22 مارس 2012

واشنطن : سوريا ليست كوسوفو

 تريد واشنطن إسقاط الرئيس بشّار الأسد، ولا تعرف كيف، ومن أين تبدأ… تتوقع تنحّيه، وتحدّد له مهلاً تلو أخرى منذ آب، فلا تنتهي أيامه المعدودة، ومن غير أن تعرف متى سيقع الرئيس… تتلاعب بالتراكيب والصيغ كي تقول إن «الأسد باقٍ لوقت طويل، لكنه لن يبقى إلى مدى طويل»

نقولا ناصيف
يتحدّث مطّلعون عن قرب على الموقف الأميركي عن انطباعات قاتمة في واشنطن لا تعبّر عنها تماماً بعض المواقف الرسمية المعلنة من نظام الرئيس بشّار الأسد، والأحداث في سوريا.
وعلى وفرة الإصرار على حتمية سقوط النظام ومغادرة الرئيس بشار الأسد السلطة وترجيح مهل غامضة، والتعويل على تبدّل تدريجي في موقف موسكو من دعم الرئيس السوري، تقف واشنطن عاجزة عن إحداث تغيير جوهري داخل سوريا، وكذلك حلفاؤها العرب الذين يخرجون تباعاً من مظلة التشدّد والإصرار على تنحّي الأسد، ومن الدعوة إلى تسليح المعارضة السورية توطئة لتدخّل عسكري خارجي، كمصر والعراق والأردن والجزائر والسودان، فضلاً عن حياد لبنان.
وينسب المطلعون إياهم إلى المرشح السابق للرئاسة الأميركية السيناتور جون ماكين، وإلى أعضاء آخرين في الحزبين الديموقراطي والجمهوري، أن الرئيس باراك أوباما لا يضغط بالمقدار الكافي لمساعدة المعارضة السورية، وهو يُواجه تحدّياً مزدوجاً يبرّر عجز الإدارة : تمسّك روسيا بدعم النظام السوري، وتصميم الأسد على القيام بالمستحيل من أجل البقاء في الحكم.
منذ سيطر الجيش السوري على بابا عمرو في حمص، أضحى الكلام الأميركي أقل حماسة وجدّية حيال توقع نهاية النظام، ولكنه أكثر تعبيراً عن إحباط ضاعف دوافعه استمرار العمليات العسكرية للجيش، وانكفاء المسلحين وانهيار الجيش السوري الحرّ وتنامي تفكّك المعارضة.
يتحدّث المطلعون إياهم عن وجهة نظر أخرى أكثر إثارة للجدل، هي أن الرهان الصائب على ما يحصل في سوريا تقرّره الوقائع الدائرة على الأرض……….ويستند المطلعون عن قرب على الموقف الأميركي إلى معطيات، أبرزها :

1 ــ تمثّل إيران وسوريا محور الاهتمام الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة… وفيما وضعت واشنطن خريطة طريق في ممارسة ضغوطها على الجمهورية الإسلامية لحملها على التخلي عن برنامجها النووي، فإن لا سياسة أميركية واضحة من سوريا… مع ذلك تعقد اجتماعات عمل في الإدارة تتمحور حول سبل تحديد سياسة تميل شيئاً فشيئاً إلى تنشيط عناصر الضغط الأميركي وتعزيز التدخّل في الشأن السوري.

2 ــ رغم نجاح التجربة الأميركية في كوسوفو التي مكّنت واشنطن من التدخّل العسكري المباشر، لا يعتقد المسؤولون الأميركيون أن الظروف الإقليمية والدولية ملائمة لتكرار التجربة في سوريا… استغرق درس كوسوفو وقتاً طويلاً لإتاحة الفرصة أمام تدخّل عسكري أميركي حظي بمظلة أوروبية، لا يبدو متوافراً حيال سوريا حتى الآن على الأقل، رغم أن الإدارة تعتقد أن الهدف واحد، وهو تخليص الشعب السوري من نظام ديكتاتوري.
3 ــ ليس أمام الإدارة سوى سيناريو واحد محدّد الإجراءات، يرتبط بتقديم أوسع دعم سياسي للمعارضة السورية وإرغام الأسد على التنحّي، وتقديم مساعدات عسكرية بأموال دول الخليج وتوفير تدريب سرّي للجيش السوري الحرّ… بيد أن هذه الإجراءات لا تعدو كونها أفكاراً لم تستقر بعد في سياسة واضحة، مكتملة المعالم والخيارات والأهداف ومواجهة التداعيات خصوصاً.

وتشعر واشنطن بأن دون تنفيذ هذا السيناريو عقبات ثلاث رئيسية في أحسن الأحوال
:

أولى، انكفاء تركيا عن دور متقدّم في الأزمة السورية مكتفية بمهمة الرعاية الإنسانية للاجئين… إلا أن هذا الإحجام يرتبط كذلك بالوضع الصحّي لرئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان الذي يُعالج من مرض عضال… وكان حتى الأشهر الأخيرة قد اضطلع بدور «السلطان» في قيادة المواجهة الإقليمية للنظام السوري.
وفي ظلّ اعتقاد واشنطن بأن لا تعويل موثوقاً به تتوقعه من العراق والأردن ولبنان، وهي دول الجوار لسوريا، تبقى تركيا الأكثر تأثيراً، وخصوصاً أن أردوغان ــ حتى الكشف عن مرضه ــ لم يتخلَّ عن مطالبته بتنحّي الأسد ودعم الجيش السوري الحرّ وتوفير قاعدة انطلاق له عند حدود البلدين والرعاية المباشرة للمجلس الوطني الذي أبصر النور في بلاده.
وتحت وطأة غياب «السلطان» عن المسرح السياسي الإقليمي، تجد واشنطن آمالاً ضئيلة في الوقت الحاضر في إحداث اختراق جوهري في الأزمة السورية وإضعاف الأسد وإسقاط نظامه، نظراً إلى تيقنها من أن تركيا تمثّل العمود الفقري في خطة إطاحة الرئيس السوري.

ولا يقل القلق الأميركي من تراجع الدور التركي عن قلق مشابه من آخر سعودي، تماثل أسبابه ما تشكو منه أنقرة الآن، وهو مرض ولي العهد الأمير نايف الذي يشكو هو الآخر من مرض عضال، ويعالج منه في الوقت الحاضر في نيويورك، الأمر الذي يُضاعف من الصعوبات التي يواجهها الملك المسنّ عبد الله في الداخل والخارج.
ثانية، انقسام المعارضة السورية بعضها على بعض على نحو أحالها، في نظر واشنطن، يقول المطلعون إياهم، «أتعس» من المعارضة الليبية… يحمل ذلك الإدارة على الاعتقاد بأن تدخّلها المباشر في الأزمة السورية انحداري بسبب ضعف المعارضة، وتحديداً المجلس الوطني، العاجزة عن قيادة حملة إسقاط النظام وتتوقع في الوقت نفسه أن تقفز إلى السلطة في ضوء تدخّل عسكري خارجي يطيح نظام الأسد ويُمكّن المجلس الوطني من خلافته.

ليس هذا موقف واشنطن التي تنظر إلى دورها على أنه مساعد للمعارضة السورية، وليس بديلاً منها… لا يسع الأميركيون التدخّل العسكري المباشر، ولا تولي المهمة المنوطة بمناوئي الأسد.

ثالثة، مصير الأقليات المسيحية في سوريا في حصيلة اتصالات أجرتها الإدارة الأميركية مع الكرسي الرسولي، لمست خلاله حذره وقلقه على المسيحيين السوريين، ومن خلالهم اللبنانيين، نظراً إلى ترابط واقع أحدهما بالآخر والتهديدات والأخطار التي يواجهانها معاً، آخذاً في الاعتبار حملة التهجير التي تعرّض لها المسيحيون العراقيون.
كان المسؤولون الأميركيون قد بذلوا جهوداً حثيثة، وشجّعوا وساطات اضطلعت بها جهات وثيقة الصلة بهم، لحمل المراجع الدينية المسيحية والوجوه المسيحية البارزة في المجتمع السوري على الانقلاب على الأسد، والانضمام إلى المعارضة لتعزيز ضغوط إرغامه على التنحّي… سرعان ما أخفقت.

ليست هناك تعليقات: