30 أغسطس 2011

عندما يغلب الطبع على التطبع.. الدكتور طالب الرماحي نموذجاً

على حمدان
بعد أن نشرت قبل أيام مقالين هما في واقع الأمر ردين على مقالين لكاتبين أحدهما السيد حسن الخفاجي والثاني السيد نزار حيدر.. وصلتني رسائل من بعض الإخوة مباشرة أو على شكل مداخلات على المقالين، وكان أبرز ماأشار اليه هؤلاء الإخوة مشكورين أن (لاأحرق دمي) مع كتاب من أمثال هؤلاء مكشوفي الفكر والإنتماء ومعروفين في ممارساتهم وتاريخهم. قبلت النصيحة متمثلا بقول الشاعر :

قل للذي بصروفِ الدهرِ عيّرَنَا هلْ عاندَ الدهرُ إلا مَنْ بهِ خَضَرُ

ألا ترى البحرَ تعلو فوقه جيفٌ وتَسْتَقِرُّ بأقصى قَعْرِهِ الدُرَرُ

وكَمْ في السماءِ نجومٌ لاعِدادَ لها وليسَ يُكْسَفُ إلا الشمسُ والقَمَرُ

وكَمْ على الأرضِ مِنْ خضراءَ مورقةٌ وليسَ يُرمى إلا مَنْ بهِ ثَمَرُ

اليوم طالعني موضوع مرسل على بريدي من قبل كاتب كنتُ أعتبره معتدل الطروحات الى حدٍ ما، وهو الدكتور طالب الرماحي المقيم في لندن. حيث غالبا مايرسل لي مقالاته على بريدي وكذلك عن أنشطته ومن أبرزها ” مؤتمر المقابر الجماعية في العراق ” والذي يترأسه وتُعقد جلساته سنويا مابين لندن وأربيل.

في لندن، يعقد المؤتمر في قاعة بناية الأبرار في ” كروفورد ستريت ” والمملوكة للسيد زهير البطاط. وقد حضرت شخصيا الى هذا المؤتمر في العام الماضي بدعوة بإسم مستعار لأستمع وأرى.

كتبت بعدها موضوعا حول موضوع المؤتمر وطرحت فيه تساؤلات مشروعة يبدو أنها لم ترق للدكتور الرماحي حيث لم أتلقى منه جوابا عليها.

قلت لايمكن أن يقبل أحد جرائم المقابر الجماعية لأنها جرائم لايقبلها دين ولا شرع ولاقانون ولا أخلاق.. ولكن!، وهذا كان سؤالي، لماذا نتكلم فقط عن جرائم مقابر جماعية نعزيها الى النظام السابق في العراق قبل الإحتلال؟ ولماذا ننسى أو نتناسى مثل هذه الجرائم والتي حدثت منذ عام 2003 ولا زالت.. وفي مناطق مختلفة من العراق بعضها تم كشفها والعثور عليها وبعضها الآخر بقيت بدون تعريف أو هوية في وادي السلام في مدينة النجف..؟ أوليس هؤلاء الذين دفنوا فيها من العراقيين ونحن نتكلم عن المقابر الجماعية في العراق؟ وأنت يادكتور ترأس مؤتمرا يعنى بهذه الجرائم في العراق..؟ ثم ضربت له مثلا بالمقابر الجماعية التي قام بها مجرمو الجيش الأميركي وحلفائهم في جنوب العراق عام 1992 عند إنسحاب الجيش العراقي من الكويت وما هو موثق لدى محطات تلفزيونية عالمية منها (سكاي) البريطانية والتي شاهدتها أنا شخصيا من على شاشتهم عام 1992.. والأدهى من ذلك أن بعض الميليشيات لاحقا وبعد الإحتلال، وأعتقدها جيش المهدي عثرت على بعض هذه المقابر الجماعية في الصحراء مابين حدود الكويت والسعودية والبصرة وجنوب العراق، ولما وجدوا أنها تعود الى شهداء من الجيش العراقي وبالتعرف على هوياتهم، تم ردمها ومسحها بالأرض من جديد.. في حين تم إستغلال البعض الآخر منها إعلاميا كونها مقابر جماعية تمت على يد جماعة النظام السابق..!!

هذه معرفتي بالدكتور طالب الرماحي والحدود التي وقفت عندها عند مخاطبتي له، وتركت بعدها الموضوع.

نعود الى الموضوع الذ ي تسلمته اليوم من الدكتور الرماحي، وهو رد على كاتب مصري كان قد نشر مقالا موقع بإسم سيد أمين، شاعر وصحفي عربي مصري، وبتاريخ 21/8 يقارن فيه بين صدام حسين وحسني مبارك، ورد الدكتور الرماحي عليه والذي فوجئت فعلا بمضمونه وأسلوبه.. ولأمانة النشر أنقله لكم حرفيا بأخطائه الإملائية أو الطباعية والتي أعتقد أنها ناجمة عن عجالة الدكتور الرماحي في كتابة الرد، ثم سأتناول التعليق عليه باختصار :

رد الدكتور طالب الرماحي على الكاتب المصري سيد أمين :

سيد أمين كفى سذاجة أيها الغبي

لا أدري ماذا يريد هذا المدعو بسيد أمين أن يقول لقرائه الذي يتوهم دائما في كتاباته انهم جمع من السذج أو الذين لايفهمون ما يقرأون.. فهو في مقارنته هذه بين صدام الذي واجه 33 دولة وحسني مبارك الذي ثار عليه شعبه ووضعوه في قفص افتهام.. أن اللاأمين يريد أن يخدعنا بشجاعة سيده صدام وبجبن حسني مبارك.. هذا الرجل الذي يطلق على نفسه بالأمين جزافا يبدو أنه لم يفهم تاريخ صدام وحقارته وجبنه الذي تجاوز كل حدود الجبناء في التاريخ.. أو انه يدرك هذه الحقيقة لكنه لايريد ان ينزع عن عقله شجاعة وهمية لشخص كان عليه فضل وكان من اذياله الذي يعتاش على فضائله ويبدو ان سيد أمين من اصحاب الكابونات الذين يعتاشون على اموال الشعب العراقي التي كان يتفضل بها المقبور صدام على القومجيين العرب من الإعلاميين كسيد امين وهامر العظم وعبد الباري عطوان ومحمد المسري وامثالهم من أغبياء النخب القومجية العربية.

واحب ان ابين حقيقة يفهمها كل العرب اشرافهم وغيرهم وإن لايريد أن يفهمها المدعو سيد أمين وهي :

أن صدام المقبور حارس البوابة الشرقية للعرب من أمثال سيد اللاأمين قد ترك المعركة قبل أن يتركها البعثيون والجنود المغرر بهم، ترك المعركة وفر بجلده وهذا قمة الجبن وقد شهد ذلك العالم وادرك حقيقة ذلك الجبن كل العالم إلا عقل سيد الاأمين.

المقبور صدام بقي هاربا ويتنقل بين الحفر والمخابئ حتى تم العثور عليه في أحد الجحور وسلم نفسه بشكل مقزز واعتقد لو ان مومس كانت محله لفظلت ان تقتل نفسها ولا تظهر بذلك المظهر الذليل.. ففأين شجاعة سيدك صدام ياسيد اللاأميم؟

صدام اقترف من الجرائم ماتندى له كل جباه الشرفاء في العالم، نعم لاتندى لتلك الجرائم جباه حقيرة وذليلة ومتطفلة كجباه سيد امين وامتثاله عامر العظم وعطوان والنسري، ويسعدنا أن يبقى مثل هؤلاء الأذلاء في زريبة سيدهم المهزوم.

أما فيما يخص حسني مبار فأنا اتفق على أنه مجرم وديكتاور لكن إجرامه وغطرسته لايمكن ان تقاس بجرائم وغطرسة المقبور صدام حتى يعاب عليه في مقارنته بشجاعة المقبور صدام المزعومة.. كما أن حسني مبارك قد رضخ للغة العقل وتنازل عن السلطة وسلم نفسه للقضاء عكس صدام المهزوم الذليل الذي ظل مطاردا حتى أظهروه من الحفرة بتلك الحالة المخجلة وذلك الشكل المخيف الذي يشبه حشاشي بومباي.

أنا أقول كفى بك ياأمين وغيرك أن تخاطب عقول النخبة العربية بمثل هذه اللغة الهابطة.. واعلم أن هذه اللغة لن تغيظ احدا من العراقيين طالما تدل دلالة كبيرة على أن أعداء الشعب العراقي في مثل هذه الدرجة الوضيعة من السذاجة والغباء.

إنتهى رد أو مقال الدكتور طالب الرماحي.

أولا، وقبل كل شيئ، كنت أتمنى على كاتب وأكاديمي يحمل شهادة دكتوراه كما يدل على ذلك لقبه العلمي، أن يربأ بنفسه عن إستخدام مصطلحات سمجة وهابطة اللغة، وهو قد أعاب على الكاتب سيد أمين مخاطبته لعقول النخبة العربية بلغة هابطة.. لأن مثل هذه المصطلحات قد يستخدمها أزلام السياسيين عديمي الثقافة في الشوارع والحواري ولا يلامون عليها لأنهم لايعرفون غيرها ولم يتربوا إلا عليها.. وأول تلك المصطلحات هو (القومجيين والقومجية العربية) والمقصود طبعا القوميون العرب والقومية العربية.. ولكن يبدو لي أن اللغة هنا تتطابق والطبع يغلب التطبع كما هو دائما وذلك حين ذكر القومية أو القوميين العرب وأفكارهم وعقيدتهم وأحزابهم والمفروض بدكتور مثقف يرأس جمعية ويدير مؤتمرات ويعيش في بريطانيا أن يحترم فكر وعقائد الآخرين ويناقشهم موضوعيا إن شاء على أفكارهم فيخرج بذلك من دائرة الهابطين والشوارعيين دعوجية كانوا أم بدرجية أم صدرجية..!! فهؤلاء لايمكن أن نلومهم لأن هذه حدود ثقافتهم وتربيتهم.. لم يعرفوا الشهادات ولم يصلوا الى الدكتوراه ولم يتثقفوا سياسيا أصلا.

ماذكرته عن مصطلح القومجية العرب ووصفهم بالأغبياء من قبل الدكتور، ينطبق في واقع الحال على كل مصطلحاته اللاحقة في المقال، ولا أدري لماذا إنحدر الى هذا المستوى، أومَن دفعه الى هذا المنحدر؟ وهل يعتبر ذلك مبررا بسبب مقال كتبه شخص يمتدح شجاعة رئيس دولة راحل وهو صدام حسين ويعيب على رئيس دولته بصفته مصريا.؟ ولماذا لانترك الناس تفكر كيف تشاء، تحب صدام أو تكره صدام، ولماذا يستفزنا الى هذا الحد من يذكر حسنة من حسنات صدام..؟

ونعود الى الرئيس الراحل صدام حسين، وقد أصبح في ذمة الله، كما يصبح وسيصبح غيره وكل نفس ذائقة الموت.. ونحن في شهر رمضان.. وندعي أننا من شيعة إمام التقوى والعدل أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي لم يصدر حكمه في لحظة معاناة وغضب على قاتله بل أوصى بقتله إن هو مات دون التمثيل به.. وإن هو عاش فيترك أمره له لمحاكمته شرعا.. ومَن أعدل من حاكم كعلي عليه السلام.؟

أين الثرى من الثريا.. يادعاة التشيع للإمام علي عليه السلام..؟

ألا تستطيعون أن تتخذوه أسوة حسنة حتى في كتاباتكم..؟

طيب.. إعتبروها من باب التقية على الأقل لكي تكسبوا بها تأييد واحترام القراء. أليس ذلك أفضل من السب والشتم والطعن في شخص توفاه الله.. ولايجوز على الميت إلا الرحمة.. ونحن في رمضان على وجه الخصوص.

صدام حسين لم يترك المعركة ويختبئ فاراً بجلده كما تقول. ليس دفاعا عن صدام وإنما إنطلاقا من تسلسل الأحداث ووقائعها.. والعراق تحت قصف جوي وحرب برية شرسة من قبل دول عديدة وتآمر من الداخل ودول الجوار.. وأي قائد لابد له من الإنسحاب ليتحول الى اسلوب حرب العصابات والمقاومة.

صدام حسين لم يترك العراق عندما أتيحت له الفرصة عند بدء الحرب.. ولو كان جبانا أو خائنا لفعل.. وكانت أمامه عروض مغرية من الرئيس الروسي ومن الشيخ زايد رحمه الله وغيرهما. ولكنه قاتل وفقد ولديه وشرد عائلته من أجل أن يقاوم ولا يترك العراق حتى يموت على أرضه.

صدام حسين لم يسلم نفسه كما قلت.. وأنت تجافي الحقيقة التي حتى الأميركان قد إعترفوا بها لاحقا. لقد كان ضحية خيانة كولديه اللذين ماتا وهما يقاتلان. وحين وجدوا مخبأه تم تخديره بقنابل غازات مخدرة وقبض عليه مخدرا والصور الأميركية نفسها كشفت ذلك.. وأعتقد كما غيري، انه لولا ذلك لقاتل حتى يقتل. أما أن تعيب عليه أنه لم يقتل نفسه.. فقد قدمتّ له المديح فعلا، فليس قتل النفس، أي الإنتحار إلا من شيم المحبطين والضعاف واليائسين، إضافة الى تحريمه شرعا.

صدام حسين قدّم كابونات النفط.. ومنح أموالا للإعلام والصحافيين وقل ماشئت.. ولكن قل لي بربك ماذا يجري اليوم في العراق من حرق وتبذير المليارات والفضائح بشكل يومي..؟ وقل لنا:مِن أين لرجال دين ومراجع إمتلاك القصور والعمارات في لندن التي تعيش فيها أنت..؟ أم تريدني أن اعطيك العناوين البريدية والأسعار، بل حتى صورها وبعض صور عقود بيعها..!

صدام حسين، وباعتراف مسؤولين ماليين دوليين، وقد مضت سنوات على رحيله، لم يجدوا له حسابا شخصيا واحدا في أي بنك عالمي، ولم يجدوا له عقارا أو أملاكا في أي مكان.. أما قصوره وحتى سياراته فكلها مسجلة بإسم حكومة العراق وباعتراف بريمر ومن أتى بعده..!

نعود الى حسني مبارك.. هذا الذي تدافع عنه بشكل مبطن وصريح. وسبب الدفاع أعتقد لايمكن تجاهله فالرجل قد ساهم مع أعداء العراق بالمشاركة العسكرية في ذبح العراق عام 1992 والسنوات التي تلت ذلك.. وقبض من دولارات البترول ماشاء له.. تماما كما قبض من العراق ومن قبل صدام قبل ذلك مبلغ 120 مليون دولار كتبرع من حكومة العراق لمكتبة الإسكندرية.. والتي عُثر عليه مؤخرا بعد الثورة المصرية في حساب سوزان مبارك.. لابارك الله به ولابها ولابكم.

صدام حسين حوكم وعلى الملأ.. واطلع العالم عليه في قفص الإتهام.. لم يهِن ولم يسمح لأحد بإهانته.. وقارن ذلك بمنظر حسني مبارك في المحكمة، وأنت تدعي أنه قد سلم نفسه للسلطة ورضخ للغة العقل (!!)

حسني مبارك لم يسلم نفسه.. بل أجبر على الركوع.. تمارض ودخل مستشفى شرم الشيخ، في محاولة طفولية لإستدرار عطف الشارع والعالم.. أتى المحكمة ممدا على سرير كالجبناء يمثل دور الأبله المخرّف يلعب بأنفه بإصبعه أمام الكاميرات.. فأين الثرى من الثريا يادكتور..؟؟

أنصفوا وأنت تكتبون.. واتقوا الله الذي اليه تُرجعون.

وتذكر دائما أن اللغة الهابطة لاتليق بدكتور.

lalhamdani@rocketmail.com

ليست هناك تعليقات: