي ايراني للاغراض (السلمية) ومن نقل هذه الرسالة هو رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان شخصيا! وبهذ الاعلان انتهت كذبة معارضة امريكا للمشروع النووي الايراني وثبت بالقطع والادلة ان امريكا لم تكن تعارض المشروع النووي الايراني الا اعلاميا ودعائيا بينما هي في الواقع قد تواطأت مع ايران وغيرها من اجل اكمال المشروع النووي الايراني.
والسبب واضح تماما فالمشروع لم يقام لاجل استخدام قنابله ضد امريكا واسرائيل، فتلك نكتة سمجة لم يعد يضحك لها حتى الطفل، بل انه مصمم اصلا وفعلا لاخضاع الدول العربية لايران واذا قاوم الشعب العربي الغزو الايراني بنجاح فان قنابل ايران النووية تنتظرهم تماما كما تساقطت كالمطر الصواريخ المتوسطة المدى التي اطلقتها ايران على بيوت العراقيين في البصرة وبغداد وعشرات المدن والقرى العراقية اثناء الحرب التي فرضتها ايران على العراق فقتلت الاف العراقيين الابرياء.
وعلينا ان نتذكر حقيقة نفسية (سايكولوجية) وهي ان الاستعداد للقتل لا صلة له بنوع السلاح فحينما يقرر انسان ما او دولة ما القيام بعملية القتل فانه لا يفكر بكيفية القتل ولا بسلاحه لان المسألة الاهم هي الوصول لقرار ان القتل ضرورة لابد منها، ولذلك لا فرق نوعي بين الاستعداد للقتل بصاروخ متوسط المدى والقتل بقنابل نووية. هذا هو الدرس الكبير الذي تعلمه شعب العراق من تجاربه مع ايران التي تكن نخبها القومية، خصوصا تيار الملالي المعممين منها، اطماعا في الارض العربية مقترنة باحقاد عنصرية متجذرة ومتطرفة الوحشية.
ولاجل معرفة خطورة هذا التطور في الموقف الامريكي الرسمي من البرنامج النووي الايراني علينا الانتباه لحقيقة علمية معروفة وهي ان الفرق بين مشروع نووي سلمي واخر عسكري هو بثخانة الشعرة والتي يمكن بسهولة رفعها فيصبح المشروع السلمي برنامجا نوويا عسكريا كاملا ينتج الاسلحة النووية محليا وبلا حاجة لدعم خارجي، وهذا ما فعلته كوريا الشمالية وما فعلته قبلها امريكا والاتحاد السوفيتي والصين والهند وباكستان عند بدء العمل على بناء مشروع نووي، وهنا يكمن خطر موافقة امريكا على مشروع نووي ايراني سلمي من المحتم انه يستبطن في احشاءه مشروع انتاج قنابل نووية لا امكانية لاستخدامها الا ضد العرب لاسباب كثيرة، من بينها التفوق النووي الامريكي والاسرائيلي المطلق والذي يحعل مجرد اتخاذ ايران قرارا باستخدام سلاح نووي ضد امريكا او اسرائيل انتحارا حقيقيا لها لاشك فيه.

لقد جاءت رسالة اوباما لخامنئي بدعم مشروع نووي ايراني (سلمي) لتؤكد مرة اخرى، ولكن بصورة حاسمة، ما كنا نقوله في العقود الثلاثة السابقة، وما نكرره الان، وهو ان الحملات الاعلامية الامريكية والصهيونية ضد المشروع النووي الايراني ليست سوى حرب اعلام تمويهية لها هدفان رئيسان :
1 – التمويه على الدور الايراني الحقيقي : ان الجهد الايراني الرئيس منذ وصول خميني للسلطة هو اشعال الفتن الطائفية في الاقطار العربية من اجل تفتيتها وتقسيمها، وكان ومازال تفتيت الاقطار العربية البند رقم واحد في كل الخطط الاستعمارية الغربية والصهيونية، لذلك فان لامريكا واسرائيل مصلحة اساسية في دعم هذا الدور الايراني التخريبي خصوصا وانهما فشلتا، كما فشلت قبلهما بريطانيا وفرنسا منذ بداية القرن العشرين، في اشعال فتن طائفية، وجاء خميني وبعده خامنئي لينجحا في خلق الفتن الطائفية، ولاجل اخفاء حقيقة الدور الايراني ومنع عزل ايران عن الجماهير العربية بسبب اشعالها الفتن الطائفية توجب تنفيذ خطط تحسن صورة ايران بنظر العرب خصوصا عندما تنخرط ايران في تنفيذ عمليات تخريبية في الاقطار العربية.
ما هي افضل وسيلة لتحقيق ذلك؟ ليس افضل وسيلة لتحقيق ذلك من ادعاء ايران انها تدعم القضية الفلسطينية وانها تناهض امريكا من جهة، وقيام امريكا واسرائيل بخوض معارك اعلامية وسياسية زائفة مع ايران للوصول الى تلك النتيجة من جهة ثانية. واحد الاشكال الرئيسة للدعم الامريكي والصهيوني لايران يتمثل في خوض حرب اعلامية معها لانها توفر لايران فرصة كسب السذج والخدج من العرب الذين يظنون ان ايران مع القضية الفلسطينية وانها تقاوم امريكا، وبنفس الوقت تؤمن غطاء لمرتزقتها العرب العاملين لصالحها وهم كثر. على اعتبار ان من يقاوم امريكا واسرائيل ويقود (جبهة الممانعة) هو طرف تحرري ويجب دعمه، وهكذا يوفر غطاء قوي لدعم ايران من قبل بعض العرب.

2 – اما الهدف الثاني المشتق من الهدف الاول فهو ابعاد الضوء عن، والتعتيم على، عمليات ايران التخريبية والاحتلالية في احد الاقطار العربية وتسليط الاضواء كلها على معركة الديوك بين امريكا وايران، وبذلك يتوفر لايران غطاء كبير وناجح لاكمال خطط التخريب باقل معارضة ومقاومة عربية لايران. ولذلك لم تكن صدفة ابدا تعمد ايران وامريكا تصعيد حربهما الاعلامية حول المشروع النووي الايراني مع بدء الانسحاب الامريكي من العراق والتمهيد لتسليمه لايران وايصال الحرب الاعلامية الى حد وضع جدول زمني لبدء الحرب على ايران وقيام مسؤولين امريكيين واسرائيليين باطلاق تصريحات نارية تؤكد ان ايران ستتعرض خلال ايام او اسابيع لحرب شاملة ورد زعماء اسرائيل الشرقية (ايران) على ذلك بتهديدات بالرد واغلاق مضيق هرمز وضرب دول الخليج العربي كلها، وهكذا تمت تهيئة النفوس عبر الاعلام الموجه (لحرب مدمرة قادمة ستغير المنطقة جذريا وتنوش كل الاقطار العربية بنيرانها)!!! حدث ذلك الجهد الاعلامي والسياسي قبل واثناء وبعد تسليم امريكا العراق لايران في جهد واضح لاخفاء الطبيعة الستراتيجية الخطيرة والمدمرة لتسليم العراق لايران وتهدئة ردود فعل العرب واشغالهم بمعركة تمويه على الهدف الخطير الذي تجري عملية تنفيذه في العراق وهو اكمال تدمير العراق والعمل على تصفية المقاومة العراقية والغاء هويته العربية وفرض التفريس عليه تماما كما فرضت الصهيونية الصهينة على فلسطين.
ولكن وبعد ان تمت عملية تسليم العراق لايران بلا ردود افعال عربية مناسبة لخطورة الحدث نتيجة رعب خلقه الاعلام من حرب ستغير كل شيء في المنطقة انتهت ضرورة التصعيد بين امريكا واسرائيل من جهة وايران من جهة ثانية، وقامت امريكا عبر رسالة اوباما الى زعيم اسرائيل الشرقية خامنئي بالاعتراف بان لايران الحق في اقامة مشروع نووي سلمي فلم تقع الحرب التي اوصلت تاثيرات الاعلام في الترويج لها حد تخزين اهل الخليج العربي الماء والطعام وضرورات الحياة تجنبا لتدمير مصادر الحياة اثناء حرب ظن الجميع انها حتمية وامر لا مفر منه!!!
اذن، مرة اخرى بعد المائة، لم تقع الحرب التي كانت تصور على انها حتمية ولا مفر منها في الشهور الماضية، كما في العقود الثلاثة الماضية، وتكرر الاستعداد لها والرعب منها مرارا وتكرارا، حسب الترويج الاعلامي والسياسي وحصل بدلا عنها انفراج مزدوج، انفراج امريكي – ايراني وانفراج سوري - امريكي، وهذا هو التطور الثاني الخطير، الانفراج السوري - الامريكي والذي تمثل في تهدئة الاوضاع في سوريا والتي هي الاخرى شهدت تصعيد احداثها الدموية قبل واثناء وبعد تسليم العراق لايران لتتجه الانظار الى حدث اخر خطير في سوريا من اجل اهمال ما يجري في العراق، او اقناع اوساط كثيرة بان ما يجري في سوريا اهم مما يجري في العراق! ولكن وكما في حالة الحرب الحتمية مع ايران فان موقف امريكا والنيتو تغير تجاه سوريا ونظامها واحداثها برفض امريكا والاتحاد الاوربي اي تسليح للمعارضة السورية والضغط عليها للانخراط في حوار مع النظام السوري بعكس الحملات السابقة ل، والمتزامنة مع، تسليم العراق لايران والتي كانت تنصب على الايحاء بان سقوط النظام السوري هدف ستراتيجي امريكي واوربي وانه لا مجال للتفاوض مع النظام او التراجع عن هدف اسقاطه، فقط تذكروا تصريحات هيلاري كلنتون النارية وغير القابلة للمساومة مع النظام السوري ستدركون كيف تغير الموقف الامريكي المعلن بصورة تامة وانقلب الى نقيضه، وكيف ان كلب امريكا القطري قد ترك وحيدا يلعق ذيله حائرا في تفسير ما يجري.
لقد سالت دماء سورية غالية من انصار النظام والمعارضة كالانهار في هذه الفترة التصعيدية المتعمدة من قبل امريكا وحلف النيتو، ولكن حصل هذا التبدل المفاجئ للبعض تماما بعد اكمال تسليم العراق لايران وبعد اعلان صريح ورسمي لخطوة لا يمكن اخفاء خطورتها القاتلة على المستقبل العربي والهوية العربية للعراق وسوريا ودول الخليج العربي والمنطقة كلها وهي قيام تحالف بين العراق المحتل من قبل ايران (وبدعم امريكي رسمي ومباشر) والنظام السوري وايران وستعمل ايران على ضم لبنان اليه بعد ان يقوم حزب الله بالسيطرة العسكرية عليه مباشرة وبدعم امريكي اكيد لان المطلوب هو توسيع نطاق تفتيت الاقطار العربية وتدمير مقومات وقوفها على قدميها ودفعها للانهيار الشامل عبر حروب طاحنة بين العرب انفسهم! وهذه نقطة مركزية لا يمكن فهم ما جرى ويجري بدون الانتباه لها، فالعراق ومعركة العراق هو ما يهم امريكا اساسا وليس ما يجري في سوريا، والمعركة بدأت في العراق ولن تنتهي الا في العراق، هذا هو الف باء الوعي الستراتيجي.
وعلينا جميعا ان نتذكر حقيقة اساسية بالغة الخطورة وهي ان مجرد وجود ايران على رأس هذا الحلف، وبغض النظر عن موقف النظام السوري الذي اصبح واكثر من اي وقت مضى رهينة لايران، يشكل انقلابا ستراتيجيا خطير لصالح ايران وضد المصالح العربية والامن القومي العربي، حصل لضمان التدمير المنظم لعروبة العراق وتفكيكه بعد تطويقه وعزله عن اشقاءه العرب والبدء بحملات اقليمية تقودها ايران ضد المقاومة العراقية المسلحة والسلمية للاحتلال الايراني للعراق وذلك لمنع المقاومة العراقية من طرد ايران كما طردت امريكا، وبعدها تتم السيطرة بسهولة ويسر على الاردن والضفة الغربية.
هل هذا كل شيء ينتظرنا من وراء قيام الحلف الذي تقوده ايران؟ كلا فبعد ان تستقر ايران في العراق بدعم من لبنان وسوريا ستكون تلك الخطوة التمهيدية لاحتلال الجزء الشمالي من اليمن بعد تشطيره وشرذمته فتطوق السعودية من جنوبها بعد تطويقها من شرقها ومن شمالها الشرقي اي العراق المحتل! هل رأيتم الالعاب الامريكية والصهيونية وكيف تنظم وتجري؟ وهل عرفتم كيف تضع امريكا والنيتو اطرافا عربية بضمنها النظام السوري في زاوية الموت المحقق لاجل اجبارها على الاقدام على خطوات انتحارية لكنها تضمن السلامة المؤقتة؟

9/4/2012
***********************


شبيه الشيء منجذب اليه

مثل عربي



انها الحرب بالشراكة اذن

ما معنى كل ما تقدم؟ ان الدرس الكبير لمن لديه عقل يفكر به بعيدا عن الاهواء الذاتية او الفئوية هو التالي : ان الحرب الاعلامية المستعرة منذ اكثر من ثلاثة عقود بين ايران وشيطانها الاكبر، امريكا، وشيطانها الاصغر، اسرائيل، والتي لم تؤدي الى اطلاق صاروخ ايراني واحد من ايران على امريكا، كذلك لم تؤدي الى اطلاق صاروخ امريكي او اسرائيلي واحد على ايران، مصممة لتجميل وجه ايران عربيا وجعله مقبولا حتى وهي تحتل اراضي العرب في العراق والاحواز والجزر العربية وتزرع وتنشر الفتن الطائفية المدمرة في مشرق الوطن العربي ومغربه، وتقتل اطفال العرب وشبابهم وشيوخهم، وتغتصب نساءهم وتسرق ثرواتهم...الخ، وما يجري في العراق مثال ساطع على ما نقول.

وهكذا بقوة الحرب الاعلامية تتمكن ايران من كسب بعض العرب، منهم الطيبين ولكن السذج والخدج او المرتزقة الذين استعبدهم المال الايراني المتدفق عليهم بكرم واضح جدا، الى جانبها رغم انها تخوض حرب كسر عظم مع شعب العراق العظيم ومع شعب البحرين الصامد ومع شعب سوريا البطل، ومع شعب لبنان الشقيق الذي تستباح كرامته وحريته من قبل حزب الله الايراني الذي حول سلاح المقاومة لقتل اللبنانيين وابتزازهم واستعبادهم، ومعركة كسر العظم مع ايران لاتقل خطورة باي شكل عن معركة كسر العظم مع الكيان الصهيوني بل انها اخطر من زاوية محددة وهي ان ايران مندسة بين صفوفنا وتتحدث باسم اسلامنا وفلسطيننا لذلك تخلط الحقيقة بالخداع والتضليل وينجر الكثير من العرب الى موقف هو في الواقع موقف ساداتي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، بينما الكيان الصهيوني عدو واضح بلا لبس ولا تداخل مفاهيم وخنادق وعاجز عن تضليل العرب.

وهذا الواقع المعاش بكل كوارثه ليس سوى حرب بالشراكة (War by partnership) تشنها علينا كعرب وهوية ووجود امريكا وايران، والتي تذكرنا بستراتيجية الحرب بالوكالة  (War by proxy) والتي كانت امريكا تخوضها ضدنا منذ الستينيات من القرن الماضي وبها استنزفت العرب في عهد القائد جمال عبدالناصر، بواسطة ادواتها خصوصا اسرائيل وشاه ايران والتي سقطت واستبدلت في عام 1990 بستراتيجية الحرب بالاصالة اي تلك التي تخوضها امريكا بنفسها وليس بواسطة ادواتها، بعد ان ادركت امريكا ان قوة اقليمية عظمى قد بزغت هي العراق المنتصر بصورة ساحقة على ايران في عام 1988 ولا يمكن للادوات الاقليمية ان تدحرها فتقدمت الصفوف وتبنت (الحرب بالاصالة) ودشنتها في الحرب الثلاثينية على العراق في عام 1991 واستمرت حتى غزو العراق.

ولكن وفي مجرى محاولات اخضاع العراق او غزوه توصلت ادراة بيل كلنتون الى قناعة واضحة اعلنت رسميا في عام 1998 بعد فشل عملية ثعلب الصحراء، وهي حرب جوية صاروخية استمرت اربعة ايام كانت تمهد لغزو بري، وكان اهم اسباب فشلها صمود العراق وعدم وجود داعم لامريكا داخل العراق فتبلورت ستراتيجية الحرب بالشراكة على اساس ان ايران لديها اتباع في العراق يمكن الحصول على دعمهم المباشر لدخول العراق برا، وهكذا دشنت امريكا ستراتيجية الحرب بالشراكة مع ايران في غزو العراق وكان الدور الايراني هو الاشد حسما بعد الدور الامريكي في انجاح الغزو لوجود اتباع ايران لديها في العراق نفذوا خطة شن هجمات على القوات العراقية والمجاهدين في جنوب العراق وكان لهم دور فاعل في تسهيل دخول قوات الغزو الامريكية والبريطانية.

والحرب بالشراكة، وهي نتاج تلاقي ستراتجية امريكا الامبريالية مع ستراتيجية ايران الامبريالية التوسعية والتي غلفت بغطاء نشر (الثورة الاسلامية) اولا ثم (نشر التشيع الصفوي) ثانيا، وبدأت هذه الحرب بشنها امريكا علينا بصورة غير مباشرة اولا مستفيدة من وجود مطامع ايرانية عتيقة متجددة في ارض العرب اضافة لنزعات الثأر من ابطال القادسيتين الاولى والثانية فكان هذا الدافع الايراني الاساس المتين لصلات شراكة ستراتيجية، وليس تكتيكية كما يتوهم البعض، بين امريكا وايران محورها الاساس العمل المشترك من اجل تفتيت وتقسيم الاقطار العربية كلها وبالاخص ضرب وتدمير العملاق العراقي الذي ظهر خارج كل حسابات الغرب الامبريالي والصهيونية واربك كل التوازنات الستراتيجية الاقليمية والدولية.



ولتوضيح هذه الاشكالية الستراتيجية التي واجهت امريكا والصهيونية نتيجة بروز العملاق العراقي الجبار، بعد عام 1988 وهو عام سحق ايران ودحرها بصورة مذلة ومهينة، لابد من الاشارة الى ان امريكا والكيان الصهيوني كانا يريدان تحقيق ما قاله هنري كيسنجر في عام 1983 عبر قناة السي ان ان اثناء الحرب التي فرضتها ايران على العراق وهو ان افضل نتيجة للحرب بين ايران والعراق بالنسبة لامريكا هي ان تنتهي بتدمير كلا البلدين، لكن امنية امريكا والصهيونية هذه لم تتحقق فبينما دمرت ايران وسحقت قواها الستراتيجية خرج العراق عملاقا اقوى مما كان قبل الحرب ليس عسكريا فحسب بل علميا وتكنولوجيا وسياسيا، وهكذا أخذت عواصفه العاتية تهز من الجذور الكيان الصهيوني وتشكل عقبة كأداء امام تنفيذ خطة امركة العالم في اهم بقاع الارض ستراتيجيا وهي (اقليم النفط) القلب الجيوبولتيكي للعالم الحديث لانه يختزن الطاقة الاساسية لحركته وتطوره ونشاطه بكافة اشكاله، حصل بروز العملاق العراقي المعرقل لخطط امريكا التوسعية في مرحلة استغلال امريكا لبيئة انهيار الكتلة الشيوعية وبدأ الهجوم الامريكي على العالم للسيطرة عليه واقامة نظام عالمي احادي القطبية يدشن ما اسمي ب (القرن الامريكي).

لذلك فان امريكا وجدت ان افضل استثمار متوفر لديها هو عداء ايران الملالي للعرب ووجود مطامع تاريخية ومعاصرة لها في ارضهم ومياههم ونفطهم، اضافة الى انها كانت تتحفز للثأر من العراق الذي مرغ انف ملاليها في اوحال الهزيمة المرة وهزم مشروعهم التوسعي الامبريالي المتبرقع بغطاء (نشر الثورة الاسلامية)، وكانت ستراتيجية الحرب بالشراكة هي افضل خيار لامريكا وايران، من هذه الزاوية الستراتيجية يجب النظر الى تسليم امريكا العراق الى ايران وهو ما حذر منه الرفيق عزة ابراهيم في خطابه الاخير.

باقرار امريكا ان المشروع النووي الايراني مسموح به يدخل الصراع الاقليمي مرحلة جديدة سمتها الابرز ان العدو الرئيس المواجه لنا في ساحات المعارك الدامية والحاسمة هو ايران اما امريكا فقد تراجعت الى الخلف تراقب وتدعم الطرف الايراني مباشرة هذه المرة وهو يقوم بدور خادم للطرفين معا، كما في العراق والبحرين ولبنان وسوريا واليمن والسعودية. وفي هذا التحول المنضبط في اطار ستراتيجية الحرب بالشراكة يلاحظ المراقب بوضوح تام بان امريكا مصممة على مواصلة تفتيت الاقطار العربية بالاعتماد الكامل على الاداة الايرانية، كما في السابق ولكن بصورة مباشرة وشاملة وسريعة واكثر دموية من عامي 2006 و2007 هذه المرة كما يظهر من الايقاظ الكامل والقوي الان لنزعة التوسع الطائفي في العراق والعمل العنيف على تغيير التوازن الطائفي فيه، فتركت ايران تعمل مباشرة ولوحدها ظاهريا في استعمار العراق ومحاولة تغيير هويته وفي الاستعداد لغزو كافة الاقطار العربية.

ربما يتصدى لنا احد اتباع ايران ويقول كيف تترك امريكا ايران تحتل اقطار تريد هي احتلالها او استمرار سيطرتها عليها؟ والجواب لاولئك الاتباع ان امريكا حينما تدعم التوسع الامبريالي الايراني فانها تريد في ان واحد توريط ايران في حروب وصراعات معقدة وصعبة تواجه فيها مقاومة عربية تشجعها امريكا وتدعم بعض اطرافها لاجل تقزيم ايران وجعلها في متناول يد امريكا وتابعة لمخططاتها من جهة، وتحطيم وحدة الاقطار العربية بواسطة ايران من جهة ثانية.



السؤال التالي يكشف لنا عن طبيعة الشراكة الامريكية الايرانية على حساب العرب : لم سلمت امريكا العراق الى ايران اذا كانتا حقا في حالة صراع رئيس كما تدعيان بينما كان بامكان امريكا لو ارادت حقا طرد ايران من العراق ان تستغل وجود قوى عراقية كثيرة لها مصلحة في طرد ايران وهي قادرة لو ان امريكا دعمتها على طرد ايران؟

وهنا لابد من توضيح مسألة مهمة وهي ان المقصود بتلك القوى عناصر عسكرية كثيرة تنتمي للجيش الوطني السابق موجودة داخل وخارج العراق وقامت امريكا بالاتصال بعشرات الضباط منها منذ السنة الاولى للاحتلال بل انها دربتها واعدتها للحسم في لحظات معينة بدعم انظمة عربية، وهذه العناصر قبلت بكل الشروط الامريكية حول طبيعة النظام البديل. بتعبير اخر ان هذه المجموعة من الضباط قبلت ان تعمل وفقا للخطة الامريكية فتقوم بطرد ايران واقامة نظام تابع لامريكا مستقر وتحل فيه مشاكل اقتصادية واجتماعية كثيرة ويتحقق فيه بدرجة ما نوع من الانجازات التي توفر دعما له من اوساط عراقية تعبت من الازمات والاستنزاف، وهذا امر معروف ولم يعد سرا.



لكن هل حقا دعمت امريكا هذه النخبة من الضباط وساعدتهم من اجل السيطرة على الحكم في العراق بعد طرد ايران واتباعها؟ كلا طبعا فهؤلاء استخدموا كادوات ضغط وابتزاز لايران وللحكومة التابعة لها في بغداد وبواسطة التهديد الامريكي بهم وقع المالكي الاتفاقية الامنية واتفاقية الانسحاب والاتفاقية النفطية بعد تردد كبير، وعند هذا الحد انتهى دور هذه النخبة من الضباط وابقت امريكا المالكي واتباع ايران حكاما على العراق، الامر الذي اربك هذه النخبة من الضباط كما اربك اتباع امريكا الاصليين في العراق الذين تصوروا انها ستسلمهم السلطة بعد ان ارتكب اتباع ايران جرائم بشعة ضد الشعب العراق اصبحت كافية لقيام الملايين من العراقيين العاديين بسحق هؤلاء الاتباع في ليلة ليلاء، لكن هؤلاء نتيجة قصور فهمهم لستراتيجية امريكا الحقيقية ساروا معها بصورة عمياوية واثقين انهم سيطردون ايران بدعم امريكا!

والسبب في بقاء الدعم الامريكي لحكومة تابعة لايران هو التالي : ليس المطلوب اقامة ديمقراطية او حل مشاكل العراق بل تدمير قدرات العراق خصوصا البشرية وتفكيك نسيجه الاجتماعي وزرع او تنمية النزعتان الطائفية والعرقية بحيث تصبحان المقرران الرئيسان لخيارات الناس، بدل المقرر الوطني العراقي، ونشر الفساد عمدا لتدمير قيم المجتمع وتجريده من الروادع الاجتماعية والوطنية والدينية، وهذه الاهداف الامريكية والصهيونية لا تتحقق بحصول انقلاب عسكري يطرد ايران واتباعها خلال ساعات او ايام بل الانقلاب العسكري في الواقع يمنع تحقيق تلك الاهداف لان التخلص من ايران يفرض منطقا مقبولا ومطلبا واحدا وهو الان يجب بدء مرحلة اعادة بناء العراق وحل مشاكله الكثيرة وتحقيق الاستقرار، وبما ان امريكا لا تريد للعراق الاستقرار ولا الوحدة بل قررت تقسيمه وتهميشه فانها لا تريد تحقيق اي خطوة تؤدي لاستقراره وحل مشاكله حتى لو تمت على يد اتباعها وعملاءها. وهذ الحقيقة تكشف الاصرار الامريكي على تدمير العراق ولكن بواسطة ايران مباشرة بعد ان فشلت في استعماره نتيجة قوة المقاومة العراقية.



هل تقتصر هذه الحقيقة على العراق؟ كلا انها متطلبات ستراتيجية امريكية – صهيونية شاملة لكافة الاقطار العربية رايناها بعد العراق في ليبيا واليمن ومصر وتونس والبحرين، والان نراها بصورة بالغة التجسيم والوضوح في سوريا فالموقف الامريكي من احداث سوريا يقدم لنا دليلا قاطعا على ان المؤامرة على الامة العربية اوسع من نطاق سوريا الجغرافي واكبر من مجرد اسقاط نظام وتنصيب اخر، فبعد التصعيد الكبير خلال حوالي العام ضد النظام السوري والضغط بكافة الوسائل واستخدام اموال واعلام قطر وغيرها لاسقاطه راينا امريكا في الشهر الماضي (اذار – مارس) تتراجع وتتبنى موقفا يقوم على عدم اسقاط النظام ورفض ذلك ومنع تزويد المعارضة بالسلاح، فهل هناك تناقض او ارتباك في الموقف الامريكي والاوربي من احداث سوريا؟ وهل هذا التبدل ثمرة فشل محاولات اسقاط النظام كما ان يروج البعض من السذج؟

في الموضوع السوري الخطط الامريكية والصهيونية تقوم على اشعال ازمات دموية تولد تلقائيا نغولها وشياطينها بلا توقف وعدم السماح بحلها بسرعة وافشال اي حل يلوح في الافق لاجل تركها تشتعل وتحرق معها الاخضر واليابس، حتى لو تطلب ذلك دعم او تشجيع تصلب الطرفين من زوايا مختلفة، فالمطلوب هو خلق احقاد وثأرات عميقة يجب ان تكون لها اثار خطيرة لعقود وربما لمئات السنين، ولذلك راينا امريكا في العراق تبدل اداوتها فتارة تدعم الاحزاب الشيعية الصفوية وتارة تدعم الاحزاب السنية الطائفية وتارة تدعم الاحزاب الكردية...الخ، وهي في الواقع تدعم الجميع ضد الجميع تشجع كل طرف على التمسك بموقفه وتصعيد الخلافات لكي يبقى العراق اسير حالة تفتت وتشرذم توصله للهلاك والاضطرار لقبول خيار التقسيم كافضل السيئات.

هذه الخطة تطبق في سوريا حرفيا الان فلقد كان بامكان امريكا ومخابراتها اسقاط النظام السوري في ساعات لو ارادت حسم الامور عن طريق انقلاب عسكري يوفر على السوريين انهر الدم السوري الغالي التي سالت ويتجنب تدمير المنشأت والبنى التحتية والخدمات، وليس هناك اي شك على الاطلاق بوجود ضباط سوريين مستعدين لخدمة هدف امريكا بالقيام بانقلاب عسكري ناجح وسريع وذلك لوجود الفساد وغياب الحزب الثوري والعقائدي الحاكم، لكن امريكا لم تكن تريد ومازالت لا تريد حسم الامور في سوريا بسرعة بل تريد طبخ الوضع السوري على نار هادئة هي نار الدم الذي يستمر في التدفق من الطرفين الشعب وانصار النظام وكلهم سوريون كي تتعمق الجراح وتحل غريزة البقاء محل العقل والمنطق، وبذلك تصل سوريا بكافة اطرافها الى مرحلة كسر العظم وعدم وجود مساحة للحل السلمي ويضطر من يرفض الان الحرب الاهلية والتدخل الخارجي لخوض حرب اهلية وقبول التدخل الخارجي. اليس هذا ما حدث ويحدث في العراق؟



اذن الموقف الامريكي لم يتبدل في كل الاقطار العربية وانما تطور وفقا لخطوات محسوبة سلفا وهو بعد ان قام على تعمد منع الحل السلمي للازمات المفتعلة والدفع باتجاه الحل العسكري من قبل المعارضة والحل الامني من قبل النظام وبعد ان صار الحل السلمي صعبا بدأت لعبة امريكا واوربا الاخرى وهي عدم تسليح المعارضة السورية ورفض الغزو الخارجي! وهذه اللعبة تضمن اطالة الصراع وزيادة تكاليفه المادية والمعنوية وتعميق الجراح وقتل ما بقي من استعداد للمصالحة او التفاهم بين السوريين. وستكون الخطوة القادمة المؤكدة هي الثأرات وتصفية الحسابات الدموية من قبل الطرفين كما حصل في ليبيا والعراق، وهذا بالضبط هو هدف امريكا واسرائيل في سوريا كما في العراق وغيره. من هنا فان تراجع امريكا واوربا عن مطلب تنحي الرئيس السوري او اسقاط النظام ليس ثمرة قوة النظام بل ان هدفه الحقيقي هو ادامة ومواصلة الازمة وزيادة تعقيداتها وابقاءها ساخنة وليس العكس. وهو موقف يشجع النظام على التصلب ويشجع المعارضة على العنف اكثر مما مضى.

هل فهمنا سر انجذاب امريكا الى ايران او العكس؟ اليس ذلك نتيجة صواب المثل القائلشبيه الشيء منجذب اليه؟

يتبع.........

15/4/2012

ليست هناك تعليقات: